مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»
كان الموسم المسرحي 2015 – 2016 فوق خشبة «لا كوميدي فرانسيز» (المسرح الوطني الفرنسي) قد شهد عرض أحد أنجح الأعمال التي قدمتها هذه الفرقة في السنوات الخمس السابقة، وهو «لوكريس بورجيا»، المسرحية التي ألفها الأديب الفرنسي الراحل فيكتور هوغو والتي اختار المخرج دوني بوداليديس أن يقدمها في حلة استثنائية بعيدة كلياً عن الكلاسيكية التي عادة ما تميز مؤلفات هوغو.
وأتت الهامشية من وراء قرار بوداليديس منح دور بطلة المسرحية لوكريس بورجيا وهي امرأة صاحبة نفوذ تُمارس الديكتاتورية في كل مجالات حياتها، متجاهلة إنسانيتها ومستعدة لارتكاب أبشع الجرائم حتى في حق أقرب المقربين إليها، إلى الممثل غيوم غاليين بينما أسندَ شخصية الأمير الشاب دي جينارو إلى الممثلة المغربية الجذور سوليان إبراهيم.
وفور الإعلان عن الحدث، حجزت الأماكن لستة شهور مقبلة في أقل من أسبوع من تاريخ طرحها للبيع. وانقسمت الآراء حيال أداء غيوم غاليين لشخصية بورجيا واضعاً جانبه الذكوري القاسي في مقدم الساحة، وإن كان قد ارتدى ملابس نسائية، فجسّد امرأة مجرّدة من أدنى درجات الأنوثة أو مشاعر الأمومة.
كما تساءل الجمهور عن طريقة تمثيل سوليان إبراهيم الناعمة دور الأمير دي جينارو. وأبدت الغالبية رضاها عن مبادرة المخرج بوداليديس معتبرة إياها في محلها بل أكثر من ذلك، بما أنها شكلت خطوة جريئة للغاية في مسار فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذي تميزه الكلاسيكية. وهناك فئة ثانية رأت في الحكاية حيلة دعائية هدفت إلى تحقيق «تقليعة» غير جديرة بسمعة الفرقة الوطنية أو مكانتها لا أكثر ولا أقل.
حققت المسرحية نجاحاً لافتاً، ولكن بعد تولي الفنان إيريك روف مسؤولية إدارة الفرقة أخيراً، استدعى المخرج دوني بوداليديس لإبلاغه بضرورة إعادة تقديم المسرحية، شرط إستاد الدور النسائي إلى لسيدة والدور الذكوري إلى رجل، على أن يبقى هو المخرج.
وبرر روف موقفه بحجة بسيطة لا تتعدى كون فيكتور هوغو من أكثر المؤلفين تقليدية ورومانسية في كتاباته وأن أبسط الواجبات تجاهه تستدعي الحفاظ على هذه المقومات والامتناع عن المساس بها.
وافق بوداليديس على إقتراح، بل على أمر رئيسه، وراح يعيد إخراج «لوكريس بورجيا» من الألف إلى الياء مختاراً هذه المرة الممثلة إلزا لوبوافر لأداء شخصية بورجيا، ومن ثم الممثل الشاب الداخل حديثاً إلى الفرقة الوطنية غاييل كاميليندي لتقمص الأمير دي جينارو.
وبدأت العروض الجديدة المستمرة حتى نهاية أيار (مايو) المقبل، وهي تلاقي بدورها رواجاً. غير أن البعــض يعـــتبر إلزا لوبــــوافر أكثر خــشونة من غيوم غاليين، وغاييل كاميـــليندي أكثر نــعومة من سوليان إبراهيم، بمعنى أن العرض خسر في نظر هؤلاء من قوته في ما يتعلق بتسليط الضوء على الخيط الرفيع الذي يفرق بين جنس وآخر.