الفن والتكويع في سوريا الجديدة

منذ اليوم الأول للجوء رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد إلى موسكو إثر سقوط حكمه، انطلق نجوم وإعلاميون سوريون في التعبير عن مواقفهم، هذا يحتفل مشدداً على صدق نظرته بالانضمام إلى فيلق الثوار منذ اليوم الأول، وذاك يحذر من الفرقة والانشقاق، وآخر كشف للمرة الأولى أنه “كان معارضاً سرياً”، وفضل عدم الإفصاح خوفاً من البطش به وبمعارفه، فيما هناك من انتظموا في تبرير ولائهم السياسي لنظام عائلة الأسد، ووصل الأمر بهم إلى التبرؤ من مواقفهم السابقة.

يبدو الوضع السوري أكثر تعقيداً من مجرد تقسيم نخبته الفنية بين مؤيدين ومعارضين ومحاسبتهم على مواقفهم، بخاصة أن كثيرين منهم كانوا لا يزالون يعيشون في البلاد ولم يكن لديهم خيار، كما أن غالبية المعارضين أصحاب الصوت الأعلى اختاروا العيش في المنفى كي لا يضطروا إلى المهادنة، من ثم فالمعارضة من الداخل لم تكن مطروحة من الأساس إذ إن ثمنها باهظ للغاية، وفقاً لشهادات متوالية يفرج عنها أصحابها ممن اعتقلوا أو هددوا.

وعلى رغم وجود بعض المناوشات والاتهامات بالتضليل التي توجه للمشاهير ممن أيدوا نظام الأسد ودعموه وروجوا له، فإن هناك سمة غالبة تبدو مسيطرة وهي “التجاوز” وعدم نبش الماضي رغم اتهامات “التكويع” أي الانقلاب فوراً إلى تأييد السلطة الجديدة بعد انتهاء دور القديمة، في مقابل موجة الاعترافات أو “المراجعات” إن جازت التسمية، المتعلقة بقفز بعض النجوم سريعاً من سفينة النظام الساقط. كما هناك أيضاً رغبة في المسامحة، وغلق الباب أمام شقاق قد لا يلتئم بسهولة، لاسيما أن النظام السوري كان يحاول الاستفادة من شعبية الدراما ونجومها في تلميع صورته، فهل تعلم مجتمع الفن بسوريا الدرس مما حدث في مصر عقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، حينما تم تقسيم النجوم إلى مؤيدين ومعارضين وكانت هناك قوائم سوداء تضم عشرات من الفنانين والإعلاميين الذين وقفوا ضد التظاهرات الشعبية وخونوا ناشطيها، وهي التصنيفات التي أثرت بوضوح على العلاقة بين أبناء الوسط ونتج منها إلغاءات لأعمال درامية وسينمائية كثيرة وتوقف مشروعات واعدة نظراً لأن الفرق المتضادة اعتمدت على الولاء السياسي والشعارات الرنانة كأساس للتقييم.

ولم يتعاف الوسط الفني في مصر إلا بعد أعوام عدة، بعد أن هدأ الزخم الثوري وتعلم الجميع أن يكونوا أكثر نضجاً، سواء في مواقفهم أو في قراراتهم التي يجب أن تبنى بحسب مصلحة العمل أولاً، ولكن بعد أن خسرت غالبيتهم جزءاً من الجماهيرية والسمعة وبالطبع الرصيد الفني.