قراءة في رواية معارك خاسرة

موسى الزعيم

عبرَ ثلاثٍ قصصٍ متواشجةٍ، تتناسلُ خيوطُ روايةِ معاركَ خاسرة، للروائيةِ السورية نغم حيدر، ومن خلال بيئات اجتماعية، وإن اختلفت جغرافيتها إلاّ أنّها تنتمي للمجتمع السوري بمكوناته وأطيافهِ ومن خلال شخصياتٍ لها بعدها الاجتماعي والإنساني.

وهذه الشخصيات تنتمي إلى مرحلة قلقلة مترعةٍ بالمخاوف والانكسارات من تاريخ سوريا الحديث.

تؤرّخ الرواية لبداية الحراك الثوري السوريّ ضدّ النظام وعبر القصّة الأولى ” شال أحمر” ومن خلال مي ابنة هدى أو كما تسيمها “هدهد”  الأم التي تعيش هواجس الخوف من تفاعل ابنتها مع المظاهرات الأولى التي انطلقت شرارتها، ما دفع مي لاتخاذ موقف حاسم من ذلك فتقررت ترك عملها كصحفية في المجلة التي تعمل فيها، كردٍّ على قيام السلطة بقمع الحراك السلمي،  لكن ل”هدهد” موقفها الصارم من ذلك، فراحت تسدّ الباب بجسدها في وجه ميّ  تمنعها من الخروج  للمشاركة في المظاهرات، لم تحتمل الأم أن ترى ابنها خارجة عن السلطة السياسية والسلطة الأبوية، كيف لا وهي المفجوعة بزوجها المثقّف الشيوعي الذي اعتُقل لموقف سياسي ثم ليخرج من السجن ويموت في حادث دراجة ناريّة، تطردُ هدهد ابنتها من  المنزل لأنّها لا تطيق رؤيتها بعد أن اخترقت التابوه وثارت على السلطتين.

في شال أحمر صراع ظاهر يحكمهُ ماضٍ ترسّب فيه الخوف والطمع في نفوس الشخصيات هذا ما نراه في  الثلاثي النسائي ” مي وأمها وأختها”  لكل هواجسه ورؤاه التي تشده في اتجاه  فاعل مختلف.    

بينما في القصة الثانية “رخام أبيض” قصّة بهاء الدين، حفّار شواهد القبور والذي ورث المهنة عن أبيه وهو الملتزم بالتعاليم الصارمة، بنوع الخطّ وشكله والآيات ذاتها التي تعود أن ينقشها دائماً، بالإضافة إلى تعاليم البيت وعلاقة الابن بأبيه ومحيطةِ الاجتماعي، هذا المحيط  الذي يرى في تطور الابن ونجاحه ما هو إلاّ في اتقانه السير على طريق الأب وبالتالي تبدو السلطة الأبوية طاغية مُهيمنة على حياة بهاء الدين الذي راح يصنع خرقاً في حياته من خلال نحته لصورة فتاةِ المظاهرات التي رآها على هاتف الشغيل الذي يعمل معه والتي راحت تراوده في أحلام يقظته، تتكسّر الصورة السلطويّة المرسومة عن الأب شيئا فشياً في ذات بهاء، حين يكتشفُ بالتدريج أن صورة الأب المثالية ماهي إلاّ ستار لزيفٍ تغطيه عباءةٌ نظيفةٌ وسبحة طويلة وكلمات يهدهدُ فيها الأبُ خاطر ابنه، كلمات بمثابة روائز إشاراتٍ ترسم الطريق القويم للابن.

في القصة الثالثة ” كرة سوداء” ترصدُ علاقة الشاب فاضل بأبيه سهيل الشيوعي الشاعر المُعتقل السياسي السابق، في كرة سوداء يحاول فاضل الانتقام من سهيل الأبُ، يسرق دراجته، يستولي على غرفته، يسخر من شِعره، يعتقد فاضل أنه بذراعه المفتولة يستطيع أن يصرع الفكر ويحقق ما يريد.

وبالتالي ينتقم من سهيل “الأب” الذي تركهُ طفلاً وفضّل النضال السياسي على الاعتناء  بطفله، رغم أنّ فاضل في الثانية والعشرين إلاّ أنّه يتصرف بنزقٍ طفل يحاول استعادة لعبته التي سرقت منه وبالتالي يحاول لفت انتباه أبيه إليه.

 فاضل الذي ينتمي الى جيل يعتقد أنه بجسده يستطيع تحقيق أحلامه لكن طريق الحلم يطول  وللواقع كلمته.

“تخيل يا رجل أن يتحرّك بنا هذا البساط، فتجد أنفسنا بعد كلّ هذا الركض في بيروت أو روما أو باريس..”

” نعم ماذا ينقصنا لنكون هناك “عضلات وعندنا جسم ممشوق وعندما”

إنها الجرأة على الحلم “

في حين أنّ سهيل رغم خروجهِ من السجن إلاّ أنه بقي سجين ذاته، يدور في التفاصيل الصغيرة ذاتها والروتين ذاته.

من جهة أخرى يترك سهيل لابنهِ أن يختبر متعة الانتقام وهو يعرف أنها متعة آنية لن تدوم طويلاً ..

أما فاضل الذي جعله الخراب يفهم  البنوّة أكثر، هذا الخراب الذي اشتغلت عليه الرواية في إعادة هيكلة الواقع وإعادة بناءهُ من جديد.

فاضل الذي تدفعه الأحداث لأن يفكر بشكل جدّي  بمصيرِ والده، وما يميز نقطة الفصل في ختام الرواية هي عودة الأب لابنه من خلال تتالي صيغ النداء لم يعد سهيل بالنسبة لفاضل  “سهيل” صار أبي ثم صار “بيي” هذا التلاحم الأليف وقبول الآخر بما فيه يضفي على خاتمة الرواية ألفة، تشعر القارئ بتكامل الأدوار بين شخصياتها.

ما يعيد طرح السؤال من جديد “من السبب الآباء أم الاقدار “

تحفر رواية معارك خاسرة في حياة بيئات اجتماعية بسيطة، ومن خلال روتينها الحياتي اليومي وعبر لغتها البسيطة المشحونة بالعواطف.

صدرت الرواية عن دار هاشيت أنطون  2022

*نغم حيدر: رواية وطبيبة سورية تقيم في ألمانيا