الصين والسباق النووي المحموم
عادل فهمي
تواصل الصين زيادة ترسانتها النووية بوتيرة غير مسبوقة، إذ أنتجت خلال العقد الماضي رؤوساً نووية أكثر مما أنتجته خلال 70 عاماً، فهل تستعد بكين للحرب؟ أم أن لها أهدافاً أخرى تخص صراع القوى الكبرى مع الولايات المتحدة؟
قدرات الصين النووية
بحسب تقرير مجلة فورين أفيرز، يهدف طموح الصين في مواجهة التفوق النووي الأمريكي الحالي إلى تحقيق أكثر من مجرد التوسع في أعداد الأسلحة النووية، إذ تركز بكين أيضاً على الحصول على تقنيات متنوعة وتعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على التغييرات غير المسبوقة في وضع القوة التي ستمكنها من تحقيق أهداف تشغيلية محددة في المجال النووي.
فمن الناحية الرقمية البحتة، لا توجد مقارنة بين الترسانة النووية الأمريكية ونظيرتها الصينية، حيث تمتلك واشنطن أكثر من 5500 رأس نووية ولا تتفوق عليها في هذا المجال سوى موسكو التي تمتلك أكثر من 6250 رأساً نووياً، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام. وفي المقابل لا تمتلك الصين سوى بضع مئات من الرؤوس النووية، بحسب تقرير لموقع vox الأمريكي.
لذلك سعت الصين إلى زيادة عدد الرؤوس الحربية النووية التي تمتلكها، وتنويع طرق نشرها وإيصالها، وتغيير وضع قوتها من خلال زيادة معدلات التأهب التي من شأنها أن تسمح لها بإلحاق أضرار جسيمة بالمدن الأمريكية والأهداف الأخرى، حتى بعد تعرضها للقصف من خلال الضربة الأمريكية الأولى.
ما أهداف الصين من الأسلحة النووية؟
هناك من يرى أن بكين تنظر إلى حد كبير إلى “الأسلحة النووية باعتبارها رموزاً للقوة العسكرية” وليس كوسيلة “لتحقيق أهداف عسكرية محددة بوضوح، مثل ردع العدو عن القيام بأنشطة عسكرية محددة”.
لكن البعض الآخر يرى أن الصين لديها 4 أهداف عسكرية محددة من خلال التحول النووي الذي تسعى إليه؛ أولاً، تسعى بكين إلى زيادة قدرة قوتها النووية على البقاء حتى إذا ما تعرضت لضربة أولية، بحسب فورين أفيرز.
أما الهدف الثاني للصين فهو زيادة فعاليتها الانتقامية، إذ يدرك القادة والمخططون العسكريون الصينيون جيداً أن الردع النووي الناجح ضد الولايات المتحدة يتطلب أن تكون الصين قادرة على تعريض مجموعة متنوعة من الأصول الأمريكية ذات القيمة العالية للخطر، حتى في مواجهة الجهود الحثيثة للدفاع عنها.
وفي الوقت الحالي، تعتبر الدفاعات الصاروخية الأمريكية ضعيفة ومن المرجح أن تكون غير فعالة ضد التهديدات التي تشكلها القوات الهجومية لقوة نووية كبرى مثل الصين، بحسب فورين أفيرز. لكن مع تحول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى صراع قوى كبرى، لا تستطيع بكين الاعتماد على بقاء الدفاعات الإستراتيجية الأمريكية متخلفة بطرق تمنح عملياتها النووية الهجومية فرصة مجانية.
الهدف الثالث الذي تسعى الصين لتحقيقه من خلال تسريع وتيرة الزيادة في ترسانتها النووية ينطوي على زيادة القدرة التنافسية التصعيدية من خلال تنويع مخزونها من الأسلحة النووية. والمقصود هنا، بحسب تقرير فورين أفيرز، هو التوسع في إنتاج الرؤوس النووية التكتيكية بالتحديد.
وتنقسم الأسلحة النووية بشكل عام إلى تصنيفين؛ استراتيجية وتكتيكية. ويطلق الأمريكيون على الأسلحة النووية التكتيكية مصطلح “أسلحة ساحات المعركة النووية” Battlefield Nukes، وهي رؤوس نووية صغيرة الحجم يمكن إطلاقها كقذيفة هاون أو حتى تفجيرها مثل الألغام، وذلك على عكس الأسلحة النووية الإستراتيجية التي تطلق من خلال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وتُعد الأسلحة النووية التكتيكية أصغر بكثير من تلك الإستراتيجية وهي مُصممة للاستخدام في ساحة المعركة ضد تشكيلات القوات أو الدبابات أو المنشآت العسكرية والمخابئ، وفقاً لموقع ذا بوليتان.
ولأن الصين تريد القدرة على الرد بشكل متماثل حتى على الهجمات النووية الأمريكية الصغيرة ــ مما يضع عبء المزيد من التصعيد على الولايات المتحدة ــ فقد شمل تحول قوتها الآن نشر رؤوس حربية منخفضة الإنتاجية كانت تتجنبها في السابق. ولا تزال هذه القدرات غير موجهة نحو خوض حرب نووية حقيقية (كما كانت الحال مع القوات النووية التكتيكية الأمريكية والسوفييتية خلال الحرب الباردة). بدلاً من ذلك، يبدو أنها تركز على منح الصين خيار الرد على الهجمات النووية الأمريكية المحدودة بردود مماثلة لجعل مثل هذه الضربات غير فعالة.
الردع النووي الإقليمي
أما الهدف الرابع الذي تطمح الصين إلى تحقيقه في هذا الإطار فهو الردع النووي إقليميا، إذ تسعى بكين إلى زيادة فعالية الاستهداف الإقليمي. وبحسب تقرير فورين أفيرز، تهدف الصين، كجزء من تخطيطها للطوارئ، إلى ردع دول المحيطين الهندي والهادئ تهددها بشكل مباشر أو تلك التي قد تتعاون مع واشنطن ضدها.
وهكذا تواصل الصين تحسين أنظمتها النووية (تلك التي تهدف إلى استهداف جيرانها الآسيويين والقوات العسكرية الأمريكية العاملة في المناطق المجاورة لها)، إضافة إلى زيادة كبيرة في وسائل إيصالها الإستراتيجية – سواء الصواريخ الباليستية العابرة للقارات براً أو بحراً.
تشير هذه الرسالة، التي تستهدف بشكل أساسي المصالح الأمريكية في المحيط الإقليمي للصين، إلى أن بكين تدرك تمام الإدراك أنها محاطة بتهديدات نووية كبيرة، مثل الهند وحتى روسيا، وعدد من حلفاء الولايات المتحدة الذين تعتبر منشآتهم العسكرية حاسمة لنجاح العمليات القتالية الأمريكية ضد الصين. .
ولسبب مفهوم هو تعزيز الردع، اشترت الصين، وتواصل تطوير، مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة النووية قصيرة المدى الموجهة نحو أهداف إقليمية مهمة، بما في ذلك الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل أستراليا واليابان والفلبين، وهي ليست قوى نووية لكنها تحظى بالحماية الأمريكية.
لذلك، فإن أحد الجوانب المهمة للتحول النووي في بكين هو ردع أي جيران يهددون الصين بشكل مباشر أو غير مباشر بقوات تقليدية أو نووية كبيرة، بالإضافة إلى أي قوات أمريكية منتشرة في محيطها ويمكن استخدامها لمهاجمة الصين أو تقويض مصالحها الإستراتيجية الحيوية.
.