المهاجرون وفن التعامل مع الإعلام

ـ الإعلام قادر على رسم صورة إيجابية تعمل على التأثير بإيجابية على تعامل الآخرين مع المهاجرين، وهو قادر أيضاً على تشكيل صورة سلبية لا تمحى من الأذهان.
ـ المشكلة الحقيقية في طريقة التعامل الإعلامي مع القضايا السياسية، ومن ضمنها قضايا المهاجرين، تكمن في أنها معالجة سريعة تستهدف الإثارة ولا تسعى لمخاطبة جادة تعمل على تحليل المشاكل في العمق.
ـ من واجب “الجمعيات والاتحادات” الاعتراض على توصيف المهاجرين ب”العبء الاقتصادي” عبر تبيان الدور الذي يقومون به في دعم الاقتصاد وتوفير المهارات المختلفة في شتى المجالات.ـ الأفعال الصادرة عن أفراد من الجالية تعطي زخماً للأفكار المسبقة عن المسلمين مثل جرائم الشرف، والفساد الإداري وتجاوز القوانين، وترديد العبارات التصادمية عند التعامل مع الموضوعات محل الجدل، دون الاهتمام بشرح الذات للآخرين أو تقديم تفسيرات منطقية.
.
د. عمرو راغب //
من أصعب الأشياء على الإطلاق أن تواجه خصماً لا تراه، وأن تتعامل مع تهديد لا تعرف من أين يأتيك أو كيف يصيبك أو متى يعمل على اقتناصك، وإذا كانت المعرفة كما يقولون هي القوة، فإن الجهل هو الضعف بعينه، لأنه يسلب المرء جوهر قوته ذاتها وإن لم يسلبه مقوماتها، وذلك عبر انتزاع المبادرة من بين يديه، وحرمانه من استخدام قوته على الوجه الصحيح. والإعلام ليس استثناء من هذه القاعدة، فهو كان وسيظل كياناً حياً يتمدد ويتقلص تبعاً للمتغيرات والظروف، وتحكم حركته والعالم الذي يشكله قوانين متداخلة وحسابات شديدة التعقيد. والدخول في مواجهة مع الأداة الإعلامية ليس أمراً هيناً وأقل ما يفعله المرء في هذا الشأن أن يعرف – تحديداً– طبيعة ما يواجهه وكيف يتعامل معه.
والإعلام ليس خصماً في المطلق العام بل هو أقرب ما يكون إلى التنين ذو الرؤوس المتعددة والذي يمكن أن تطوعه للعمل في صالحك، أو تتركه للآخرين كي يستخدمونه في القضاء عليك. ومنذ اللحظات الأولى التي تطأ فيها أقدام المهاجر الأرض الموعودة، فإنه يصطدم بحواجز زجاجية تصعب رؤيتها وقد صنعتها الآلة الإعلامية بمختلف وسائطها، بعضها لها قوة الفولاذ والأخرى تصمد حيناً لكنها تنهار في النهاية. على أن الصعوبة الحقيقية تكمن في رصد تلك الحواجز والتعامل معها قبل الاصطدام بها، والوقوع في فخ الخسائر الفادحة التي كان من الأفضل لو تم تجنبها منذ البداية.
فقوة الإعلام تكمن في قدرته على تشكيل الوعي الكامن في أذهان أولئك الذين يتحتم علينا التعامل معهم لسبب أو لآخر، أو يملكون بحكم مناصبهم أو أوضاعهم القدرة على التأثير على مجريات حياتنا، خاصة في مرحلة الاستقرار الأولى في المهجر والتي هي أبعد ما تكون عن الاستقرار، والتي يحاول المهاجر فيها وضع جذوره داخل الأرض التي اختارها لتكون وطناً جديداً له. فالإعلام قادر على رسم صورة إيجابية تعمل على التأثير بإيجابية على تعامل الآخرين مع المهاجرين، وهو قادر أيضاً على تشكيل صورة سلبية لا تمحى من الأذهان وقد تؤدي إلى تعقيدات وحساسيات لا نبالغ في القول أنها قد تكون مسئولة وبشكل كبير عن لفظ المهاجر خارج إطار المواطنة وتحويل حياته إلى جحيم ينتهي عادة بفشل اندماجه في مجتمعه الجديد، وإلى عزله فكرياً وإنسانيا عن الآخرين ليتحول حضوره إلى مجرد تواجد جسدي وانفصال حضاري وعقلي كامل عن نسيج المجتمع.
وللمهاجر العربي والإسلامي في هذا الإطار خصوصية تميزه عن غيره من المهاجرين، إذ عليه أن يواجه الصورة النمطية المتكونة في الأذهان عن المهاجرين ومشاكلهم عموماً، وعليه أيضاً أن يواجه الصورة التي كونها الإعلام عن الإنسان المسلم أو العربي وعن الثقافة الإسلامية وخصوصيتها الحضارية والدينية. وبذلك تكون مهمته في التعامل مع الإعلام مركبة وشاقة، خاصة في ظل حالة العداء والاستهداف التي يمارسها الإعلام بشكل عام ضد المهاجر العربي والإسلامي، والتي تزايدت حدتها بشدة منذ وقوع أحداث نيويورك وما أعقبها من غزو أفغانستان والعراق وتصاعد التهديدات الأمنية والتوترات الثقافية والدينية في أوربا والولايات المتحدة.
وغالباً فإن الإنسان العربي لا يدرك حجم التداخل وأيضاً الاختلاف بين هاتين الصورتين، وفي أحيان كثيرة يتم تفسير الأمور خطأً، وذلك اعتمادا على الاعتقاد بأن الحكم على الإنسان العربي والتعامل معه هو نتاج وحيد لآثار الصورة النمطية للحضارة العربية والإسلامية في الوجدان الغربي، وينسى البعض أن قضية المهاجرين عامة والنظرة إليهم تلعب دوراً هاماً، وأحياناً رئيسياً، في تشكيل حركة التفاعل بين المهاجر وبين أفراد مجتمع المهجر.
ومشكلة العالم الغربي مع المهاجرين إليه هي مشكلة متعددة الأوجه، فجانبها الثقافي يمثل تحدياً أساسياً أمام عملية استيعاب المهاجرين، وخاصة الجيل الأول (جيل الهجرة) والذي يكابد للتوافق مع النمط السائد في المجتمع، ثم الأجيال التالية والتي تسعى بدورها للتوفيق بين جذورها الثقافية والدينية وبين المجتمع الذي نشأت فيه. أما جانبها الاقتصادي فيمثل الرافعة الأساسية لعملية الهجرة لكلا الطرفين، فالمهاجرون يسعون لحياة أفضل في ظروف اقتصادية أكثر مواءمة من بلدانهم التي ضاقت بهم، ودول المهجر تسعى لسد النقص في مجال العمالة الماهرة والكفاءات العلمية والمهنية، وكل خلل في هذه المعادلة ينعكس سلباً على وضع المهاجرين ونجاح استيعابهم في المجتمع، فارتفاع نسب البطالة في صفوف المهاجرين مثلاً يضر بوضعهم الإنساني والاقتصادي، وقد يدفع بعضهم للخروج على القانون، خاصة إذا سدت الطرق أمامهم في مجالات التعليم والعمل. أما الجانب الأمني فقد غدا ركناً أساسياً في أي تقييم لعملية الهجرة واستيعاب المهاجرين، خاصة بعد أن ظهر جلياً أن بوابة الهجرة سمحت بتسلل عناصر – قد تشكل تهديداً أمنياً لدول المهجر- بالتغلغل داخل مجتمعات المهاجرين، واتخاذهم غطاءً للتمويه على أهدافهم المستقبلية.
لذلك لم يكن غريباً أن تتصاعد موجات الرفض للمهاجرين الجدد في ظل إنتشار الانطباعات السلبية عن دورهم في المجتمع، وخاصة في ظل تصاعد الضغوط الإقتصادية العالمية بتأثير الأزمة المالية المستمرة منذ عدة سنوات، وفي ظل تزايد الاحتقان السياسي نتيجة تصاعد المد القومي وعودة القوى الدينية ذي التوجهات السياسية إلى ساحة العمل السياسي مجدداً. وهي الأمور التي دفعت إلى السطح بتساؤلات ملحة عن مغزى استقدام مهاجرين جدد ومدى الاستفادة الحقيقية التي تعود على الدول التي تستقبلهم، مما عزز من قوة التيارات الداعية إلى كبح جماح الهجرة والضغط على المهاجرين للذوبان الكامل في مجتمعاتهم الجديدة، أو منحهم البديل الآخر والمتمثل في الرحيل.
وقد غذى الإعلام، عن قصد أو بدون قصد، تلك الصور السلبية عن المهاجرين ودورهم في المجتمع وذلك بالتركيز على الجوانب السلبية المتعلقة بهم، مثل ارتفاع نسب البطالة في صفوفهم، وتزايد معدلات الجريمة في أحيائهم، والمشاكل الأسرية في عوائلهم، وضعف اقتصادياتهم وانخفاض نسب التعليم بين أبنائهم. وفي المقابل أغفل قصص نجاح العديد من المهاجرين سواء على الصعيد الاقتصادي أو المهني، مما خلق انطباعا مغلوطاً بغلبة الجوانب السلبية على طبيعة مجتمعات المهاجرين وضعف الجوانب الإيجابية في المقابل.
وإذا كان على المهاجرين عامة مواجهة تلك الصورة السابق شرحها، فإن المهاجر العربي مهمة إضافية تنتظره، وهي مواجهة الصورة النمطية التي رسمتها وسائل الإعلام على إمتداد عقود لحضارته وثقافته، خاصة مع صعود نظرية صدام الحضارات إلى السطح، والتي توجت الإسلام كعدو للحضارة الغربية وقيمها، مما وضع المسلمين عامة والعرب خاصة في موضع العدو، وهو أمر خلق صعوبات جمة أمام هؤلاء المهاجرين، خاصة عندما وضعت تلك النظريات التصادمية تحت الأضواء في ظل أحداث سبتمبر وما تلاها، فالإعلام إنقسم إلى معسكرين رئيسيين، ركز أحدهما على كون العنف دخيل على العقيدة الإسلامية والتي تدعو للتسامح، في حين راح الفريق الآخر يجادل بدموية الفكر الإسلامي والعقيدة التي أنشأته، وتأرجحت النسب بين هذا المعسكر وذاك طبعاً لتغيرات الوضع السياسي والأحداث الأمنية المتلاحقة.
على أن المشكلة الحقيقية في طريقة التعامل الإعلامي مع القضايا السياسية، ومن ضمنها قضايا المهاجرين بطبيعة الحال، تكمن في أنها معالجة سريعة تستهدف الإثارة ولا تسعى لمخاطبة جادة تعمل على تحليل المشاكل في العمق، ولعل أحد الأسباب في ذلك أن أية وسيلة إعلامية تجد نفسها مرغمة على المناورة في حقل من ألغام النفوذ السياسي والاقتصادي، وهو الأمر الذي قد يدفعها إلى الحيد عن المهنية الكاملة في سبيل تجنب أضرار غير مرغوب فيها، أو إرضاء لجهات نافذة. ومن هنا فإن وسائل الإعلام تفضل إغفال الطرف الأضعف في هذه المعادلة وهو بالطبع مجتمع المهاجرين في سبيل تجنب إغضاب مصادر النفوذ الأوسع في المجتمع ودوائر صنع القرار. ويغريها في ذلك ضعف المهاجرين الثقافي وافتقادهم لحس المبادرة والحرفية في تعاملهم مع الأدوات الإعلامية، وانعدام أدوات الضغط في أيديهم للدفاع عن صورتهم.
وقد أتى تداخل الصورة النمطية للمهاجر عامة مع الصورة الخاصة بالمهاجر المسلم خاصة ليولد هزة في عقل المواطن الغربي، ويحدث حالة من الحمى في المعالجات الإعلامية لقضايا مهاجري الشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث نيويورك، إذ اتجهت الأنظار تلقائياً إلى هؤلاء المهاجرين الذين تحولوا بين يوم وليلة من أقلية مزعجة ذات طبيعة غريبة ومزاج سيئ، إلى تهديد أمني وسياسي وحتى إقتصادي على الدول التي تحتويهم، وزاد الطين بلة وقوع العديد من الأحداث الأمنية مثل تفجيرات لندن وأسبانيا وقطارات ألمانيا التي وضعت المسلمين الأوروبيين في قلب عمليات الاشتباه والملاحقة.
ويمكن للمراقب المحايد أن يتبين حجم المأزق الذي وجد الإعلام الغربي نفسه فيه، أو بالأحرى أوجد نفسه فيه. فعلى إمتداد عقود اكتفى الإعلام الغربي عامة بالروايات والاستقراءات المنقولة من مصادر خارجية لتحليل الشخصية الإسلامية والعربية وكل ما يتعلق بمجالها الفكري والإنساني، دون جهد ذاتي للتدقيق في هذه التحليلات أو الاستقراءات، ودون بذل الجهد في قراءة الحقائق التاريخية أو تلك الموجودة على الأرض. وغني عن الذكر أن هذه القراءات حفلت بقدر لا بأس به من التشويه والتسفيه وحتى نزع الصفة الإنسانية عن الإنسان العربي، لتترسخ بذلك صورة مقولبة تحمل كل معاني الازدراء والانتقاص داخل عقل المواطن العادي لهذا المهاجر، وإن لم يصرح بها.
وبغض النظر عن الوضع الأخلاقي لهذه المعالجات الإعلامية، فإن غالبية الإعلاميين لم تجد غضاضة في السير مع هذا التيار العام، خاصة في انتفاء أية ضرورة لمراجعته أو تغييره وكذلك خفوت أصوات أولئك الذين يعانون بسببه. أما وقد حولت هذه المعالجات، ملايين المهاجرين إلى أعداء محتملين لا مجال للتفاهم معهم، خاصة بعد تحركات مدمرة لأفراد قلائل يعدون على الأصابع، فإنه بات واضحاً مدى خطأ هذه السياسات الإعلامية وتأثيرها السلبي على نسيج المجتمع، والذي أدرك القائمون عليه أنه لا يمكنهم إلقاء الملايين من البشر خلف خطوط الحدود دون أحداث هزات تصيب عصب الحضارة ذاتها وكل مكتسباتها الإنسانية على إمتداد نصف قرن، والتضحية بفكرة التعايش الإثني والديني التي ولدت من رحم الحرب الكونية الثانية وما أعقبها من فترات التوتر إبان الحرب الباردة.
والمعضلة التي تواجه الإعلام الغربي هي كيفية إعادة النظر إلى هذه الفئة من المهاجرين بعين الشراكة والاحترام، والأهم من ذلك النظر إليهم بعين الحيادية والفهم، وإقناع الآخرين بالتخلي عن الانطباعات والصور النمطية التي ساهم هو نفسه في تكوينها ونشرها. وهي مهمة ليست بالسهلة خاصة في ظل الممارسات الإعلامية السابقة، وعدم توفر قوة الدفع السياسية في ظل تخبط السياسيين أنفسهم وترددهم في أخذ زمام المبادرة بمد الجسور مع هذه الفئة من مواطنيهم، ويزيد من صعوبة الأمر انغلاق الجاليات الإسلامية على نفسها بتأثير الاستهداف الإعلامي والشعبي المتراكم عبر السنوات، وأيضاً سلسلة لا تنتهي من الحوادث المؤسفة والأفعال الحمقاء التي أتت من جميع الأطراف لتزيد من حالة الاحتقان وتجعل من الحوار الصريح والثقة المتبادلة ضرباً من الأمنيات وحلماً من الأحلام.
ومن المهم للغاية لنا في هذا السياق، كمسلمين وعرب مهاجرين ومقيمين، أن ندرك حجم التغيير المطلوب. ليس فقط من جانب الوسائل الإعلامية التي تحاول تجديد فهمها لنا كجاليات وثقافات وعقائد، بل وأيضاً من جانبنا كأفراد وجاليات وواجهات اجتماعية وثقافية وإعلامية من أجل بناء الجسور وتعزيز التفاهم. ولا مجال هنا لإنكار أن الصور النمطية السلبية لنا كمهاجرين ومسلمين قد ألحقت الضرر بفرص تعايشنا وتكاملنا مع المجتمعات التي نعيش فيها، و لا مجال للتظاهر أيضاً بأنه لا مصلحة لنا في تغيير هذه الأوضاع الخاطئة. فمن الثابت أننا بحاجة إلى شرح ذاتنا وثقافتنا ومن قبل ذلك ديننا بطريقة تنقل الحقائق إلى الطرف الآخر وتزيل شكوكه الغير مبررة، و تزيل هذا الالتباس والتناقض في الرسالة التي نحملها إلى الآخرين عن كينونتنا، وعليه فإن علينا واجباً يجب أن نضطلع به في هذا السياق ولا مفر من تحمل مسؤوليتنا في هذا الشأن.
تفعيل العلاقة بين وسائل الإعلام وعموم المهاجرين العرب والمسلمين:
لعل أحد أهم النقاط التي تؤثر على أية معالجة إعلامية لأي موضوع هي وجود مصدر محدد للمعلومات التي تبنى حولها تلك المعالجة الإعلامية. فكلما كانت المعلومات دقيقة والأرقام صحيحة، كلما كان من الصعب حرف المعالجة الإعلامية عن جادة الصواب والحيادية. وعلينا أن نتذكر أن المعلومات الناقصة هي معلومات مغلوطة في نهاية الأمر، وأن نذكر الآخرين بذلك دوماً عبر الإشارة إلى نواقص المعلومات التي يقدمونها، والخلل في تحليلاتهم جراء ذلك. وهذا الأمر يكتسب أهمية خاصة كون معظم التحليلات، وبالتالي الانطباعات والاستنتاجات، يتم بناؤها اعتمادا على مصادر غير دقيقة أو غير مطلعة على الخلفيات الاجتماعية والثقافية والسياسية، مما يتسبب في أخطاء مهمة في الفهم والتحليل. لذلك فإن علينا أن نتذكر أن الصورة الإعلامية هي نتاج “معلومة” و “قراءة”، ومن أجل صورة صحيحة فإن المرء يحتاج معلومة دقيقة وقراءة محايدة.
1– سلبية الغالبية العظمى من المهاجرين والعلاقة مع الإعلام :
من الطبيعي إذاً أن نسأل أنفسنا عن مصدر المعلومة، ولماذا هذا الحجم الكبير في المعلومات المغلوطة عن المهاجرين المسلمين وثقافتهم، وكيف يتأتى لنا نعمل على ضمان صحتها. لكن جزءًا من إجابة هذا السؤال تتطلب اعترافا شجاعاً وصريحاً بأننا نعاني من سلبية في التعامل مع الإعلام، وهي سلبية تمنعنا من تقديم المعلومة الصحيحة عندما تكون هناك حاجة لها، وتحد من قدراتنا على التواصل مع الآخرين والدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا، والأهم من ذلك أنها تحرم الآخرين من فرصة فهمنا كما ينبغي. لذلك فإن الخطوة الأولى تكون في التعامل بفعالية وإيجابية مع مختلف الشؤون الإعلامية، والتخلي عن السلبية في مواجهة الصور النمطية والانطباعات المسبقة التي تم تناقلها دون فحص أو تدقيق من قبل الإعلاميين ومن قبلهم المفكرين والسياسيين.
فمن واجبنا الاعتراض على توصيف المهاجرين ب”العبء الاقتصادي” عبر تبيان الدور الذي يقومون به في دعم الاقتصاد وتوفير المهارات المختلفة في شتى المجالات، وهي نقطة ازدادت أهميتها بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية حاليا. فالفكرة القائلة بأن المهاجرين إما بطالة مستهلكة أو عمالة “سارقة” لفرص العمل مردود عليها من واقع الأرقام، والتي تبين حجم النقص في مجالات العمل التي يغطيها المهاجرون عامة، والإسهامات التي يقدمها أفرادهم في مجالات التجارة والصناعة والاقتصاد. أما الفكرة القائلة بأن المهاجرين المسلمين يصعب إدماجهم في المجتمع، فمن الأحرى أن يصار إلى بحثها في إطارها الأعم الذي يتناول تحديد مفهوم هذا الإندماج وحجم المصاعب التي تواجهه، من أجل إظهار الحقيقة التي مفادها أن مسؤولية حل هذه المشكلة تقع على عاتق كل من الدولة والمهاجرين والمجتمع أيضاً.
على أن أهم أجزاء الصورة النمطية التي يتحتم على المهاجرين العرب والمسلمين مواجهتها هي الجزء السلوكي والأمني، فالنظرة المترسخة داخل الوجدان الغربي أن العربي بطبعه يميل إلى العنف ولا يقيم وزناً لقيمة الروح البشرية، وهي نظرة تكاد تنزع الإنسانية عنه لتوسمه عوضاً عن ذلك بالهمجية المطلقة، أو السلوك النفسي المرضي نتيجة للضغوط الدينية والثقافية. والمشكلة في هذه المنطقة بالذات أن هناك حالة من العصبية تنتاب جميع الأطراف، وفي هذا الوقت بالذات، نتيجة للتحديات الأمنية التي فرضتها التهديدات القادمة من الجماعات الدينية في الشرق، والتي تدير صراعاً مفتوحاً مع دول الغرب وتتوقع دعماً خالصاً من الأقليات المسلمة بحكم الشراكة في الدين، طبقاً لخطابها الذي تعاود توجيهه بين الفينة والأخرى. وبوضع هذا الخطاب بجانب النظرة القديمة بهمجية هذا المهاجر، فإن المحصلة كانت حالة من التشكيك الدائم بولاء المهاجر لدولته الغربية والتعامل معه كتهديد محتمل للأمن العام في إشارة واضحة لفقدان الثقة.
ولا يتأتى مواجهة حملة التشكيك هذه أو أية صور نمطية أخرى ما لم تكن هناك مواجهة صريحة مع الذات والاعتراف بأن آليات التواصل مع المجتمعات وهيئاته، ومن ضمنها أدوات الإعلام، تفتقد إلى الحد الأدنى من التكامل والهيكلية وتعاني من العشوائية والتخبط الفكري والسياسي قبل الإداري. فهناك بالتأكيد افتقار واضح للخطاب الثقافي وبالتالي الإعلامي المنسجم والمنطقي، ولا نقول الموحد فهذا حلم بعيد المنال. وإضافة إلى ذلك هناك مشكلة في الإشارات والعلامات التي نرسلها إلى الآخرين، ومشكلة في التفاسير التي نقدمها للمتابعين لشؤون الجالية ومشاكلها الأمنية والإجتماعية والثقافية، كما أن الانغلاق على الذات وفي هذا الوقت بالذات يثير الهواجس ويعزز الشكوك ويدور كل الطرفين لا محالة.
فالسلبية في التعامل مع وسائل الإعلام وتساؤلاتها، وعدم الانتباه إلى الأفعال الصادرة عن أفراد الجالية والتي تعطي زخماً للأفكار المسبقة عن المسلمين مثل جرائم الشرف، والفساد الإداري وتجاوز القوانين، وترديد العبارات التصادمية عند التعامل مع الموضوعات محل الجدل، خاصة السياسية والدينية دون الاهتمام بشرح الذات للآخرين أو تقديم تفسيرات منطقية لوجهة النظر المتبناة، كل هذا لن يكون له سوى آثار سلبية على فهم الآخرين لقضايانا ويضعف بذلك قدرتنا على التواصل واستشراف حلول وسط تخدم جميع الأطراف وتعبر عن مصالحهم الخاصة والمشتركة في وطن أصبحوا يتشاركونه، بغض النظر عن رغبتهم في ذلك من عدمه.
وهذه الأفعال والأقوال هي بمثابة المعلومات التي تغذي وسائل الإعلام والتي تتم معالجتها وفقاً لحيادية ونزاهة الإعلاميين، كل على حدة، ورؤيتهم لمختلف جوانب الموضوع محل البحث، ومن المؤكد أن أفعالاً محكمة واضحة ومعززة بشروح واضحة وكافية سيكون من شأنه التأثير على معالجة المسئول الإعلامي للمادة التي يتناولها، لأنه سيكون مجبراً والحالة تلك على تناول وجهة النظر الخاصة بالمهاجرين في تفسير ومعالجة الموضوع، وهو ما يوجد نوعاً من القيود الأخلاقية والمهنية تمنعه من الحيد عن جادة الصواب، أو على الأقل تمنعه من الشطط بعيداً في تطويع المعلومة لتخدم مصالح واهتمامات أطراف أخرى.
وبكلمات أخرى، فمن مصلحة كل الأطراف أن يتواجد المهاجرون بمختلف أجيالهم وأطيافهم على الساحة وأن يعملوا على تعزيز وجودهم واحترام وجهة نظرهم، ولن يحدث هذا ما لم يتخلى الجميع عن سلبيتهم، وهذا يشمل كلاً من الحرص على عدم إتيان أفعال خاطئة، أو الانزواء بعيداً عندما تكون هناك حاجة لتفسير واضح لأقوال قيلت، وبدت خارج السياق. وأياً كان سوء الوضع على الأرض، فمن الأفضل مواجهته والعمل على معالجته، عن الانزواء بعيداً والاعتماد على كرم الآخرين وحيادهم وتفهمهم من أجل تبيان الحقائق والأسباب.
٢- امتلاك الأدوات الإعلامية وقدرة التأثير على المعالجة الإعلامية
وإذا كان جزء من هذا التواجد يحققه وجود إيجابي لأفراد الجالية وتفاعل ذكي مع أجهزة الإعلام يركز على مضمون وشكل الرسالة المطلوب توصيلها، إلى أن وجود أدوات إعلامية خاصة بالجالية يعزز من قدراتها على الاتصال بمحيطها، والأهم من ذلك تعزيز الحوار الداخلي بين أفرادها مما يزيد من إمكانات التوافق على مضامين رسالة فكرية واحدة، تقلل من الالتباس الحاصل هذه الأيام في فهم الجاليات الإسلامية وقضاياها المتشعبة.
ورغم إنتشار العديد من صحف الجالية المكتوبة باللغات العربية والتركية وغيرها، إلا أن تواجدها على الساحة الإعلامية بمفهومها الوطني محدود الانتشار والتأثير، إذ يظل قارئيها من أبناء الجاليات فقط وليس بقية أفراد المجتمع، وتأثيرها الفكري يتراوح بين جريدة وأخرى لكنه في المجمل العام لا يشكل أداه فعالة لتشكيل الوجدان الفكري والثقافي حتى بين أبناء الجالية نفسها. وجزء من هذا القصور ينبع من سلبية الجالية في دعم مثل هذه الأدوات الإعلامية، سواء بالتبرعات أو المشاركات الأدبية والفكرية، بحيث تحولت معظم هذه الصحف إلى شبه نشرات تجارية تعج بالإعلانات لتغطية تكاليفها، ولا يجرؤ معظمها على تحميل القارئ أية تعرفة مهما كانت بسيطة لأن التوزيع قد يهوي إلى الصفر.
ولذلك فمن الطبيعي والحالة تلك أن تعجز تلك الصحف على استقطاب كفاءات فكرية قادرة على الرقي بالمستوى الفكري الوعي السياسي لأفراد الجالية. وباستطاعة المرء أن يتحقق بنفسه من هذه الظاهرة عبر جمع وقراءة العديد من هذه الصحف “الموسمية” ليتبين له وبدون كبير عناء أنها لا تقدم الكثير على المستوى الفكري، وأن قدراتها على التأثير في محيط جاليتها هو منعدم تقريباً. فكيف إذاً والحالة تلك أن نتوقع منها أن تؤثر في الوسط الإعلامي القُطري، وأن تخوض معركة إعادة تشكيل الفهم الغربي لقضايانا باتجاه إحداث توازن فعلي للمعالجات الإعلامية؟
ومن هنا يتبين أهمية إنشاء ودعم أدوات إعلامية خاصة بالجاليات العربية والإسلامية تكون ذات فعالية مؤثرة، وترتكز على رؤية فكرية واضحة تسعى إلى دعم قضايا المهاجرين في إطار توطيد وتفعيل علاقتهم بمحيطهم الاجتماعي، والحفاظ على هويتهم دون المساس بحقوقهم الأساسية كمواطنين. فوجود صحافة محلية خاصة بالجالية وشؤونها يفتح قنوات اتصال متعددة المستويات أمام أفراد الجالية ويسمح بتداول الخبرات بين أفرادها. وبالتالي يوفر معالجة أفضل للمشاكل التي يواجهونها، كما يوفر فرصة حقيقية لتقارب الآراء مما يساعد على ظهور خطاب فكري واضح المعالم، يمهد بدوره إلى تفاعل أفضل بين الجاليات والمجتمع المضيف.
ويزيد من أهمية هذه الأدوات، وخاصة الصحفية منها، أن تكون ثنائية اللغة فتقدم الموضوعات ومعالجاتها بلغة الجالية وبلغة البلد التي تتمركز فيه. فمن شأن ذلك أن يعزز من التواصل بين أفراد الجاليات ومواطني الدولة الآخرين ويصحح العديد من الانطباعات الخاطئة عن الجالية وأفرادها، كما أنها بذلك تشكل منبر دفاع مستقل لا يخضع لرحمة أدوات الإعلام الخارجي أو للمزاج العام لأفرادها، ويدخل بالتالي عنصر توازن مطلوب في المعادلة الإعلامية الخاصة بشؤون المهاجرين والجالية.
٣- الخطاب الفكري والتعامل الإعلامي
على أن الأهم من وجود الأداة الإعلامية ذاتها هو وجود الخطاب الفكري الذي يشكل مضمون الرسالة التي يحاول هذا الإعلام توصيلها إلى مختلف الأطراف. فبدون مضمون هادف وحقيقي تصبح الرسالة خاوية من المعاني ولا قيمة لها، بل وقد تكون ضارة في بعض الأحيان. وللخطاب الفكري هدفان أساسيان، أحدهما يتعلق بالشأن الداخلي للجاليات ومعالجة المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها في بلد المهجر، والآخر يتعلق بشرح الذات لدى “الطرف الآخر”، بدءًا من المواطن العادي ومروراً بطبقات التأثير الفكري والإعلامي، ثم صعوداً إلى دوائر النفوذ واتخاذ القرار في الدولة من ساسة وبرلمانيين.
وللخطاب الفكري الداخلي والمتعلق بالجاليات أهمية قصوى تنبع من كونه مفتاح الاستقرار الاجتماعي والثقافي وحتى النفسي لهذه الجاليات، وهو خطاب يفترض فيه أن يقدم إجابات عملية واضحة لمعضلات الهوية الفكرية والثقافية والاندماج عبر التوافق بديلاً عن الذوبان، ومعالجة التراث الفكري وتحديث المقاربات الثقافية، وكذلك التجديد الديني وبحث المذاهب الفقهية في شؤون أهل الاغتراب، وغيرها من الأمور التي تؤثر على وضعية الجاليات وتهم أفرادها في تعاملهم اليومي وحياتهم الجديدة في بلد المهجر.
ورغم أنه موجه في الأساس إلى تعزيز البنية الفكرية والعقائدية وفك العديد من الاشتباكات المذهبية والفكرية بين أبناء الجاليات أنفسهم، إلا أنه يشكل دعائم ومضمون الرسالة الفكرية التي يتحتم نقلها إلى بقية أفراد المجتمع المحيطين بأفراد هذه الجاليات. ودور الإعلام هنا متشابك وحيوي للغاية، إذ عليه أن يقدم الأرضية التي يتم عليها الحوار والاتفاق بين أفراد الجالية وخاصة مفكريها وقادتها، كما عليه أيضاً أن يدير السجال الفكري بطريقة بناءة تساعد على إنجاحه، وفي النهاية عليه أن يضطلع بمهمة إيصال الرسالة إلى مستهدفيها من أبناء الجالية.
أما الهدف الثاني للخطاب الفكري فهو تفعيل الاتصال الفكري مع الآخرين في بلد المهجر بغية شرح الذات بلغة يفهمونها، وبشفافية تسمح بتناول مخاوف كل من الأطراف وبحث الوسائل الكفيلة بتقريب وجهة النظر حيال تلك المخاوف، وكذلك أساليب معالجتها. وفي هذا المجال فإن شؤون المواطنة وحرية التعبير عن المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية، واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية والفردية، والعدالة الاجتماعية ومحاربة العنصرية، كل هذا يأتي على رأس القائمة من جانب الجاليات. في المقابل، فإن الموضوعات التي ستثار من الجانب الآخر ستتعلق باحترام الدولة والقانون، واستيعاب جميع الأطياف من المجتمع بغض النظر عن المعتقد الدين أو الشخصي، ونبذ التطرف الديني والفكري، ومراعاة متطلبات الأمن الخاصة، وغيرها من الموضوعات.
ومن الواضح أن الحوار لن يكون سهلاً، لكنه من الواضح أيضاً أن المهمة تكون أقل مشقة في ظل وجود خطاب فكري محدد المعلم من جهة الجاليات، وفي ظل وجود إعلام محايد ونزيه يوفر قنوات اتصال تعزز الحوار ولا تلغيه، ومعالجة إعلامية تساعد على الفهم والانفتاح على الآخر، وليس الحكم المسبق والانغلاق الفكري على الصور النمطية. وفي هذا السياق يجب التنبه إلى أهمية الكيفية التي يتم بها إدارة هذا الحوار و اللغة المستخدمة كذلك الإشارات الثقافية أو والتاريخية عند بحث أو تناول أي موضوع.
فبحكم وجود الصور النمطية من قبل، فإن المحاور الفكري من أهل المهجر يصطدم عادة بحواجز تاريخية من أفكار وألفاظ ومصطلحات وتعبيرات تحتم عليه أن يتحلى بكياسة واضحة وفطنة في تناولها أو استخدامها، خاصة إذا ما وضع نصب عينيه أن الهدف هو الوصول إلى نقطة اتفاق وليس مجرد الدخول في معركة لإثبات وجهة النظر، أياً كانت. ومن هنا فإن الإلمام بالجوانب التاريخية والثقافية والإجتماعية للموضوعات تحت البحث، وإدراك حجم وطبيعة التغيرات الحادثة على أرض الواقع، والاعتماد على مصادر معلوماتية وتاريخية مقبولة لدى جميع، أو معظم الأطراف على الأقل، كل هذا يساعد على إدارة الحوار بنوع من الحرفية الكفيلة بتحقيق نتائج مهمة وبناءة.
ومن المهم أيضاً الاهتمام بمفردات التعامل مع الوسائط الإعلامية والانتباه للتأثير الإعلامي على الواقع السياسي والإنساني للإنسان المغترب. فإدارة الحوار عبر الإعلام تتطلب استخداما مقنناً للمصطلحات والتعبيرات بشكل يسمح للمواطن العادي بإدراك المعاني والأفكار المطلوب توصيلها، وفي هذا السياق فإن العبارات والمصطلحات “التصادمية” لا تفيد أحداً باستثناء أولئك الذين لا يريدون لهذا الحوار أن يتم في الأساس، وسياسة إدارة الحوار لا يمكن لها أن تتلاءم مع سياسة حرق الجسور. ومن هنا تأتي أهمية تبني سياسات توافقية واضحة تدعم الإندماج والتوافق، وتؤسس لحقوق المواطنة الكاملة، مع التركيز على حماية المحتوى الإنساني والديني للمغترب باعتباره حقاً من حقوق المواطنة وضمانة لاندماج حقيقي وبناء، وليس مجرد احتواء مرحلي يسقط بانتفاء مسبباته.
يتبقى أن نشير إلى نقطة أخري ذات أهمية خاصة، وهي رسالة صحف المهجر إلى كل من أبناء الجاليات وأيضاً مواطني البلد الذي يقيمون فيه، والتي يجب أن تظهر وبوضوح أهمية الانخراط في الشؤون المحلية الخاصة بالبلاد، والاهتمام بشأن الداخلي كما هو الاهتمام بالشأن الخارجي. يجب الكف عن التعامل مع القارئ المهاجر على أنه يقرأ الصحيفة فقط كي يعرف أخباراً عن وطنه الأم، هي في جميع الأحوال مبتسرة ومتقادمة في عصر الإنترنت، ويجب عوضاً عن ذلك ربطه بماضيه الثقافي والديني بطريقة تنفي وجود التناقض بين كينونته الحضارية وبين كونه مواطنا في دولة هاجر إليها أو ولد فيها. كما يجب الكف عن التعامل مع القاريء من خارج الجالية على أنه “سائح” جاء ليتعرف على تقاليد متوارثة أو مظاهر سياحية عن بلد ما قابع وراء الأفق، بل يجب تعريفه بالأساسيات الدينية والثقافية الخاصة بالجاليات بلغة يفهمها، ودعوته لمشاركة همومها وحثه على الانخراط فيها كمواطن صالح يهتم بشؤون هذه الطائفة من مواطني بلاده الجدد الاستفادة من طاقتهم.
إن تبني سياسة إعلامية واضحة لم يعد ترفاً كما يظن البعض، بل أصبح ضرورة أساسية لجلب الاستقرار إلى حياة جاليات المهجر، وربما ارتقى في القريب العاجل ليكون ضرورة من ضرورات البقاء في عالم تزداد حدة التوترات السياسية والعقائدية والعرقية فيه يوماً بعد يوم. كما أنها لم تعد مسؤولية جهات منظمة كما كان الحال عليه في السابق، بل أصبح مسؤولية كل مغترب ومهاجر أن يدرك حجم التأثير الناشيء عن كل لفظ أو فعل يأتي به. ومن المثير للانتباه أن الكثير من البشر لا يدرك أنه، شاء أم أبى، قد أصبح أداة إعلامية صغيرة ومتحركة، يراقبها الآخرون ويلاحظون سلوكها ويستمعون إلى كلماتها، لكنهم في النهاية يحكمون ليس عليها فحسب، بل وعلى الوسط الذي تنتمي إليه والثقافة التي أنتجتها.
وإذا كنا نشكو دوماً أن أحداً لا يستمع لنا، هل سألنا أنفسنا عما إذا كنا قد فتحنا أفواهنا أولاً؟
ربما قد حان الوقت لنفعل ذلك!
.