حرب الإشارات وحكاية مثلث
محمد عبد المنعم
صوت البرلمان الألماني لصالح قانون يحظر استخدام رمز “المثلث الأحمر” الموجه للأسفل، الذي يعد شعارا لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في الأماكن العامة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مع فرض عقوبات على المخالفين.
ووفقا لوسائل إعلام ألمانية، تم تمرير القانون بأغلبية الأصوات.
وحث مجلس الشيوخ على تنفيذ هذا الحظر في جميع أنحاء البلاد لضمان عدم استخدام هذا الرمز الذي تستخدمه حماس في الفيديوهات التي توثق عملياتها العسكرية في غزة.
وحصل القرار على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب البديل من أجل ألمانيا، بينما امتنع حزبا الخضر واليسار عن التصويت، وفقا لمصادر محلية.
في وقت سابق، وافقت الحكومة الألمانية على قانون يسمح بترحيل اللاجئين لمجرد تعليقهم على منشورات تنتقد إسرائيل وتدعم الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
حرب الإشارات وحكاية مثلث
واكتسب “المثلث الأحمر” شهرة منذ السابع من أكتوبر 2023، بعد تنفيذ حماس هجومها على جنوب إسرائيل وبدأت في استخدامه في مقاطع فيديو توثق عملياتها العسكرية. وتشير حماس “بالمثلث الأحمر” الموجه للأسفل في كل ضربة تستهدف الجنود والمعدات العسكرية الإسرائيلية.
وأصبح الرمز أحد الشعارات البارزة في الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023 ويستخدمه العديد من المؤيدين لفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتفرض السلطات الألمانية قيودا على التحركات الاحتجاجية الداعمة للفلسطينيين، متذرعة بمخاوف أمنية واحتمالات معاداة السامية أو التحريض على العنف.
ألمانيا وغزة وإسرائيل
وتعد ألمانيا من أكبر الداعمين لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، خاصة في مبيعات الأسلحة.
وفي أبريل 2024، مثلت ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بعد رفع نيكاراغوا دعوى قضائية ضدها، متهمة إياها بـ”تسهيل الإبادة الجماعية” التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة عبر تزويد إسرائيل بالأسلحة.
وترى ألمانيا إن الدعاية على الإنترنت والصور التي تنشرها بعض وسائل الإعلام حول مقتل المدنيين الأبرياء في غزة وفي الأراضي الفلسطينية على يد الجيش الإسرائيلي، ممكن أن تكون حافزاُ إلى أعضاء تنظيم داعش وأنصار الجماعات المتطرفة لتنفيذ عمليات إرهابية.
إضافة إلى ذلك كانت ألمانيا واحدة من ضمن (15) دولة أوقفت تمويلها للأونروا بسبب مزاعم أن واحدا من العاملين فيها كان ضالعا في هجمات السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل.
تقول البروفيسورة “ماريتا أوير” المديرة التنفيذية لمعهد “ماكس بلانك” للتاريخ القانوني والنظرية القانونية، “إن المصلحة الوطنية تعني دائما تقديم المصلحة على القيم”. ولهذا “فهناك الكثير من التعقيد، ولكن يتم التخلص من كل التعقيد بسبب الخلط بين المفهومين”.
ويرتفع الجدل في ألمانيا حول ازدواجية المعايير، فمن جانب، يرى سياسيون موقف ألمانيا كازدواجية معايير، بينما يراه آخرون واجبا على ألمانيا ومصلحةً وطنية.
وقد حظرت السلطات الألمانية المسيرات المؤيدة للفلسطينيين لمدة شهر تقريبا بعد بدء الحرب. كما وجهت بعض الدول اتهامات لألمانيا بإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين. ويخشى الناشطون أن تكون حرية التعبير على المحك.
الشارع والسياسة
وأثرت حرب غزة على الأمن في ألمانيا، ويظهر ذلك من خلال من الإحصاءات المتعلقة بالتطرف ذات الدافع السياسي في 15 أبريل 2024. سجلت الشرطة (5154) عملا في جميع أنحاء البلاد يشتبه فيها بدوافع معادية للسامية، وهو عدد أكبر بكثير مما كان عليه في العام 2023. تم الإبلاغ عن (765) جريمة معادية للسامية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024. وأصيب (53) شخصا في جرائم معادية للإسلام في ألمانيا العام 2023. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024، أحصت الشرطة (9) أشخاص.
وانتقد ناشطون بشدة القرار الذي يؤكد بحسبهم على دعم البرلمان الألماني للاحتلال الإسرائيلي ورفضه كل أشكال الدعم والإسناد لفكرة المقاومة الفلسطينية، أو التضامن معها حتى بالرموز التعبيرية الخالية من الكلمات.
ولم تخل تفاعلات الناشطين من السخرية على القرار، الذي اعتبره البعض مبالغاً فيه لإظهار الرفض تجاه كافة صور وأشكال التعبير عن التضامن مع فئات أو أفكار معينة، خاصة أن الرمز لا يشكل أي خطر أو ضرر يمس بالدولة، كما أنه يكشف زيف الدول التي تدّعي حرية التعبير والديمقراطية.
وتساءل البعض باستهزاء: ماذا عن المثلث الأصفر والأزرق الذي تستخدمه بقية فصائل المقاومة للغرض نفسه خلال العمليات ضد جنود الاحتلال في قطاع غزة؟
بينما رأى آخرون أن هذا القرار يشكل برهاناً على قوة وتأثير المقاومة وفكرة النضال ضد الاحتلال، مشيرين إلى أن هذه القرارات لن تضعف ولن تؤثر على المقاومة ولا على المناصرين لها بأي شيء.
وعقب ناشط إسباني على القرار بسخرية قائلاً: “مجلس النواب الألماني حظر استخدام المثلث الأحمر المناهض للفاشية والذي أصبح رمزا للمقاومة الفلسطينية. ومن المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على القرار، فما هي الخطوة التالية؟: حظر استهلاك البطيخ في ألمانيا؟”.
.