“حروب الظل”.. بين إيران والغرب

علي خليل

لم تدم طويلاً المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، التي جاءت إثر استهداف تل أبيب مبنى قنصلية طهران لدى دمشق، مما أدى إلى مقتل سبعة من عناصر “الحرس الثوري” بينهم ضابطان كبيران هما العميد محمد رضا زاهدي والعميد محمد هادي حاجي رحيمي.

بدورها إيران ردت بإطلاق أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ نحو الدولة العبرية، لكن تم اعتراضها بالكامل تقريباً من قبل إسرائيل وحلفائها الغربيين، خصوصاً أميركا وبريطانيا وفرنسا، قبل أن تصل وجهتها، لترد تل أبيب ثانية بضربة دقيقة ومحددة في أصفهان، ثم تهدأ الأمور إلى هذا الحد من دون تصعيد من الطرفين.

لم يسفر ذلك التبادل العلني والنادر عن كثير من الأضرار، وكأن الطرفين متفقان على عدم اتساع رقعة الصراع، ما يؤكد حقيقة أن “حروب الظل” هي المواجهة الحقيقية بين إيران والغرب عموما وبينها وبين إسرائيل خصوصاً.

ومنذ زمن بعيد باتت سوريا والعراق ولبنان واليمن ساحات للمواجهة غير المباشرة، التي على عكس المواجهة العلنية لم تهدأ بعد، خصوصاً في تلك الدول التي تستضيف قوات عسكرية أميركية.

حرب الأبواب الخلفية كانت واضحة عندما خرجت المواجهة إلى العلن من سوريا إثر استهداف القنصلية الإيرانية، وكانت واضحة أيضاً عند ردت إسرائيل على الهجوم الإيراني بالضرب في أصفهان وسوريا والعراق بالتزامن في رسالة تؤكد أن ساحات طهران ليست داخلية في الأساس، وأنها معروفة وظاهرة للطرف الآخر.

حرب الظل

وإن خفتت المواجهة العلنية سريعاً فإن حروب الظل ما زالت مستمرة وعلى نطاق واسع، فبعدها بأيام أطلقت صواريخ من شمال العراق باتجاه قاعدة للتحالف الدولي في سوريا المجاورة، بحسب ما أعلنت قوات الأمن العراقية التي عثرت على العجلة المستخدمة في تنفيذ عملية الإطلاق.

وقالت “كتائب حزب الله” في العراق إن الفصائل المسلحة العراقية قررت استئناف الهجمات على القوات الأميركية بالبلاد نتيجة عدم إحراز تقدم يذكر في المحادثات الرامية إلى خروج تلك القوات خلال زيارة رئيس الوزراء لواشنطن.

وأضافت الكتائب أن “ما حدث منذ فترة قصيرة هو البداية” في إشارة على ما يبدو إلى الهجوم بصواريخ من شمال العراق على قاعدة تضم قوات أميركية في سوريا.

وقال مصدران أمنيان عراقيان إن خمسة صواريخ في الأقل أطلقت من بلدة زمار العراقية باتجاه قاعدة عسكرية أميركية في شمال شرقي سوريا . وهذا أول هجوم كبير ضد قوات التحالف الذي تقوده واشنطن بعد أسابيع عدة من الهدوء. ووقع الهجوم مع عودة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من زيارة للولايات المتحدة واجتمع خلالها مع الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض.

وقالت قوات الأمن العراقية في بيان إنها باشرت “عملية بحث وتفتيش واسعة” عن المنفذين مساء أمس الأحد في محافظة نينوى شمالي العراق على الحدود مع سوريا.

وتحدث البيان عن “عناصر خارجة عن القانون استهدفت قاعدة للتحالف الدولي بعدد من الصواريخ في عمق الأراضي السورية”. وأضاف “عثرت قواتنا الأمنية على العجلة التي انطلقت منها الصواريخ وقامت بحرقها”.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن “صواريخ عدة أطلقت من الأراضي العراقية استهدفت قاعدة خراب الجير” التي تؤوي “قوات أميركية” في شمال شرقي سوريا.

وأشار عبدالرحمن إلى أن هذه الصواريخ التي سقط واحد منها في الأقل داخل القاعدة سبقها إرسال طائرة مسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران وتم إسقاطها.

ووجه المرصد السوري لحقوق الإنسان أصابع الاتهام إلى “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهي تشكيل يضم جماعات مسلحة موالية لإيران.

وكانت “المقاومة الإسلامية في العراق” أعلنت مسؤوليتها عن معظم الهجمات ضد الجنود الأميركيين التابعين للتحالف، والتي كانت نفذت بصورة أساس بين منتصف أكتوبر (تشرين الأول) وأوائل فبراير (شباط). وهي تقول في بياناتها إن ذلك يأتي تضامناً منها مع الفلسطينيين على خلفية الحرب في غزة بين حركة “حماس” وإسرائيل.

وأسفر هجوم بطائرة من دون طيار في الـ28 من يناير (كانون الثاني) عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في وسط الصحراء الأردنية على الحدود السورية. ورداً على ذلك، شددت واشنطن لهجتها ونفذت ضربات عدة في العراق وسوريا ضد فصائل موالية لإيران. غير أنه منذ بداية فبراير، ساد هدوء نسبي بين الجانبين.

محور المقاومة

تقود إيران ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تنضوي فيه فصائل فلسطينية بينها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وأخرى عراقية إضافة إلى الحوثيين اليمنيين و”حزب الله” اللبناني.

ومنذ بدء الحرب في غزة بين إسرائيل و”حماس” صعدت هذه المجموعات من هجماتها في أنحاء مختلفة من المنطقة، وأثارت مخاوف من أن تتسبب الحرب في زعزعة الاستقرار في أنحاء أخرى من الشرق الأوسط.

وينفذ الحوثيون المدعومون من إيران هجمات على سفن يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة. وتسببت هجماتهم على مدى أشهر في البحر الأحمر في اضطراب الملاحة الدولية، وأجبرت الشركات على تغيير مسار السفن إلى مسار أطول وأعلى كلفة حول جنوب القارة الأفريقية.

ودفعت هجمات الحوثيين شركات شحن كثيرة إلى تحويل مسار سفنها عبر رأس الرجاء الصالح، مما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لأسبوع في الأقل ويزيد كلفة النقل.

من جهتها شكلت الولايات المتحدة تحالفاً متعدد الجنسيات يهدف إلى حماية الشحن في البحر الأحمر، ونفذت منذ منتصف يناير (كانون الثاني) ضربات متكررة على أهداف للحوثيين في اليمن. وشاركت بريطانيا أيضاً في عديد من تلك الضربات.

مناوشات “حزب الله”

ومنذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 يتبادل “حزب الله” والجيش الإسرائيلي القصف عبر الحدود، بالتوازي مع الحرب في غزة في أخطر الأعمال القتالية منذ أن خاضا حرباً كبرى في عام 2006.

ويظل السؤال: هل تبقى المواجهات بين إيران والغرب وحليفتهم إسرائيل محصورة في مواجهات الظل والساحات الخلفية؟