حزب “البديل” المتطرف يُربك السياسة الألمانية

محمد عبد المنعم

نشرت صحيفة الفايننشال تايمز مقالا افتتاحيا تتحدث فيه عن صعود تيار اليمين المتطرف في ألمانيا، والإشارات السياسية التي يحملها. تقول الصحيفة إن ألمانيا كسرت حاجزا خطيرا عندما انتخب رئيس الحكومة المحلية في ولاية تورينغن بمساعدة أعضاء من حزب البديل اليميني المتطرف. وقد استقال توماس كيمريش في نهاية الأمر تحت الضغط، وقال إنه يطالب بانتخابات جديدة.

ولكن الصحيفة ترى أن استقالته لن تجدي شيئا، لأن الضرر واقع لا محالة. فما حصل في تورينغن ليس تكرارا لما حدث في النمسا عام 2017 عندما تولى حزب الشعب المحافظ رئاسة الحكومة بالتحالف مع اليمين المتطرف. فحزب البديل لم يكن طرفا في التحالف الحكومية.

ما حدث في تورينغن هو مناورة سياسية سمحت للسيد كيمريش، الذي جاء حزبه بالمركز الأخير في الانتخابات المحلية في أكتوبر/ تشرين الأول، وبالكاد دخل البرلمان المحلي، بأن يفوز برئاسة الحكومة المحلية معتمدا على دعم حزب البديل.

وترى أن الاحتجاجات القوية التي أدت إلى استقالة كيمريش دليلا على أن الساحة السياسية في ألمانيا لا تزال يقظة ومستعدة لمنع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة. فقد وصفت المستشارة، أنغيلا ميركل، ما وقع بأنه “ذنب لا يغتفر”. كما وبخت زعيمة الحزب الديمقراطي الحر فرع تورينغن على ما فعله.

ومع ذلك فإن ما حدث في تورينغن يرسل إشارات مخيفة بشأن السياسة في ألمانيا، إذ أن عددا من الأحزاب المحسوبة على الوسط انزلقت إلى أقصى اليمين. وقد أصبح حزب البديل بعد حلوله ثالثا في الانتخابات العامة الأخيرة حزبا رئيسيا في المعارضة.

وإن كان الحزب لا يصنف من اليمين المتطرف فإن عددا من القياديين فيه كسروا حاجزا يعود إلى الحرب العالمية الثانية وهو التنديد التام بالنازية. كما أدين أحد القياديين في الحزب في محكمة وصفته بأنه فاش.

وأمام صعود مثل هذه الأحزاب تراجعت أحزاب كانت تقود السياسة الألمانية من بينها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تأثر بانسحاب زعيمته أنغيلا ميركل من قيادة الحزب، وعدم تمكن خليفتها من التحكم في زمام الأمور حتى الآن.

ومكن تراجع الأحزاب التقليدية الكبرى أحزابا صغيرة من دخول البرلمان من بينها أحزاب متطرفة. ولا يعرف ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستأتي بجديد يعزز استقرار البرلمان.

ولكن من المرجح أن يستفيد حزب البديل مما حدث في تورينغن، ليحقق المزيد من الانتصارات في الانتخابات الجديدة. وحتى إن لم يحقق تقدما فقد تم كسر الحاجز التاريخي، الذي كان يمنع الأحزاب المتطرفة من الوصول إلى السلطة، ومن الصعب إعادة رفعه.

بداية الاحتجاجات

احتجّت زعيمة يسارية ألمانية على تعاون الليبراليّين في بلادها مع اليمين المتطرّف، عبر القائها بباقة من الزهور أمام قدمي أحد السياسيّين الليبراليّين المتعاونين. ورمت سوزان هينيغ وَلسو، بنوعٍ من اللامبالاة، باقة التهنئة أمام الليبرالي المتوتر توماس كيميريتش، قبل أن تدير ظهرها له وتمشي من دون أن تصافحه.

وشوهد كيميريتش الذي كان قد انتُخب زعيماً إقليمياً لولاية تورنغن بأصوات حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرّف، يفرك يديه قلقاً بعد مغادرة السياسية اليسارية.

وكان “الحزب الديمقراطي الحرّ” الليبرالي، وحزب “الاتّحاد الديمقراطي المسيحي” المحافظ، قد اعتمدا على أصوات حزب “البديل من أجل ألمانيا” من أجل إطاحة الإدارة اليسارية للولاية، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في السياسة الألمانية، بحيث يُعتبر عادةً التعاون مع اليمين المتطرّف خارج حدود التصوّر.

هذا الإجراء من جانب الليبراليّين أشعل غضباً في جميع أنحاء البلاد وحتى على المستوى الدولي، ونزل آلاف من الأشخاص تلقائياً إلى مقرّ الحكومة الإقليمية للاحتجاج على الخطوة. ووُجّهت إهانات إلى “الحزب الديمقراطي الحرّ” والأحزاب اليمينية المتطرّفة على شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت هينيغ وَلسو زعيمة حزب اليسار في الولاية التي قامت برمي باقة الزهور أمام قدمي الفائز لوسائل إعلام ، إن أحداث هذا اليوم”سبق الإعداد لها منذ مدة طويلة، وإن التعاون بين الليبراليين جرى التخطيط له مسبقاً”.

وعلى نقيض موقف الجناح اليساري، تلقّى كيميريتش شكراً حارّاً في القاعة من زعيم حزب “البديل من أجل ألمانيا” في المنطقة بيورن هوك، الذي صُوّر وهو يسلّم على حليفه الجديد ممسكاً بيده بحرارة.

ويُعدّ هوك أحد أبرز الشخصيات السياسية في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني. وكان قد سار في تظاهراتٍ مع النازيّين الجدد، ووصف نهج ألمانيا في إحياء ذكرى محارق اليهود بأنه “تصرّف غبي”. وفي سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قضت محكمة في ولاية تورنغن بأنه يمكن اعتبار هوك من الناحية القانونية “فاشيّاً”، موضحةً أن التسمية “تستند إلى واقعٍ يمكن التثبت منه”.

وما يثير الدهشة، أن الحزب الليبرالي الذي يتزعمه كيميريتش فاز بنسبة 5 في المئة فقط من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، متجاوزاً العتبة الانتخابية للتمثيل بأقلّ من 100 صوت. ويبدو الآن أن الأمر انتهى به إلى قيادة حكومة ولاية تورنغن.

وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن هذا الحدث “الخارق للمحظورات” والمتمثّل في انتخاب رئيس وزراء بأصوات حزب “البديل من أجل ألمانيا”، يحصل للمرّة الأولى في تاريخ الجمهورية الفيدرالية.

واحتفل يورغ ميوذين رئيس حزب “البديل من أجل ألمانيا” بالنتيجة قائلاً “إن أول انعطاف سياسي في ألمانيا تتمثّل في فوز الأغلبية المدنية! تهانينا لتورنغن!”

في المقابل، وصف وزير الخارجية هايكو ماس وهو من “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” نتائج الانتخابات، بأنها “غير مسؤولة تماماً”. وغرّد ماس عبر حسابه على “تويتر” قائلاً إنه “في مواجهة حزب البديل من أجل ألمانيا، يتعيّن على جميع الديمقراطيين الوقوف جنباً إلى جنب. وإذا لم تفهموا ذلك، فيبدو أنكم لم تتعلموا شيئاً من تاريخنا”.

وقال بيرند ريكسينغر، رئيس الحزب اليساري عن النتيجة في ولاية تورنغن، إنها “كانت خرقاً للمحرّمات وستكون لها عواقب بعيدة المدى”. وأضاف بأن “على الحزب الديمقراطي الحرّ وحزب الاتّحاد الديمقراطي المسيحي مسؤولية توضيح ذلك الآن”.

وأجرت ولاية تورنغن انتخاباتها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وتصدّر حزب اليسار النتائج بهامش كبير، بحيث حصل على نسبة 31 في المئة من الأصوات، وحلّ حزب “البديل من أجل ألمانيا” في المرتبة الثانية بنسبة 23.4 في المئة. وجاء حزب “الاتّحاد الديمقراطي المسيحي” المحافظ ثالثاً بنسبة تأييد بلغت 21.7 في المئة، في حين حلّ “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” في المركز الرابع بنسبة 8.2 في المئة.

.