حكايتي مع بابور الكاز!
دياب موسى ابو حسن
بعد حمل إستمر تسعة شهور في بطن أمي الحبيبة إقترب موعد الخروج الى الدنيا بكل ما فيها من تناقضات وأزمات وفرح. وعلى الرغم من ذلك ومن أجل هذا نويت الخروج الى هذة الدنيا، وطبعا بارادة الله سبحانه وتعالى.
بدأت بالتحرك في بطن أمي وإشعارها بالخروج، أحست أمي بالألم، وبخبرتها شعرت بقرب الولادة. أخبرت والدي بأن يحضر لها الداية، وهي الولادة المعروفة عندنا في المخيم. وهنا أتقدم بالرحمة على هذه الداية على إنسانيتها وخدمة نساء المخيم.
وصلت الداية وهي تهلل وتكبر بذكر الله وتصلي على رسوله الكريم. وبدأت الأوامر تصدر من داية متمرسة: يلا يا أبوعلي تحرك حضر الماء الساخن بسرعة! أشعل والدي بابور الكاز بخبرته، وسخن الماء وأحضر “لقن” من المعدن وأحضر الماء الساخن تفيح منه رائحة الكاز. وبدأت الداية بالتكبير وتشجيع أمي على الضغط لخروجي. وبين شد ورخي وتألم أمي خرجت دون صراخ. ولكن بعد الضرب على ظهري بايدي الخبيرة الداية بدأت بالصراخ.
إجا الصبي يا أبو علي… مبروك… مبروك… طبعا هذة العبارة لها ثمنها. أحضر والدي الماء وبدأ الحمام الأول المعطر برائحة الكاز، ومن هنا إرتبطت العلاقة بيني وبين بابور الكاز!
كان بابور الكاز مشهور في المخيم، وكان، كما صياح الديك في الصباح، يشعرك هديره بقدوم صباح جديد، وكما يودعك صوت دك بابور الكاز عند ذهابك للمدرسة، يستقبلك مرة أخرى بعد رحلة طويلة للمدرسة سيراً على الأقدام وإنتظار طويل عند مطعم الوكالة للحصول على الطعام… رحلة تنتهي الى “لقن” الغسيل ومياه تغلي على بابور الكاز تفيح منه رائحة الكاز لتخليصك من غبار علق في شعرك وملابسك بعد معركة الحصول على الطعام، ومن رائحة العرق بعد ساعات من السير تحت أشعة الشمس أو اللعب داخل المخيم.
ملاحظة: كنت أراقب والدي عند إشعال البابور وأشعر بأنه كان يفرغ كل غضبه أثناء دك البابور. وأحيانا يدندن عند إشعال البابور، وفهمكم كفاية…!
يذكر أن الإحتلال البريطاني كان قد أحضر بابور الكاز في أربعينات القرن الماضي كأداة للطهي وللتدفئة، وإقتصرعلى العائلات الميسورة. وكان جزء مهم بجهاز العروس كمعين لها عوضاً عن إشعال الحطب كما تقول ستي. إلا أنه سرعان ما إنتشر وأصبح رفيق الفقراء في الليالي الباردة…