عنصرية الإعلام الغربي

عادل فهمي /

الإعلام الغربي الذي طالما اعتبرته قطاعات عريضة في العالم العربي أيقونة الحياد والمهنية وندرة السقوط في عوالم العنصرية والتمييز والصور النمطية سابقة التجهيز لم يعد كذلك. وعلى الرغم من صدمة أحداث سبتمبر، وما يمكن أن تحدثه الصدمة من ردود فعل غاضبة قد تأخذ الصالح بالطالح لبعض الوقت قبل أن تهدأ النفوس وتتعقل وتنأى بنفسها عن وضع كل العرب والمسلمين في سلة إرهاب وحدها، إلا أن استمرار أخذ الصالح بالطالح ولو في ما بين السطور، معضداً بتفاقم الأحداث الدموية والصراعات المسلحة وموجات النزوح واللجوء عربياً، إضافة لتواتر حوادث الطعن في عديد من الدول الأوروبية التي ارتكبها “متشددون” مسلمون، إما عائدون من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، أو مسلمون ولدوا ونشأوا في أوروبا وتطرفوا محلياً أو ما يسمى بـ”Homegrown ” جميعها تبلور في “لحظات صدق” أمام الكاميرات الغربية أثناء تغطية الحرب في أوكرانيا، مراسل “سي بي أس” نيوز الأميركية تشارلي داغاتا حين قال معلقاً على مشاهد النازحين الأوكرانيين “هذا ليس مكاناً مع الاحترام مثل العراق أو أفغانستان أو سوريا، حيث نشهد نزاعات منذ عقود. هذا مكان حضاري نسبياً وأوروبي إلى حد ما”، لم يبذل جهداً أو يقدح زناد فكره من أجل جرح مشاعر أهل هذه المنطقة الملتهبة من العالم ونازحيها ولاجئيها، لكنه تحدث بما يجول في عقله وقلبه، وهو بكل تأكيد ليس وحده من يؤمن بما قال.

هؤلاء مثلنا

كذلك فعلت مراسلة شبكة “أن بي سي” الأميركية كيلي كوبييلا التي قالت في تغطيتها من الحدود البولندية، حيث تدفق اللاجئون من أوكرانيا إلى بولندا، “هؤلاء اللاجئون ليسوا من سوريا، هؤلاء من أوكرانيا. إنهم مسيحيون، ينتمون إلى العرق الأبيض، ويبدون شبيهين جداً بنا”.

تشبيه آخر “بنا” وليس “بهم” جاء من عقر دار”نا”! مذيع قناة الجزيرة الإنجليزية. البريطاني بيتر دوبي قال مندهشاً من مشهد النزوح الأوكراني “الثياب التي يرتدونها توضح أنهم من طبقة متوسطة ميسورة الحال. هم حتماً ليسوا لاجئين فارين من مناطق تشهد حروباً في الشرق الأوسط. إنهم يشبهون أي عائلة أوروبية قد تقطن الحي الذي تعيشون فيه”.

وكذلك فعل مراسل قناة “بي أف أم تي في” الفرنسية فيليب كوربيه الذي علق مندهشاً على مشاهد الحرب والنزوح الأوكرانية بقوله، “لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين، بل عن أوروبيين يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا”.

ولم يخرج نائب المدعي العام السابق الأوكراني ديفيد ساكفارليدزي عن السياق ذاته أثناء لقاء أجرته معه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قبل أيام أيضاً حين أعرب عن تأثره مما يجري في بلاده بقوله “إنه أمر مؤثر للغاية بالنسبة لي، لأنني أرى أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون كل يوم”.

فرصة الإبحار في ما وراء اتهامات العنصرية وعواملها التاريخية والاجتماعية والنفسية لا تتوافر كل يوم. لكن الحرب الروسية في أوكرانيا وفرت ما يكفي لمعاودة البحث والتنقيب، اللذين لا يستويان دون الإلمام بالأعماق. وفي الأعماق منهجان متناقضان. فهناك من وما يروج للتصديق بأن الإسلام والمسلمين والعرب مرادفات لكلمات مثل “إرهاب” و”إرهابيين” و”تخلف” و”همجية” وأن الصراعات المستمرة والاقتتالات المستدامة والفكر الرافض للآخرين تليق بهم. وهناك من وما يدعو إلى أن الغرب وأجهزته وإعلامه تدق على أوتار صناعة كراهية الإسلام ومعاداة المسلمين ولصق صفات وسمات العنف والجهل والشهوانية ورفض العلم ونبذ الآخر والبربرية بهم للإبقاء عليهم في قاعدة هرم الحضارة والتقدم.

لا لتسييس الرياضة

لسنوات طويلة، ظلت الكيانات الدولية الحاكمة للرياضة عالمياً، على رأسها اللجنة الأولمبية الدولية، والاتحادات الدولية للألعاب المختلفة، تُنادي بإبعاد السياسة عن الرياضة، وتتخذ مواقف متشددة مع كل من يُخالف ذلك، مستغلاً حدثاً رياضياً في توجيه رسائل محددة أو لنُصرة قضية سياسية أو قومية.

وتحظر المادة 50 من الميثاق الأولمبي على الرياضيين اتخاذ موقف سياسي في مجال اللعب.

ولا تدخر اللجنة الأولمبية الدولية، وهي المظلة الكبرى للرياضة، أي جهد في تذكير الرياضيين بإبعاد السياسة عن ساحات الرياضة، وتراقب من كثب كل تصرف يُمكن أن تكون له دلالات غير رياضية أو تبعث على الانقسام.

وخلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، قبيل انطلاق منافسات الألعاب الأولمبية الصيفية في العاصمة اليابانية طوكيو، حذرت اللجنة آلاف الرياضيين المشاركين في الحدث من توجيه أي رسالة سياسية حتى لو كانت عبر القبضات المرفوعة من قبل العدائين الأميركيين تومي سميث وجون كارلوس في ألعاب مكسيكو سيتي عام 1968، بل أطلقت قبل البطولة وثيقة من ثلاث ورقات لتحذير الرياضيين من الإجراءات التأديبية في طوكيو.

لكن منذ اليوم الأول للغزو الروسي للجارة أوكرانيا، تجاهلت المؤسسات الدولية الحاكمة للرياضة، الميثاق الأولمبي، ومبدأ عدم تسييس الرياضة، وتحوّلت الألعاب المختلفة لوسائل ضغط على روسيا، عبر إقرار عقوبات جماعية وفردية غير مسبوقة، تكاد أن تمحو الرياضة الروسية من المشهد.

وماذا عن فلسطين؟!

وتسبب هذا الحصار الدولي للرياضة الروسية بعد غزو أوكرانيا، في تعالي أصوات كثيرة لتذكير المؤسسات الحاكمة للألعاب بصمتها عن قضايا دولية عدة، لكن الرسالة الأكثر وضوحاً جاءت من المصري علي فرج، بطل العالم في الإسكواش، الذي توج يوم 11 مارس بلقب بطولة أوبتاسيا في العاصمة البريطانية لندن، ثم قال في فيديو انتشر سريعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، “الآن أنا في ورطة، جميعنا نرى ما يحدث في العالم خلال الوقت الراهن، ونشاهد ما يحدث في أوكرانيا ولا أحد سعيد بذلك، ولا ينبغي لأحد أن يقبل أي عمليات قتل في العالم”.

وأضاف “لكننا لم يكن يُسمح لنا أبداً بالحديث عن السياسة في الرياضة، وفجأة أصبح مسموحاً بذلك، لذا آمل في أن ينظر الناس أيضاً إلى الاضطهاد في كل مكان في العالم، أعني أن الفلسطينيين يعانون منذ 74 سنة، لكن ما يتعرضون له لا يتناسب مع رواية وسائل الإعلام في الغرب، لذلك لا يُمكننا التحدث عنه، لكن بما أننا الآن يمكننا الحديث عن أوكرانيا، فلنتحدث أيضاً عن الفلسطينيين”.

.