كأن ليس هناك من مشاكل .. إلا اللاجئين
د/ أمير حمد
مثل عام 2015 منعطفا خطيرا في السياسة الاوربية والألمانية بفتح الحدود للاجئين. عام بداية لغرق آلاف اللاجئين في البحر أو الموت في الصحراء وازدهار الهجرة السرية.
ها هي أوروبا تحاول جاهدة ايجاد حلولا لإيقاف هجرة اللاجئين، فتارة تشن الهجوم على ميركل لسياسة فتح الحدود عام 2015 وتارة تترك للأحزاب اليمينية الهيمنة على الحكم كما في ايطاليا والنمسا والمجر.
تحولت الهجرة السرية من ليبيا إلى شمال المغرب لقرب الساحل المغربي من اسبانيا ولسهولة تسرب مواطني غرب افريقيا إلى المغرب ومن ثم إلى اسبانيا عبر الهجرة السرية. دوامة شيطانية بألف رأس، يقطع رأس فينمو آخر.
لنقرأ معا مستجدات ملف اللاجئين في هذا المجال:
ناقش الاعلام الالماني في الفترة الأخيرة قضية اللاجئين من جذورها استنادا إلى أسباب الهجرة السرية وكيفية علاجها لدعم دولهم الأم بتشييد برامج تدريبات مهنية مثلا تخرجهم من البطالة و فوق كل شيء مقاومة فساد الحكام المتمثل في اختلاس ميزانية دعم اللاجئين بادئ ذي بدء.
نقول هذا ونذكر سوريا كأهم وأبرز مواطن اللجوء من جراء الحرب الناشبة فيها وكذلك دول غرب أفريقيا مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو والتي تحولت الهجرة السرية فيها إلى المغرب لقربها من مدينة سبته ومليلية المحتلتان وجنوب اسبانيا. ناقشت بعض الصحف الألمانية مثل “زود دويتشه” و “دي فيلت” وكذلك قناة “فونكس” الألمانية ملف الهجرة السرية وغرق آلاف اللاجئين بحرا وخضوعهم للمهربين الممارسين العنف والاغتصاب وابتزاز أموالهم لبلوغ الشاطئ الأوروبي، هجرة دفع اللاجئون فيها كل ما ادخروه ليصلوا إلى أوروبا، فيفاجئوا برفضهم وترجيعهم في معظم الأحوال وإلا موتهم غرقا أو عيشهم في أوروبا على الهامش كشريحة منبوذة تعاني من الاضطهاد وعدم المقدرة على الاندماج لقسوة وتسفيه المجتمع الأوروبي لهم.
يقول “إبراهيم أبو بكر كيتا” رئيس مالي بأن مشكلة أوروبا واللاجئين ترجع إلى إهمالها لأفريقيا ، فبلاده مثلا لا تزال تعاني من سيطرة داعش والقاعدة وبوكو حرام في الشمال والشرق، ذلك رغم وجود أكثر من 3000 جندي وقوات الناتو، وأضاف بأن بلاده بحوجة إلى شبابها كطاقة مهمة لمكافحة الفقر وليس الهروب إلى أوروبا، ويتساءل مجددا أين الدعم الأوروبي لتشغيل الشباب؟، هذه الطاقة المهاجرة، فكل ما تقدمه أوروبا وعود لا غير.
على صعيد آخر تظل أوروبا تشيد حصونها وتغلق الحدود يوما اثر آخر أمام تدفق اللاجئين، فإيطاليا مثلا المحكومة من قبل اليمين المتطرف “حزبي الليجا وخمس نجوم” تطالب بمحاكمة المسؤولين عن السفن الخيرية الناشطة في البحر المتوسط ـ خط الحياة ـ وبعض السفن الالمانية لإنقاذ اللاجئين من الغرق. ترى الحكومة الايطالية بأن هذه السفن تساعد على الهجرة السرية وان ترك اللاجئين في البحر إلى أن يجدوا بأنفسهم حلا للموت غرقا أو الرجوع إلى مواطنهم هو الحل الأسلم لترهيب هجرات اللاجئين الجدد وإغلاق تجارة الهجرة السرية. أما حدود أوروبا الداخلية فتواجه كذلك إيقاف هجرة اللاجئين بمراقبة الحدود والطرق السريعة والشاحنات. يقول مارتن سوده رئيس وزراء ولاية بايرن بأن ترحيل كل لاجئ يعني نصرا جديدا لحزبه وإشارة لنجاحه في الانتخابات البرلمانية القادمة. وبمثل ما كرمت منظمات اللاجئين والمؤسسات الخيرية وحزب الخضر واليسار ميركل بفتحها للحدود عام 2015 للاجئين تكاتف في نقدها الأحزاب الوسطى واليمين المتطرف، اذ اعتبروها مفجرة أزمة اللاجئين الراهنة.
اللجوء ظاهرة عالمية
22000 طلبا لمرافقة اللاجئين بألمانيا لوحدها قُدمت للسفارة الألمانية بلبنان وذلك ضمن إجراءات السماح لـ 12000 شخصاً كل عام لمرافقة ذويهم اللاجئين والمقصود هنا أمهات وآباء وأقرب الأقربين للاجئين القصر الموجودين بألمانيا، انتقد لندا رئيس الحزب الليبرالي FDP إجراء السماح هذه، إذ يرى أن هذا العدد لا يقوم على أساس ويرى في المقابل بدل السماح لأهل ذوي الاحتياجات الخاصة/ المعوقين والأطفال اللاجئين بالإقامة بألمانيا فقط لأسباب إنسانية، وضع قانون خاص باللجوء والهجرة وتشجيع الكوادر المؤهلة على الإقامة بألمانيا بمنحهم التأشيرات الزرقاء أو المفتوحة.
يقول بأن ألمانيا أعطت بما فيه الكفاية من خدمات اجتماعية للأجانب واللاجئين بل ودعمت أوروبا في أحرج الظروف للخروج من الأزمة الاقتصادية وقد حان الوقت لجلبها للكوادر المؤهلة بأعلى مرتبات وتسهيلات للمنافسة الحادة لاستقطابهم مثلما تفعل كل من أمريكا وكندا وانجلترا.
بمثل ما انشغلت الساحة الاعلامية كعادتها بملف اللاجئين والأجانب انشغلت باستقالة “أوزيل” لاعب كرة القدم التركي الأصل بالمنتخب الألماني. لم يأت هذا الاهتمام بالاستقالة لكونه لاعب ماهر بالدرجة الأولي وإنما لتصريحه الخطير الذي فتح ملف الاندماج من جديد.
قال أوزيل: يثني عليّ الألمان والمسؤولين من المنتخب الألماني ما ان أحرزت هدفا أو فاز المنتخب وأوصف كلاعب ألماني جيد، وما إن خسر المنتخب أو أخطأت في الملعب سارعوا بوصفي كلاعب تركي! يقول لندا رئيس حزب FDP بأن خطورة استقالة أوزيل تفتح بالفعل ملف الاندماج من جديد وبالتالي ضرورة دمج الأجانب من أصول أجنبية في المجتمع الألماني وشرفية احساسهم بالانتماء الالماني. أما حزب AFD فلا يرى في مثل هذه الاستقالة إلا فشل الاندماج وصعوبة دمج الأتراك في ألمانيا رغم وجودهم فيها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. يقول الحزب هذا فشل ينطبق على فشل سياسة اللاجئين ومبدأ التسامح المرفوضة أصلا من قبل حزبها.
أردوغان قادماً
قبل قدوم أوردغان إلى ألمانيا هذا الشهر وبعد اختياره كرئيس لتركيا بمطلق الصلاحيات والدكتاتورية، دعت الأحزاب الألمانية بمطالبته للتحدث إلى جاليته بضرورة الاندماج وإتباع الإجراءات الألمانية وتزكية اتفاقية اللاجئين المنعقدة مع تركيا والرابطة الأوروبية. يرى أوزديمير ـ”التركي الأصل” ورئيس حزب الخضر السابق، والذي اتهمه أردوغان بالخيانة لتركيا ـ بأن على الحكومة التركية ألا تستقبل أردوغان وإلا فتستقبله كأي رئيس عادي، فأردوغان في تقييمه “ديكتاتور” رفع سلطته إلى أقصى حد وأخرس المعارضة وحرية الرأي والصحافة وملأ سجون تركيا بالمنقلبين السياسيين والمدنيين.
أما حزب CDU فيرى ضرورة التعامل مع أردوغان وتقديم النقد له في آن معا. يقول متحدث الحزب بأن دور تركيا لحل أزمة اللاجئين لم ينته بعد، فربما يستلزم إجراء اتفاقية جديدة معها لاستقطاب لاجئين سوريا وأفغانستان، ومن جانب آخر بدأت ألمانيا من الآن استقطاب 1000 لاجئ شهريا ضمن اتفاقية لم شمل اللاجئين إلى جانب اتفاقية استقطاب 20000 لاجئ سوري سنويا. أما ليندا رئيس حزب FDP فيصر على 20000 لاجئ سنويا لا غير وذلك ضمن اتفاقية لم الشمل، فالقارب امتلأ كما يرى وزيادة عدد اللاجئين يؤدي إلى كره الألمان للأجانب وعدم تمييزهم بين اللاجئ والمقيم هنا لسنوات طويلة وتختلط الأوراق فلا يميز بين الناشط السياسي والموظف والعامل بألمانيا وبين العاطل والمعتمد على المساعدات الاجتماعية والمتكسب منها.
أخيرا ورد في الساحة السياسية الألمانية نقد متواتر لحكومة ميركل لانصرافها بالدرجة الأولى لقضية اللاجئين وتجاهلها أو تدخلها الطفيف لحل المشاكل الداخلية الأخرى الخاصة بحياة الشعب كقضية تخفيض الايجارات وبناء مساكن جديدة وتخفيض الضرائب ومحاربة البطالة وسد الهوة بين الفقراء والأغنياء.
في هذا الصدد نذكر احتجاج المزارعين الألمان في هذا العام الجاف ـ أكثر الأعوام جفافا منذ 100 عام ـ إذ طالب المزارعين بمليار يورو كتعويض لجفاف محصولاتهم، لاسيما الحبوب كالقمح وتحسين وضعهم قبل أن يضطروا إلى رفع أسعار منتجاتهم على حساب المستهلكين بألمانيا. بهدوء ردت ميركل على الاتهام الموجه إلى حكومتها، اذ ترى بأنها تهتم بكل قضايا ألمانيا إلى جانب اللجوء بدليل بأنها ستعوض المزارعين بعد انتهاء موسم الحصاد ان تأكدت من خسارتهم علما بأن مليار يورو هو التعويض المفترض.
توزيع الاتهامات
اتهمت الحكومة الاسبانية المغرب بتركه بل وتحفيزه للاجئين بركوب سفن وقوارب مطاطية لدخول اسبانيا لتتفاقم ازمة اللاجئين ويمنح المغرب ميزانية عالية للمساعدة لإيقاف الهجرة السرية ونشاط المهربين. يرى معظم المحللين السياسيين بل وبعض الحكومات الأوروبية لاسيما بجنوب أوروبا أسبانيا اليونان وايطاليا ضرورة الغاء اتفاقية دبلن الخاصة باللاجئين ـ إلزام تسجيل اللاجئين بأول دولة أوروبية وصلوها وهي في كثير من الأحيان دول جنوب أوروبا بوصول اللاجئين إليها بعد اجتيازهم البحر المتوسط. أما الحلول المقترحة فهي عقد الاتفاقيات مع الدول الافريقية ودول اللاجئين الأخرى كأفغانستان والعراق لترجيع اللاجئين وتوزيع اللاجئين المعترف بطلباتهم على كل دول الرابطة الاوروبية دون استثناء وفرض عقوبات على الدول الرافضة لهم كالمجر مثلا، بهذا تكون أوروبا وليس أول دولة وصلوها هي المسؤولة عن تسجيلهم وتوزيعهم بالرغم من انخفاض عدد اللاجئين الذين وفدوا إلى أوروبا بهذا العام.
ما أن زار كنت رئيس وزراء ايطاليا اليميني المتطرف أمريكا لأول مرة كرئيس إلا وأثنى ترامب على سياسته الخاصة بإبعاد اللاجئين وشعاره العنصري “ايطاليا أولا” احتذاء بشعار ترامب”أمريكا أولا”. على النقيض هاجم ترامب ميركل واعتبرها مدمرة لألمانيا لاستقطابها للأجانب اللاجئين على حساب الألمان بل وطاردها في كل مناسبة أمام الاعلام والصحافة. نعم أن شخصيته مترددة غير ثابتة سراعا ما يغير رأيه، يهدد ثم يصالح ويدعو من ثم إلى البيت الابيض كما فعل مع رئيس كوريا الشمالية وإيران بل وبوتين رئيس روسيا.
يقول جوزيف كنت رئيس وزراء ايطاليا معتزا بتناقص عدد اللاجئين في ايطاليا وتحولهم الى اسبانيا بأن سياسة الدول القوية بحوجة لحدود محصنة مثل التي يتبعها ترامب وهو كرئيس وزراء لايطاليا سوف يستعمل الرد السريع والحاسم لإيقاف الهجرة السرية وليس الخضوع لقرارات وإجراءات الرابطة التي حولت جنوب أوروبا إلى ملعب للاجئين، بل ويذهب أكثر إلى نقد سياسة التقشف التي ساعدت على اخراج جنوب أوروبا من الازمة الاقتصادية، اذ يقول بأنه لن يمانع من القروض المتاحة من روسيا والتبادل الاقتصادي معها رغم الحصار المفروض عليها من قبل الرابطة الأوروبية. هذه ايطاليا عضو الرابطة الاوروبية المهمة .
دولة القانون
ناقش الإعلام الألماني قضية اللاجئ التونسي الذي كان يعمل حارسا شخصيا لأسامة بن لادن والذي أبعد مؤخرا من ألمانيا إلى تونس، وقد اعتبرت المحكمة المختصة بأن إبعاد هذا اللاجئ لا يقوم على أسس قانونية وطالبت بإرجاعه إلى ألمانيا خيفة أن يعذب في تونس. هذا كما أنه عاشر طيلة اقامته في ألمانيا بعيدا عن المتطرفين والإرهابيين. ناقش الإعلام هذه القضية فظهرت صورة دولة القانون من جانب ومن ناحية أخرى نشوء وبروز الأحزاب النازية والكارهة للأجانب، تقول فايدل AFD فليظل في تونس فألمانيا ليست بحوجة لإرهابيين ومزيد من اللاجئين.
كما شغلت قضية اللاجئ الأفغاني الذي سفر إلى أفغانستان فانتحر هناك لإحساسه بالإحباط الإعلام. أكمل هذا اللاجئ دورات الاندماج وبدأ يعمل فرحا باستقراره في ألمانيا إلى أن فوجئ بقرار تسفيره رغم عدم استتباب أمن أفغانستان وفقره وفقر أسرته. ناقشت الأحزاب الألمانية لاسيما حزب CSU المسيحي المتشدد هذه القضية لاحتدام الهجوم عليه لحملات تسفيره العشوائية للاجئين طمعا في الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة لولاية بايرن ، يقول متحدث حزب الخضر المعارض أن اللاجئين بألمانيا يعانون من السكن في دور ضيقة ونائية هذا ان وجدت اصلا كما أنهم لا يجتازون في كثير من الأحيان دورات الاندماج لعدم إحساسهم بالأمن وتقبل الألمان لهم، هذا كما أنهم لا يجيدون أعمال تناسب مقدراتهم وحرفهم لأن الشركات الألمانية لا تضمن بقاءهم ولا ترغب في تدريبهم للمخاوف الكثيرة المتعلقة بهويتهم ومسيرة حياتهم هذا إلى جانب احتمال تسفيرهم في أي وقت كما حدث للاجئ الأفغاني المذكور سابقا، زاد الطين بله التصور المقترح من حزب CSU بعدم منح اللاجئين مالا في يدهم بل شيكات صرف للمأكل والمشرب والاحتياجات الأخرى… يقول زيهوفر رئيس الحزب السابق ووزير الداخلية الاتحادي بأن الهدف من هذا الاجراء تبغيض اللاجئين في ألمانيا وإبعادهم عنها اذ شاع تصور الحياة الرغدة فيها.
خاتمة
يقول هيرمان وزير داخلية بايرن حزب CSU بأن الهدف من مراكز العبور (الاحتجاز) هو اتخاذ قرارات سريعة، أما بقاء اللاجئين أو تسفيرهم السريع وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان لأنهم قادمون من دول آمنة كنيجيريا. انتُقد العمل بهذه المراكز لزج اللاجئين في غرف ضيقة وغير مريحة وسراعا ما يشتد الشجار بين اللاجئين لاختلاف جنسياتهم، هذا كما يسهل اغتصاب النساء وسهولة تبادل المخدرات ويشتد العنف وتبادل الاساءة. ودافع هيرمان عن المراكز هذه قائلا المقصود بها مراكز الوصول واستلام طلبات اللجوء وفحصها ثم الفرز والتسفير. وتظل ولاية بايرن ولاية غير مرحبة باللاجئين بل والأجانب.