أزمة اقتصادية وشيكة.. تهدد الأمن القومي في تركيا

 

إبراهيم بدوي

 

قال الكاتب سكوت بي ماكدونالد، وهو المدير العام في شركة «كيث دبليو رابين العالمية» للاستشارات والأبحاث، إن تركيا في اتجاهها لأزمة اقتصادية، وأن معظم هذه الأزمة ستكون من صنعها.

وأضاف في مقال نشره موقع «ناشيونال إنترست» أن تركيا دولة بالغة الأهمية، إذ يقع جزء منها في أوروبا وآخر في آسيا. فهي تقع على حدود دول الاتحاد الأوروبي، اليونان وبلغاريا، وتشارك حدودها الجنوبية مع كل من سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية، والمنطقة الكردية المستقلة في العراق، وإيران القوة الطامحة في المنطقة، وأرمينيا حليفة روسيا، بالإضافة إلى جورجيا. وعبر البحر الأسود تقع روسيا، العدو التقليدي، والآن هي حليف مؤقت. بتعداد يفوق 80 مليونًا بقليل وبجيش هو الأكبر في المنطقة، يَعتبر الكاتب أن تركيا هي نتيجة لجيرتها بالإضافة إلى الحسابات الجيوسياسية للولايات المتحدة وألمانيا وروسيا والشرق الأوسط. ولكن للأسف، فإن تركيا قد تكون على مشارف أزمة اقتصادية كبيرة.

 

قدمت تركيا كثيرًا منذ السبعينيات والثمانينيات التي اتسمت بالفوضى، حينما عصفت صدمات النفط بالاقتصاد، واستولى التضخم المرتفع على ما في جيوب الشعب، كما أعيد تشكيل علاقة العسكريين بالمدنيين أكثر من مرة، عن طريق حكم الدبابات والإطاحة بمسؤولين منتخبين. اتسمت نهاية تسعينيات القرن الماضي باستقرار سياسي أكبر، وبنفوذ مدني على السلطة العسكرية، ونمو اقتصادي قوي، وانخفاض في معدل التضخم، بالإضافة إلى تحسن في مستوى معيشة المواطنين. والرجل الذي ارتبط اسمه بكل هذا هو رجب طيب أردوغان، الذي انتقل من سلطة سياسية إلى أخرى، فشغل أولًا منصب رئيس الوزراء ثم بعد تغيير الدستور التركي قفز إلى منصب الرئيس، لكن مع سلطات أكثر تعزيزًا من كل الرؤساء الذين سبقوه في المنصب.

 

خلال الألفية الثانية، فاز حزب أردوغان (حزب العدالة والتنمية) في خمسة انتخابات متتالية (2002، 2007، 2011، يونيو (حزيران) 2015، ونوفمبر (تشرين الثاني) 2015). رغم أن «حزب العدالة والتنمية» أسس على جذور إسلامية، إلا أن فوزه في الانتخابات كان بسبب براجماتيته فيما يخص المسائل الاقتصادية، وعدم وجود فساد في الحزب، بالإضافة إلى وصوله إلى طريق مسدود مع الأحزاب العلمانية العنيدة في البلاد.

 

محاولة الانقلاب والتحول السياسي

إن محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو (تموز) 2016 كانت نقطة تحول في السياسة التركية. وبينما انتصر «العدالة والتنمية» على الجيش في معارك سياسية داخلية، فإنه فعل ذلك بمساعدة أتباع المفكر الإسلامي والداعية فتح الله كولن، الذي عاش في الولايات المتحدة منذ 1999. ينظر إلى أتباع كولن على أنهم حركة دينية واجتماعية، حجم أتباعها كبير ويشغلون أماكن مهمة في الدولة وقطاع الأعمال التركي، كما أنهم محافظون في الكثير من النواحي، بالإضافة إلى اتهامهم بأنهم جماعة إسلامية سرية. حدث الصدع بين حزب أردوغان وأتباع كولن، عندما انتشرت مزاعم بأن كولن هو العقل المدبر لانقلاب 2016 الفاشل.

يشير الكاتب إلى تداعيات الانقلاب، فيقول إن حكم أردوغان أصبح أوتوقراطيًا بشكل كبير، وتم التضييق على الحريات السياسية في البلاد بدعوى الأمن القومي. واستكمالًا لهذه الخطوط، فإن أردوغان طهر البلاد من أتباع كولن المحتملين، وقاد حملة لقمع الأقلية الكردية في البلاد، وشرع في خطوات عسكرية ضد الأكراد في سوريا، الذين أصبحوا ضمن الجماعات المسلحة الرئيسية هناك.

لكن يبدو أن الاقتصاد هو المشكلة الكبرى التي تواجه تركيا. إن الاقتصاد التركي شهد ارتفاعًا بنسبة 7% في 2017، مدفوعًا بزيادة كبيرة في الائتمان، وضمانات الدولة على القروض بالإضافة إلى الدعم المالي. وشهد التصدير ارتفاعًا كان ضعف الليرة عاملًا أساسيًا فيه.

يقول الكاتب إن الضغوط التضخمية آخذة في الارتفاع، بالإضافة إلى زيادة العجز في الحساب الجاري والذي من المحتمل أن يظل يشكل حوالي 5% من إجمالي الناتج المحلي. قد تنهي تركيا عام 2018 تحت ضغوط مالية، ومخاوف تتعلق بالتمويل على خلفية العجز الكبير في الحساب الجاري، بالإضافة إلى تضخم متزايد، كل هذه العوامل سيكون لها تداعيات سياسية.

إن الحكومة متخوفة من أنها إذا ما قامت بإبطاء الاقتصاد عن طريق تشديد السياسة النقدية، فسيضر ذلك بالحزب الحاكم (العدالة والتنمية) في انتخابات المبكرة للرئاسة والجمعية الوطنية الكبرى.

يقول الكاتب: «لا يمكن إخفاء المشكلات الاقتصادية لدى تركيا بكنسها تحت السجاد». فحمى النشاط الاقتصادي قد حظيت بانتباه بعثة صندوق النقد الدولي لتركيا، إذ حذر الصندوق في البيان الختامي لمشاورات المادة الرابعة في فبراير (شباط) 2018: «يمكن أن تصبح مناطق الخطر أكثر وضوحًا إذا ما اتخذت الظروف الخارجية منعطفًا سلبيًا. وتشمل نقاط الضعف: احتياجات التمويل الخارجية الكبيرة، والاحتياطي المحدود من العملات الأجنبية، وزيادة الاعتماد على تدفقات رأس المال قصيرة الأجل، وارتفاع تعرض الشركات لمخاطر صرف العملات الأجنبية. كما أن هناك مؤشرات على زيادة العرض المحتمل في قطاع البناء والتشييد.

إن انتقادات صندوق النقد لم ترحب بها تركيا. وكانت وجهة نظر أنقرة في الأمر أن اقتراحات صندوق النقد من خفض تركيا للإنفاق وكبح التضخم كانت بالاستناد إلى «نظريات اقتصادية فاشلة، أكل الدهر عليها وشرب». و«إننا سنقوم بفعل العكس تمامًا».

إن مشكلة تركيا أنها تخطط لاستمرار تحفيز الاقتصاد، في الوقت الذي يقوم فيه «بنك الاحتياطي الفيدرالي» و«البنك المركزي الأوروبي» بتشديد السياسة النقدية، ما يعني ارتفاع كلفة الاقتراض. هذا النوع من السياسة – يشير الكاتب – قد يحقق نموًا قويًا لعام آخر، لكنه يمهد الطريق أمام هبوط حاد. وفي الوقت نفسه هناك تساؤلات متزايدة حول استقلالية البنك المركزي التركي، ومدى وعيه بعمق المشكلة، وما إذا كان لديه القدرة على احتواء الضغوط التضخمية.

 

الأزمة قادمة

إن احتمالية أزمة اقتصادية في تركيا لم يتم الإشارة إليها من قبل صندوق النقد الدولي فقط. ففي مارس (آذار) الجاري، خفضت وكالة «موديز» تصنيف تركيا من «بي إيه 1» إلى «بي إيه 2»، مع الإبقاء على مظهر عام سلبي. وبحسب ما أعلنته الوكالة: «يبدو أن الحكومة ما زالت تركز على تدابير قصيرة الأجل، على حساب السياسة النقدية الفعالة، والإصلاح الاقتصادي الأساسي». كما أشارت «موديز» إلى «الخطر المتزايد لصدمة خارجية، مع الأخذ في الاعتبار العجز الكبير في الحساب الجاري للبلاد، وارتفاع الدين الخارجي وما يرتبط به من شروط تمديد كبيرة، في سياق مخاطر سياسية مرتفعة».

وبالنظر إلى الأمام – يقول الكاتب – فإن تركيا تتجه إلى ما يمكن أن يكون أمواجًا اقتصادية متلاطمة، أساسها هو الاعتقاد بأن النمو القوي يجب الحفاظ عليه من أجل أن يفوز أردوغان وحزبه في الانتخابات.

 

يتساءل الكاتب: «هل يمكن الإبقاء على الاقتصاد دون أن يغرق كل هذه المدة؟». مع المؤشرات العالمية التي تلوح في الأفق، فإن هناك انخفاضًا محتملًا في النمو الاقتصادي العالمي، مرتبطًا بزيادة الحمائية التجارية، وبالإضافة إلى النفقات المتزايدة باستمرار للجيش التركي التي يخاطر بها في عمليات في شمال سوريا؛ فإن الحكومة المالية للبلاد ستكون بين شقي رحى تكلفة الاقتراض المرتفعة، وتخوفات المستثمرين.

معنى ذلك أن رهان أردوغان يبدو سيئًا. يبدو أن تركيا تتجه إلى أزمة اقتصادية كبيرة، معظمها صنعتها هي بنفسها.