الحكومة اللبنانية لا تسمع طبول الحرب بين حزب الله والمحتل الإسرائيلي
.
جويس كرم
عملية “درع الشمال” التي بدأها الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية لا تشبه التصعيد الذي يسبق الضربات الجوية أو الحرب بين الجانبين، إنما تأتي في ظروف داخلية وإقليمية معقدة من تل أبيب إلى بيروت إلى طهران قد تؤدي إلى مواجهة أوسع في المدى المتوسط أو الطويل بينهما.
عملية سد النفق بحد ذاتها غير مفاجئة. فليس من المستبعد أن يحفر “حزب الله” نفقا من كفركلا باتجاه مستوطنة المطلة، وليس بالمفاجئ أن يحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الورقة الأمنية وهو الذي يواجه أزمة حكومية وأخرى شخصية ترتبط بفضائح الفساد. في نفس الوقت، من الخطأ والسذاجة حصر العملية بإطار سياسي داخلي في إسرائيل وتجاهل الجانب الأمني والتوتر الإقليمي الذي يصاحبها وما يعني ذلك لاحتمالات المواجهة العسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل.
سبق العملية تحذيرات إسرائيلية لمدة شهرين، بعد أن كتبت الصحافة الإسرائيلية عن إنشاء “حزب الله” مراكز استطلاعية على الحدود؛ تلا هذه التحذيرات، أنباء عن طائرة مدنية نقلت الأسبوع الماضي أسلحة من طهران إلى مطار بيروت مباشرة لصالح “حزب الله” وذلك بدلا عن الجسر السوري. لحق ذلك ضربات جوية إسرائيلية في سوريا، لأول مرة منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية، واستهدفت الضربات منطقة الكسوة حيث تتمركز ميليشيات تابعة لإيران، حسب ما نقلت الإذاعة البريطانية.
التصعيد التدريجي بين إسرائيل وإيران عنوانه الأساسي والاستراتيجي اليوم “حزب الله” ولبنان وليس غزة أو “حماس”. فقد عاد الهدوء إلى جبهة قطاع غزة، بعد تمديد وقف إطلاق النار برعاية الجانب المصري. أما الجبهة الأكثر خطرا وإلحاحا، حسب تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست”، فهي في لبنان وهدفها “حزب الله” وترسانته الصاروخية. فهل نحن على شفير حرب أخرى بعد أكثر 12 عاما على حرب تموز/يوليو 2006؟
هناك أسباب ترجح سيناريو الحرب وأخرى تستبعدها ويمكن إدراجها كما يلي:
من يتوقع الحرب يرى تصعيدا إقليميا تدريجيا، إنما ممنهجا، ضد إيران من دون وجود فسحة حقيقية لاختراق دبلوماسي أو إقليمي يخفف من حدة التشنج. فلا طهران بصدد تقديم تنازل في سوريا أو اليمن أو العراق وهي تخوض معركة استراتيجية بأدوات إقليمية بارعة. وبذلك تراهن طهران على تخطي مرحلة إدارة دونالد ترامب ومستشاره جون بولتون والتي تضع إضعاف إيران وقلب الموازين ضدها في صلب استراتيجيتها.
في الوقت عينه، فإن حقبة ترامب والنافذة المفتوحة التي يمنحها لإسرائيل وخصوم إيران هي التي قد تدفع تل أبيب باتجاه خوض مواجهة عسكرية مع “حزب الله” في العام 2019 أي قبل 2020 وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
هذه النافذة الأميركية قد لا تتكرر أمام إسرائيل؛ وتهديد “حزب الله” لن ينحصر بإغلاق نفق هنا، أو ضرب موقع هناك. أسباب الحرب تتضمن أيضا ضخامة ترسانة أسلحة “حزب الله” ودقتها، وتوسعه الإقليمي بشكل بات يقوض سياسة الردع التي خرجت بها حرب 2006 ويفتح إمكانية مواجهة شاملة أبعد من بيروت باتجاه الكسوة والحدود السورية ـ العراقية وقرب الجولان.
في المقابل، هناك أسباب ترجح ضبط النفس وتأجيل هكذا مواجهة بسبب ضخامتها والتداعيات غير المحسوبة التي قد تنتج عنها. فتهديد “حزب الله” ليس أكبر بكثير اليوم مما كان عليه العام الفائت. أما الساحة السورية فما زالت مشرعة الأبواب، ويمكن لأي جيش إقليمي التحرك واصطياد مقاتلين بسهولة أكبر من الإمكانية المتاحة في لبنان.
وبالنظر إلى ترامب، فرغم الدعم اللامتناهي لإسرائيل، فحرب مكلفة مع “حزب الله” قد تؤذي الجمهوريين في الداخل الأميركي. ومن الواضح أيضا أن واشنطن تفضل سياسة الردع والضغط على إيران وهي أرسلت حاملة الطائرات جون ستينيس إلى مياه الخليج لهذا الهدف.
الغائب عن هذه المعادلة هو الحكومة اللبنانية، فما من أحد يسألها رأيها، وما من أحد يأخذ دورها في الحسبان.
لا بل إن الأزمة الحكومية والإلتهاء بتفاهات إعلامية والتراشق الكلامي بين “زعماء” المناطق قد تتيح لإسرائيل منفذا أكبر للتحرك. هذا التحرك يتم فقط في حال باتت سياسة الردع والاحتواء واستهداف “حزب الله” في سوريا غير كافية وهو ما لم يُحسم بعد. 0 \lsdunhideus