الفكرة لا تزال تنبض

النازيون الجدد
عادل فهمي
أصبح المصطلح “نازية” وصفاً للأيديولوجية التي اتخذها حزب العمل القومي الاشتراكي الألماني Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei، والمبنية على العنصرية والتشدد ضد الأعراق الأخرى وكذلك على علوّ اجناس بشرية معينة على أجناس أخرى. وآمنت بقمع وحتى بإبادة الأعراق الدنيا، وبالمقابل الحفاظ على “طهر” الأعراق العليا.
وصل الحزب النازي إلى الحكم عام 1933 بقيادة أدولف هتلر، الذي شرع باستعمال القوة لتحقيق أيديولوجيته، وكان اليهود بالنسبة لهتلر في أدنى سلّم الأعراق البشرية. بدأ هتلر بتنفيذ برنامجه بإبادة شعوب ومجموعات بشرية أخرى وعلى رأسهم اليهود وما يطلق عليهم “الغجر” وقوميات أوروبية أخرى، وأطلق على عملية الإبادة اسم “المحرقة” “
إلا أن الأيديولوجية النازية لا تزال تلقى صدى، وتجذب أتباع، بل ما زالت فكرة العودة للسلطة من الجديد تراود النازيين الجدد.
الأفكار منتشرة بالفعل
بلغة الأرقام، وبحلول عام 2016، وصلت نسبة المتعاطفين من الألمان مع النازيين الجدد واليمين المتطرف إلى 5.4%، يشكل العنصر النسائي وكبار السن العدد الأكبر منهم، ولاسيما من الطبقات الفقيرة في المناطق الريفية وشرق ألمانيا.
وبلغة الجغرافيا، نجد أن النازيين الجدد يتواجدون في ولايات براندنبورغ، ومكلنبورغ فوربومرن، وهيسن، وسكسونيا السفلى، وشمال الراين ويستفاليا، وراينلاند بفالتس، وبادن فورتنمبرغ، وبرلين، ويجتمعون على مبادئ رئيسية هي: العنصرية وضرورة الاستبداد والشوفينية وتمجيد النازية وكره الأجانب ورفض التعددية في القيم الليبرالية.
وصلت إلى الجيش..
عبر إطلالة من منظور عين الطائر، يتبين أن الحركات النازية تتصدر المشهد في ألمانيا خلال الأعوام الأخيرة، حيث يزداد عدد المنضمين لها زيادة كبيرة، توثقها الجهات الرسمية: إذ تقدر هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» عدد المنضوين تحت لواء هذه الحركات حتى العام الماضي بـ 25 ألف شخص. وتمثل «النازيين الجدد»، و«مواطني الرايخ»، و«الهوية» أبرز الحركات النازية في البلاد.
وترصد الشرطة الألمانية أسلحة بشكل متزايد بين أيدي نشطاء الحركات النازية، فخلال 2018، رصدت قوات الأمن 1091 قطعة سلاح في حوزة نشطاء من هذه الجماعات، مقارنة بـ676 في 2017.
والأهم، أن هذه الحركات نجحت في اختراق الجيش الألماني، وتجنيد جنود داخله، ما يثير قلقًا كبيرًا. ليس هذا فقط، بل حتى أغسطس (آب) الماضي، سجلت الاستخبارات الحربية 477 حالة انتماء لليمين المتطرف بين جنود الجيش.
ومؤخرًا تطورت أعمال العنف التي ترتكبها حركات اليمين المتطرف، من مجرد جرائم كراهية واعتداء بدني أو لفظي، لاغتيالات سياسية وهجمات بالأسلحة النارية. ووفق تقرير للإذاعة الألمانية، فإن الشرطة سجلت 1156 جريمة مدفوعة بدوافع يمينية متطرفة في 2018، بينها جرائم الكراهية ضد الأجانب والمسلمين في الأراضي الألمانية.
ووقعت جريمة في أكتوبر الماضي، حين أطلق مسلحون من النازيين الجدد النار من أسلحة متعددة الطلقات بكثافة أمام المعبد اليهودي في هاله شرقي ألمانيا، ما أدى لمقتل شخصين وإصابة شخصين بإصابات خطيرة.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، اغتال أحد نشطاء «النازيين الجدد» السياسي المحلي بولاية هيسن «وسط»، فالتر لوبكة، بالرصاص، بسبب مواقف الأخير الداعمة للاجئين، في سابقة لم تحدث منذ عقود.
وفي وقت سابق هذا العام، أوقفت السلطات الألمانية رجلًا أرسل 200 خطاب تهديد بأعمال عنف وتفجيرات إلى مؤسسات حكومية وشخصيات سياسية عامة في ألمانيا موقعة بـاسم «الاشتراكيين القوميين» وهي أيديولوجية النظام النازي، حسب صحيفة دي فيلت الألمانية.
كما أعلنت الشرطة الألمانية في يوليو الماضي، أن حركة يمينية متطرفة تسمى «نوردكرويتس» (صليب الشمال) أعدت قوائم اغتيالات سياسية في كل أنحاء ألمانيا ضمت 25 ألف شخص، ونقلت شبكة التحرير الإخبارية الألمانية «خاصة» عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية أن «حركة نوردكرويتس خططت لعمليات قتل ذات دوافع سياسية في جميع أنحاء ألمانيا».
وفي مدينة كيمنتس شرقي البلاد، استطاعت السلطات قبل عدة أشهر، رصد خلية يمين متطرف مكونة من ثمانية أشخاص تتراوح أعمارهم بين 21 و32، تخطط للإطاحة بالنظام الديمقراطي، وكان المتهمون يخططون لأهدافهم عبر محادثات عبر الإنترنت «شات»، ويتحدثون عن ارتكاب عمليات قتل.
وأخيراً واقعة إطلاق النار الإرهابية الدموية في مدينة هاناو، أحدث حلقة من سلسلة هجمات ومؤامرات يقف خلفها تيار اليمين المتطرف.
«اليوم إكس»..
لا تعدو جرائم النازيين الجدد المتطورة كمًّا وكيفًا خلال الفترة الأخيرة، إلا جزءًا صغيرًا من الخطة الأكبر التي تستعيد فكرة انقلاب «حانة البيرة» وتطورها لتواكب العصر والأوضاع السياسية الراهنة.
ففي نوفمبر 2018، نشرت مجلة فوكس ملامح «المؤامرة»، التي تعتبر عقيدة أساسية لدى النازيين الجدد، وهدفًا يستعدون له بشكل دائم، حيث كانت خلية في الجيش مكونة من 200 جندي وضابط تخطط لعمليات اغتيال واسعة لسياسيين ورموز مجتمع ولاجئين، تحدث هزة كبيرة وفراغًا سياسيًّا، وتسمح للنازيين بالتقدم لاحتلال مفاصل الدولة.
وأطلق النازيون الجدد على المؤامرة اسم «اليوم إكس»، ووضعوا خططًا واضحة لاغتيال سياسيين في مقدمتهم وزير الخارجية هايكو ماس، وعدد كبير من نواب البرلمان والرئيس السابق يواكيم غاوك.
وبصفة عامة، كان أساس الخطة هو إحداث هلع وفوضى كبيرة في البلاد تشغل الجيش والأمن، وتسمح للنازيين بالتحرك بحرية للسيطرة على مفاصل الدولة وإعلان عودة النظام النازي، وتقويض النظام الديمقراطي الحالي.
وفي مارس (آذار) الماضي، قال تقرير يستند لبيانات هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» إن النازيين الجدد يتدربون بشكل متزايد على مواجهات الشوارع استعدادًا لـ«اليوم إكس».
وأوضحت هيئة حماية الدستور في تقرير، إنها تملك دلائل على تدريبات متزايدة في صفوف جماعات النازيين الجدد على مواجهات الشوارع، متابعة أن «تلك الجماعات تستعد بذلك لمواجهات مع خصومها السياسيين، وخاصة جماعات اليسار في يوم سقوط الدولة».
وفي الشهر ذاته، جرى تسريب رسائل داخلية بين أعضاء حزب البديل لأجل ألمانيا، تتحدث عن الإعداد لـ«ثورة»، وتأسيس «الرايخ الثالث» (الإمبراطورية الألمانية الثالثة).
.