ألمانيا صمتت بشأن تصريحات رئيس البرازيل عن المحرقة

واستشاطت غضبا من أقوال الرئيس عباس

إبراهيم بدوي

بعد وصولها إلى البرازيل لحضور اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، سلطت وسائل إعلام ألمانية على “كيف ستتصرف وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مع الرئيس البرازيلي”، وعما إذا كانت هناك إجراءات ألمانية سيتم اتخاذها، بعد أن أثارت تصريحات لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بشأن غزة غضب إسرائيل.

وكان الرئيس البرازيلي قد قارن تصرفات إسرائيل في قطاع غزة بالمحرقة، كما أن بداية رئاسته لمجموعة العشرين تتعرض لضغوط كبيرة، بيد أن وجود بيربوك يثير تساؤلات حول كيف سيكون التصرف الألماني، خاصة أن هذه المقارنة أثارت غضب ألمانيا بالسابق أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس واستخدامه أيضا تصريحات مشابهة، ما عرض الرئيس الألماني وقتها إلى انتقادات كبيرة.

وكان عباس زار برلين في آب/أغسطس 2022 بناء على دعوة من الحكومة الألمانية، وخلال المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتس، اتهم إسرائيل بارتكاب عدة محارق “هولوكوست” بحق الفلسطينيين، الأمر الذي أثار غضبا في البلاد.

وأثار إعلان شرطة برلين فتح تحقيق في شبهة “تحريض على العنف” تطال عباس جدلا داخل ألمانيا، ففي حين تطالب شخصيات سياسية بمواصلة الضغوط على عباس، ومراجعة برنامج المساعدات المالية المقدم من ألمانيا للفلسطينيين، طالبت شخصيات سياسية بإبقاء جسور التواصل مفتوحة بين ألمانيا والفلسطينيين مع ضرورة مراجعة مشتركة لكيفية تقديم هذا الدعم، وتعديل آليته.

وساد غضب عارم في الأوساط السياسية والإعلامية بعد قول الرئيس الفلسطيني، خلال المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني، إن “إسرائيل ارتكبت منذ عام 1947 حتى اليوم 50 مجزرة في 50 موقعا فلسطينياً .. 50 مجزرة 50 هولوكوست”. وجاء كلام عباس رداً على صحافي سأله حول ما إذا كان سيعتذر لإسرائيل بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين للهجوم الفلسطيني على البعثة الرياضية الإسرائيلية في أولمبياد ميونخ 1972″.

بالنسبة لبيربوك، فإن السؤال الرئيسي في اجتماع ريو هو كيف يجب أن ترد على تصريحات لولا بشأن إسرائيل. وكانت إسرائيل قد انتقدت بالفعل اختيار لولا للكلمات المتعلقة بحرب غزة باعتبارها معادية للسامية، وقد وقف لولا إلى جانب الفلسطينيين في وقت مبكر بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). كما أيد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي وصفت الغزو الإسرائيلي لغزة بأنه إبادة جماعية.

وأعلنت كل من فنزويلا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا دعمها لتصريحات الرئيس البرازيلي. وعبر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عبر حسابه بمنصة “إكس” عن دعمه لنظيره البرازيلي. وقال: “أعرب عن تضامني الكامل مع الرئيس البرازيلي لولا، فغزة تشهد إبادة جماعية، ويقتل بوحشية آلاف الأطفال والنساء وكبار السن من المدنيين، ولولا لم يقل إلا الحقيقة التي يجب الدفاع عنها وإلا ستقضي الهمجية علينا”.

بيربوك الصامتة؟

وبحسب مجلة شبيغل الألمانية فلا يبدو أن لولا مستعد للتراجع عن المقارنة بهتلر. لقد قال ببساطة إنه “أدان أعمال حماس عدة مرات”، وقال إنه يجب معاقبتها. وقال متحدث باسم لولا بعد تصريحاته المثيرة للجدل في أديس أبابا إنه يتعين على المجتمع الدولي أن ينتقد الدمار في قطاع غزة.

وترى المجلة الألمانية أن تخوف الوزيرة من تصرفات برازيلية غير محسوبة قد يكون الدافع لغاية الآن لصمت بيربوك. وتضيف “لولا رئيس، وبيربوك مجرد وزيرة، لذا فهما لا يعملان على نفس المستوى. ولن تضطر بيربوك إلى التعليق علناً على تصريحات لولا. لكن المقربين منها أوضحوا بشكل واضح كيف تفكر في الأمر.

وبحسب شبيغل، فإن الوزيرة انتقدت الوضع في قطاع غزة مرارا، كما أن المعاناة هناك لا تترك أحداً في العالم غير متأثر.

بيد أن شبيغل تؤكد أيضا أنه (وخاصة في ذهن الألمان) “لا شيء يمكن مقارنته بالمحرقة”. ومثل هذه المقارنات ليست مفيدة على الإطلاق، كما يقول المحيطون بالوزيرة بيربوك. ومن الممكن أن يكون لولا يجري حسابات. ومن خلال موقفه من حرب غزة، فهو يعلم أنه يقف إلى جانب العديد من الدول الناشئة التي يمكن أن تستقبل تصريحاته المثيرة للجدل بشكل جيد. كما أن مقارنات المحرقة باتت أقل استقطابا هناك مما هي عليه في الغرب. ويقوم لولا حاليا بتشكيل تحالف من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا. وكان ذلك أيضاً سبب زيارته للعاصمة الإثيوبية حيث شارك في القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الإفريقي، وقد دافع عن خطته لضم المزيد من الدول الإفريقية إلى مجموعة العشرين. وهو يجمع بين هذا وبين هدف رئاسته المتمثل في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

تدعم الحكومة الألمانية البرازيل بالكثير من الأموال لوقف إزالة الغابات في منطقة الأمازون. ومنذ تولي لولا منصبه، يبدو أن هذا قد تباطأ ، الأمر الذي أكسبه بعض الشعبية في بلده.

وبالرغم من رفض الولايات المتحدة تصريحات دا سيلفا وذلك عشية لقائه وزير الخارجية انتوني بلينكن، فإن الصمت الألماني أمام لولا يعد لغزا ويثير تساؤلات كبيرة للإعلام الألماني.