ألمانيا تتحول .. والبديل يتراجع

الدليل ـ برلين

خسر حزب البديل الكثير من التأييد في الآونة الأخيرة، فبعد أشهر من بداية الوباء العظيم تراجع التأييد الشعبي له إلى 9 في المئة، وهي أقل نسبة له من عام 2017، لقد فشل سياسيوه في اقتناص فرصة تفشي الفيروس لمصلحتهم، حيث أبلى الكثير من المهاجرين واللاجئين بلاءً حسناً في احلك ظروف الوباء.

وفي هذا الإطار أظهر تحليلٌ لحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحزب، أن مدى وصولها إلى الناس ما بين منتصف مارس (آذار) إلى منتصف مايو (آيار)، انخفض تقريباً بمقدار النصف.

في غضون ذلك، قفز حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” من نسبة تأييدٍ كانت في حدود 27 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، إلى 38 في المئة. ويقول نحو 67 في المئة من الألمان إنهم إما “راضون” أو “راضون جداً” عن الطريقة التي تتعامل حكومتهم من خلالها مع مكافحة الوباء.

تقول بروفيسورة في علم الاتّصال في المجتمع المدني أنه “في أوقات الأزمات، يحصل عادةً الذين يكونون في موقع المسؤولية على تأييد الناخبين. إنهم الوحيدون الذين يمكنهم القيام بأيّ شيء، في حين أن المعارضة تكون عاجزة عن التصرف”.

وفي دولٍ أوروبية أخرى مثل إسبانيا والنمسا والسويد وفنلندا، شهدت أحزاب اليمين الشعبوية التي تقف في صفوف المعارضة كذلك، انخفاضاً في دعم الناخبين لها.

يُضاف إلى ذلك، أن طبيعة أزمة تفشّي هذا الفيروس، حرمت حزب “البديل من أجل ألمانيا” من قدرته على استخدام تكتيكاته المعروفة. وتوضح البروفيسورة أن “الحزب قدّم أداءً جيداً عندما كان هناك كبش فداء، أما اليوم فلا توجد ضحية. إنه حزب يقف عند أقصى يمين السياسة، وما نشاهده الآن هو عودةٌ للدولة الكبيرة والقوية، مع الأموال كلها التي يتم ضخها في سوق العمل، وهذا يناقض تماماً ما ينادي به حزب (البديل من أجل ألمانيا)”.

في المقابل، سُجّل تطوّر آخر مثير للاهتمام على امتداد أزمة الوباء، تمثّل في تجدّد ثقة الناس في العلوم والخبرة، على نقيض الكلام الشعبوي للحزب اليميني، فقد تردد اسم العالم في الفيروسات كريستيان دروستن الذي يقدّم النصح للحكومة، وبات معروفاً منذ بداية تفشي المرض، وحقّقت المدونات الإذاعية  اليومية التي يجريها مع التلفزيون الرسمي أكثر من 34.5 مليون عملية تنزيل.

والناس يبعثون بآلاف الرسائل الإلكترونية التي توضح مدى إعجابهم بتلك المواد، لاسيما التفاصيل العلمية المعقدة التي تشتمل عليها، وهذا ما يجعلهم يثقون بها.

من جانبها، نجحت المستشارة أنغيلا ميركل في كسب الثناء في سياسة التواصل الواضحة والثابتة التي اعتمدتها مع الناس، ما أسهم في تحسين مستوى الثقة فيها وفي تصنيفات الموافقة على أدائها. عندما تخاطب الجمهور على شاشة التلفزيون غالباً ما يكون برفقتها أحد العلماء في الفيروسات، ما يدل على مدى اعتمادها على العلوم والأرقام. إن المستشارة الألمانية “قد لا تكون الشخصية الأكثر حيويةً وجذباً وتألقاً، لكنها اكتسبت بطريقتها التكنوقراطية كاريزما جديدة، على ما أعتقد”.

وكان حزب “البديل من أجل ألمانيا” قد انتقد في بداية الأزمة الحكومة المركزية على عدم تصرفها بالسرعة الكافية. أما الآن، وفيما بدأت ألمانيا إعادة فتح اقتصادها ببطء، يحاول الحزب إجراء إعادة التموضع بتصوير نفسه على أنه الحزب المناهض للإغلاق. وقد نُظّمت احتجاجاتٍ متصاعدة في جميع أنحاء البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية، شارك فيها طاقم متنوّع من منظّري المؤامرة من أقصى اليسار إلى اليمين المتطرّف. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن هذه التحركات قد حسنّت من موقع حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الاستطلاعات.

لكن الحزب ما زال قادراً على العودة، إن ألمانيا، كغيرها من البلدان الأخرى، تواجه مرحلة ركود اقتصادي. وعندما تنتهي هذه الأزمة، لنقل بعد سنة من الآن، سنواجه أزمة بطالةٍ كبيرة واستياءً لدى الناس. ويرجّح أن يحقّق الحزب مكاسب في مناطق ألمانيا الشرقية السابقة، حيث يحظى بدعم أكبر، فالولايات الشرقية هي أكثر فقراً، ويحقق الموظفون الذين يعملون بدوامٍ كامل، متوسط دخل أقل بنحو 16 في المئة من نظرائهم في الولايات الغربية، ويُحتمل تالياً أن يوجه الركود الاقتصادي ضربةً أكبر إليهم.

إن تلك المناطق تشكل جزءاً من البلاد شهد فيها السكان تبدّلاتٍ كبيرة حتى الآن، الأمر الذي يمثّل تغييراً آخر في اللعبة. إن ثقتهم بالدولة ليست كبيرة هي الأخرى، وهو أمر مفهوم، نظراً إلى ماضيهم. ومما لا شك فيه أن دولةً قويةً سيكون لها الدور الأكبر في محاولة إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وهذا قد ينشئ ظروفاً مواتية يمكن لحزب “البديل من أجل ألمانيا” أن يستغلها.

معلومٌ أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” قام أساساً في عام 2013 على مبدأ التشكيك في أوروبا، واعترض على عمليات الإنقاذ المالي في جنوب القارة، وهو يمكن أن يتطلّع الآن إلى استغلال الضجة الراهنة المتعلقة بما تُسمى “سندات كورونا” coronabonds، وهي طلبات لتخفيف الديون المشتركة في منطقة اليورو، من جانب إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

يمكن القول أيضاً إنه، بغض النظر عن استطلاعات الرأي، فإن حزب “البديل من أجل ألمانيا” ألحق حتى الآن ضرراً جدّياً بالمجتمع الألماني، قد تصعب إزالة آثاره.

في هذا الإطار كان تقرير صادر عن “المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصّب” قد لاحظ في وقتٍ سابق من هذه السنة، أن الخطاب العام في ألمانيا أصبح يتسم بطابع أكثر كرهاً للأجانب، وأن هجماتٍ إرهابية عِدة تم شنها من قبل متطرفين يمينيين.

.