قانون الهجرة .. ومستقبل ميركل السياسي

 

 

الدليل ـ وكالات (رويتر ـ د ب أ)

 

تستعد الحكومة الألمانية لسن قانونٍ جديد للهجرة، يهدف إلى جلب المزيد من العمال المؤهلين والمدربين إلى ألمانيا، لكن على ما يبدو، فإن هذا القانون القائم على نظام «النقاط» يقابل بالرفض، علماً أنه النظام المعمول به في دولٍ أخرى، ويعني احتساب «نقاط» معينة أثناء التقدم بطلب الفيزا، بحسب مهارات كل شخص، ما يعطي الأولوية لأشخاص على حساب آخرين بحسب نقاطهم، وفق معاير تحدد بالقانون.

وتعترف ورقة «النقاط الأساسية» الجديدة، بحسب خبراء، بأن انخفاض معدلات البطالة وارتفاع نسبة الكبار بالسن في ألمانيا، جعل الشركات تعاني من أجل الحصول على أشخاص مؤهلين للعمل في بعض الوظائف، كما أن خلق المزيد من فرص العمل لمواطني الاتحاد الأوروبي الآخرين، لم يستطع سد هذا النقص، لذلك على ألمانيا أن تلجأ إلى جذب «عمال متخصصين ومؤهلين من دول ثالثة»، أي دول خارج الاتحاد الأوروبي

وهذا النوع من نظام النقاط اقترحه الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ 2016، ورحبت به حينها أحزاب الوسط اليساري في ألمانيا. إلا أنه غير مطروح في الوثيقة الجديدة من مشروع القانون. وتتم في الحقيقة التوصية باختيار الأشخاص على أساس المعايير المذكورة، إلا أن المشرعين يريدون هنا الاستغناء عن نظام النقاط.

 

تبسيط القانون للمرشحين المؤهلين

بالنسبة إلى الأشخاص ذوي مستوى تعليمي عال تملك ألمانيا حاليا أحد أبسط قوانين الهجرة في العالم. “في الظروف الحالية يكون أسهل السفر إلى ألمانيا مقارنة مثلا مع كندا”، يقول ليبيش مضيفا: ” النظام الألماني يركز حاليا على تقديم مؤهلات رسمية أو عادية. إذا توفر المتقدم على هذه المؤهلات وعلى عمل يمكن له القدوم إلى ألمانيا حتى في حال عدم تحدثة الألمانية”.

والأشخاص الذين يتوفرون على تأهيل ممتاز تمنح لهم ألمانيا الآن تأشيرة، وبإمكانهم بدون مكان عمل ملموس الدخول إلى البلاد والبحث عن فرصة عمل.

لكن ما ينقص في ألمانيا هم الأشخاص ذوي المؤهلات المتوسطة: ممرضات وعاملو رعاية صحية ومساعدون في روض الأطفال وحرفيون مثل الكهربائيون أو النجارون. جميع هذه المهن تتطلب تأهيلا عاديا وهي تغطي نحو 60 في المائة من سوق العمل الألمانية. وإلى حد الآن وُجدت صعوبات في الاعتراف بهذه المؤهلات. وتجاوز هذه العقبة تعتبره وثيقة القانون الجديد ” مفتاحا لاندماج ناجح في سوق العمل”.

ووثيقة القانون الجديد لا تكشف عن الشروط الإضافية الضرورية مثل مستوى المعرفة بالألمانية التي يجب على المهاجر المحتمل البرهنة عليه. وهل يتوجب على المرشحين الحصول على عرض عمل من شركة ألمانية؟

 

نموذج الدنمارك

ويبدو حاليا أن الحكومة الألمانية تعتزم إصدار تأشيرة لباحثين عن العمل من مستوى تأهيل متوسط. وهذه التأشيرة تأكد نجاحها في الدنمارك. وفي ألمانيا ليس هناك تجارب مع هذا النوع من التأشيرة حتى الآن.

والكثير من الأمور يبقى رهينة مدى استعداد أرباب العمل الألمان للمخاطرة بتشغيل أشخاص بهذا النوع من التأشيرة. “إنه سؤال كبير”، يقول ليبيش الذي يشير إلى أن الكثير من الشركات الألمانية لا تفضل تشغيل أشخاص من الخارج.

 

وتأمل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أن يجعل قانون جديد للهجرة عثور العاملين الأجانب على وظائف في ألمانيا أكثر سهولة، لكن مسعاها لشغل رقم قياسي من فرص العمل يهدد بإغضاب الناخبين الذين ما زالوا مستاءين من سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها بشأن اللاجئين.

ومع تقدم السكان في العمر وانكماش قوة العمل، يقول رؤساء شركات إن ألمانيا بحاجة إلى مرونة أكبر لشغل ما يزيد عن نصف مليون وظيفة شاغرة.

وقالت ميركل في البرلمان الألماني (البوندستاغ) “سنواصل الاعتماد على المهنيين الأجانب”، مدافعة عن خططها بشأن الهجرة في مواجهة انتقاد سياسيين معارضين.

وتابعت “لا يجب على الشركات أن تغادر البلاد لأنها عاجزة عن العثور على موظفين”، مضيفة أن العديد من رواد الأعمال أكثر قلقا بشأن توظيف العمال المهرة من الحصول على إعفاء ضريبي.

 

القانون الجديد مخاطرة

ويهدف القانون، الذي من المنتظر أن تناقشه ميركل وحكومتها في وقت لاحق من الشهر الجاري، إلى جذب العاملين من خارج الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنهم سيحتاجون إلى مؤهل مهني ومهارات إجادة اللغة الألمانية حين يتقدمون للحصول على تأشيرة عمل وفقا لورقة صاغها مسؤولون.

ويري مسؤولون حكوميون أن القانون الذي يرحب به أرباب العمل، نقطة تحول في السباق العالمي على الموهبة مع تبني دول أخرى قواعد أكثر صرامة بشأن الهجرة.

لكن القانون قد يُغضب الناخبين الذين يشعرون بالتجاهل بعد قرار ميركل باستقبال ما يزيد عن مليون لاجئ في عام 2015.

وأظهر استطلاع للرأي أُجري هذا الشهر أن 51 بالمئة يشعرون بأن الحكومة لا تتعامل مع مخاوف الألمان بشأن الهجرة بجدية. وفي شرق ألمانيا، وصل الرقم إلى 66 بالمئة.

ومن المقرر إجراء انتخابات محلية العام القادم في ولايات ساكسوني وبراندنبورج وتورينجين بشرق البلاد، حيث من المتوقع أن يحقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف مكاسب قوية على حساب المحافظين بزعامة ميركل وشركائها في الائتلاف الحكومي الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنتمي إلى يسار الوسط.

وتسبب التدفق غير المسبوق لطالبي اللجوء في عام 2015، وبشكل أساسي من دول مسلمة مثل أفغانستان وسوريا والعراق، بالفعل في إثارة غضب شعبي وأوصل حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يرفض قانون الهجرة الجديد إلى البرلمان الوطني.

وظهرت الانقسامات العميقة للعيان الشهر الماضي في مدينة كيمنتس بشرق ألمانيا والتي شهدت احتجاجات عنيفة لليمين المتطرف بعد إلقاء اللوم على مهاجرين في مقتل رجل ألماني طعنا.

وفي إشارة إلى كيمنتس، وصف وزير الداخلية هورست زيهوفر زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب البافاري الحليف لميركل، الهجرة بأنها أساس “كل المشاكل السياسية” في ألمانيا.

 

 

الانتخابات المحلية تقلق الحكومة

قد تتفادى ميركل رد فعل سياسي عنيف إذا استطاعت إقناع الناخبين بأن القانون الجديد سيعالج نقص العمالة في أماكن بعينها ولن يزيد التنافس العام في سوق التوظيف.

وقال جيرو نويجباور الخبير السياسي لدى جامعة برلين الحرة “إذا استطاعت أن تجعل المسألة واضحة على نحو قابل للتصديق بأن هذا يتعلق بالمصلحة الشخصية لألمانيا، فإنها لن تغذي القلق بين من يشعرون بالفعل بالغربة في بلدهم”.

وأضاف “لكن إذا لم يحدث هذا، فإن هذا القانون سيعود بنتيجة عكسية على ميركل، خصوصا مع الوضع في الاعتبار أن هناك ثلاثة انتخابات محلية العام القادم في شرق ألمانيا”.

كما ستُجرى أيضا هذا الشهر انتخابات محلية في بافاريا وهيسن، حيث قد يزيد صعود حزب البديل من أجل ألمانيا صعوبة تشكيل حكومات ائتلافية.

 

وينطوي السماح للمزيد من الأجانب بدخول البلاد على تهديد لميركل، حتى إذا كان من المتوقع انكماش قوة العمل في أكبر اقتصاد بأوروبا بشدة ولا يمكن أن تستقر إلا في ظل صافي عدد مهاجرين وافدين قدره 400 ألف شخص سنويا حتى عام 2060.

وبلغت فرص العمل مستوى قياسيا مرتفعا عند 1.2 مليون بسبب فترة طويلة من النمو الاقتصادي، بينما بلغ معدل البطالة أدنى مستوياته منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990 وفقا لمكتب العمل.

ويكلف نقص العمالة الاقتصاد ما يصل إلى 0.9 نقطة مئوية من الناتج المحلي سنويا وفقا لمعهد آي.دبليو الاقتصادي الألماني.

ويرفض حزب البديل من أجل ألمانيا القانون الجديد، معتبرا أنه سيشجع الهجرة وسيؤدي إلى “إغراق الأجور” على حساب المواطنين الأقل تعليما.

وقال نائب المنتمي لحزب البديل “إذا نظرت إلى الزيادات الصغيرة للغاية في الأجور، لا تحتاج لأن تكون خبيرا للقول بأنه فعليا لا يوجد نقص في العمالة الماهرة”.

 

حوارات وحوارات

وتشدد ميركل على أن قانون الهجرة مصحوب ببرنامج بقيمة أربعة مليارات يورو لمساعدة الألمان العاطلين عن العمل لفترة طويلة والبالغ عددهم 800 ألف، على إيجاد وظيفة.

وبينما يعثر عدد متزايد من المهاجرين الذين دخلوا البلاد في عام 2015 على وظائف، فإن العملية بطيئة بالنظر إلى الحاجة الملحة للعاملين.

ويحتاج السوري أو العراقي الذي تلقى تعليما محدودا ما بين ثلاث وخمس سنوات لتعلم اللغة الألمانية والحصول على مؤهل مهني.

وبالإضافة إلى هذا، فإن أحزاب الائتلاف مختلفة حول ما إذا كان يجب السماح للاجئين بإسقاط وضع اللجوء عنهم إذا عثروا على وظيفة وتعلموا اللغة الألمانية.

ويقول المحافظون إن هذا سيشجع هجرة طالبي اللجوء الذين يفتقرون إلى المهارات المناسبة. ويريد الحزب الديمقراطي الاشتراكي نهجا أكثر براغماتية.

وقال وزير العمل هوبرتوس هايل المنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي “الأمر يتعلق بمنع وضع نُعيد فيه الأشخاص المناسبين، ثم نضطر إلى الاجتهاد في البحث عن عمال مهرة في الخارج”.

وتتضمن تسوية طرحها مسؤولون أن يتمكن طالبو اللجوء الموجودين في ألمانيا حاليا فقط من إجراء ذلك التحول، على أن يتم استبعاد اللاجئين في المستقبل.

 

أداة لمكافحة الهجرة غير الشرعية

وأصبحت ألمانيا ثاني وجهة مفضلة للمهاجرين بعد الولايات المتحدة، حيث جذبت ما يزيد عن مليون شخص في عام 2016 وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومن بين أولئك، أكثر من 600 ألف شخص من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين بإمكانهم اختيار مكان إقامتهم وعملهم داخل دول الاتحاد، لكن ألمانيا تتوقع انخفاض تلك الأرقام، إذ أن النمو الاقتصادي في أوروبا يعني أن باستطاعة الأشخاص العثور على عمل في بلدهم.

وبالإضافة إلى هذا، فإن عدد السكان في سن العمل بأوروبا ينخفض بسبب تراجع معدلات المواليد.

يقول رئيس الاتحاد الألماني لرابطة أصحاب الأعمال “يجب علينا الاستفادة بشكل كامل من الإمكانات المحلية، لكن هذا ببساطة لن يكون كافيا، نحتاج أيضا إلى عمال مهرة من دول خارج أوروبا”.

ويضيف : إن مستقبل ألمانيا الاقتصادي في خطر إذا ما عجزت الحكومة عن تبني قانون حديث للهجرة. وبالنسبة لميركل، فإن المشروع جزء من مساعيها لحماية ما حققته في مسيرة عملها السياسي.

ذكرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن قانون تنظيم هجرة القوة العاملة المتخصصة، المخطط إقراره بنهاية هذا العام، سيعود بالفائدة على ألمانيا.

وقالت ميركل في برلين: إن هذا القانون من الممكن أن يساعد في سد نقص القوى العاملة في قطاعات تعاني من نقص العمالة المؤهلة، وأضافت: «لذلك أرى أهمية كبيرة لهذا القانون».

وذكرت ميركل أن هذا القانون بمثابة أداة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، موضحة أن ألمانيا لديها خبرات جيدة في الانفتاح نحو العمالة الوافدة من دول غرب البلقان، مشيرة إلى أن من يمكنه إثبات أن لديه فرصة عمل في ألمانيا بإمكانه القدوم شرعيا إلى هنا، مضيفة أن هذا من الممكن أن يصبح نموذجا يحتذى به لدول أخرى يفد منها مهاجرون.

يذكر أن الائتلاف الحاكم في ألمانيا اتفق مطلع يوليو الجاري بضغط من الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتمهيد الطريق خلال هذا العام لقانون الهجرة، لجذب أيدٍ عاملة ماهرة.