دمج المسلمين يقود إلى التطرف اليميني
عبدالله حاتم
وصل، خلال السنوات الأخيرة، أكثر من مليوني لاجئ معظمهم من المسلمين إلى أوروبا، الأمر الذي فرض نفسه على عناوين النشرات الإخبارية وكبريات الصحف، واستأثر بحيز واسع من الانتخابات في معظم أرجاء القارة.
وعزز التدفق البشري للاجئين تطرف الجناح اليميني، ودفع بعدد من الأحزاب الرئيسية المحافظة نحو اليمين، في القضايا المتعلقة بالهجرة لحماية حصتها الانتخابية من التقلص لحساب اليمين المتطرف.
ولكن رافائيلا دانسغاير، أستاذة مساعدة للشؤون العامة والسياسية لدى جامعة برينستون، مؤلفة كتاب “الهجرة والصراع في أوروبا” كتبت تقول” أن اليسار الأوروبي يواجه مشكلة استراتيجية، إذ كيف له أن يناقش قضية الهجرة والناخبين المهاجرين، دون خسارة قاعدته من الطبقة العاملة.
ميركل
وتورد الباحثة مثالاً على ما تقوله بالإشارة لخسارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، بسبب سياستها في فتح الباب أمام لاجئين، ناخبين كثراً انصرفوا، في انتخابات 2017، عن حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
وفقدت الأحزاب اليسارية ـ مثل حزب الخضر وحزب اليسار، حتى الحزب الاشتراكي ـ أعداداً كبيرة من المؤيدين لصالح حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف.
وفي النمسا، وبعد انتخابات كان موضوعها الرئيسي الهجرة، وافق حزب الشعب من يمين الوسط على تقاسم السلطة مع “حزب الحرية” اليميني شديد العداء للأجانب، ما سبب خسارة كبرى لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين.
معضلة الدمج
وحسب مؤلفة الكتاب ، يواجه اليسار في أوروبا معضلة. فقد كسبت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، على مدار عقود، أصوات الناخبين من الطبقة الوسطى، الذين رحبوا فيما مضى بالتنوع والعولمة. ولكن اليوم، باتت قاعدتهم من أبناء الطبقة العاملة التقليدية ترفض الهجرة واللاجئين، وخاصة من دول العربية والإسلامية.
ولاعترافها بهذه المعضلة، بدأت بعض الأحزاب التقليدية في معارضة المهاجرين، وغيرهم من الأقليات، التي لا تملك ممثلين في المجالس التشريعية، على أمل كسب أصوات من ناخبين ليبراليين.
وتبنى الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة هذا النهج، لكن بدرجات نجاح متباينة.
صعوبات
ولكن، في رأي كاتبة البحث، توحي مؤشرات عدة بأن هذا النهج سيواجه صعوبات في أوروبا. فقد وجدت أن الأساليب التي تتبعها أحزاب أوروبية من أجل تجنيس المهاجرين، باتت تُعمق المشكلة.
وتلفت المؤلفة إلى أن المشكلة الرئيسية عند اليسار الأوروبي تكمن في أن المجموعات الأكبر والأسرع نمواً من الأصوات المهاجرة تأتي من دول غالبية سكانها مسلمين، وغالباً ما يجلبون معهم من أوطانهم تقاليد اجتماعية محافظة.
ويجري هذا في وقت أجرت فيه أحزاب يسارية تعديلات على سياساتها بوصفها رائدة للعلمانية والعالمية ونصرة حقوق المرأة من أجل التقرب من قاعدتها من الطبقة العاملة الليبرالية، وهو ما لا تتفق عليه هذه الطبقة معهم كأحزاب.
صراع قيم
ونتيجة لذلك، تقول الباحثة، نشأ صراع قيم، وهو غالباً ما يظهر في المدن، حيث نسجت المجموعات المسلمة علاقات قروية وروابط أبوية وممارسات دينية خاصة بدولها الأصلية قرب أماكن ومساكن أبناء الطبقة الوسطى الليبرالية.
وهذا ما يزيد من تفاقم الأوضاع في هذه الأماكن، ويدفع سكان هذه المناطق إلى التوجه للأحزاب اليمينية المتطرفة.
ففي بروكسل، على سبيل المثال، يعتقد أكثر من 80٪ من المسلمين أنه ليس على النساء الخروج إلى العمل” من أجل التفرغ لأسرهن”، فيما يوافق على هذا الرأي 37٪ فقط من غير المسلمين.
دمج رمزي
ومن خلال أبحاثها في قرابة 300 مدينة عبر النمسا وبلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة، وجدت الكاتبة دانسغاير أن أحزاب يسار الوسط تسعى لاستقطاب ناخبين مسلمين، ممن يتوافقون مع القيم المفضلة لدى دوائرهم العلمانية والاجتماعية الليبرالية، وتريد تحقيق مكسبين: التقرب من قاعدتها المؤيدة للعولمة عبر الدعوة للتسامح والتعددية، مع الإيحاء للناخبين المسلمين بأنها مهتمة بأصواتهم وبقضاياهم، وهو ما تصفيه الباحثة بعبارة” دمج رمزي”، ينتهي أجله بانتهاء موسم الانتخابات، فيما يدعم هذا التوجه الكتل الساسية المحافظة واليمينة.