الحقيقية وراء قصة للجوء
طارق أحمد رفيق
هل أنت لاجئ؟.. «مبروك» أخيرا تحول حلمك إلى حقيقة
عزيزي اللاجئ لا تيأس .. ليس لأن أغلب العظماء لاجئون كما أخبرونا، بل لأن اللجوء أمر وقع عليك وقدر مفروض لا يستدعي منك الحزن، فالحزن لن ينفعك بشيء، ولن يعيد لك ذكرياتك، أو وطنك المدمر والمسلوب، وكذلك فإن صب جام غضبك لن يُعيد أحلام الماضي.
وفي ظل الظروف المفروضة، على الإنسان أن يتكيف بأفضل الوسائل الممكنة، وينظر بعين مختلفة لهذا الأمر الواقع، ولنتمثل ذلك الآن، فمثلاً منذ متى وشبابنا في مختلف أصقاع المشرق العربي الكبير لا يفكر بالهجرة؟!
ومنذ متى لا يحلم كل شاب وشابة بمنحة عمل أو دراسة في الدول المتقدمة، خصوصاً بعدما اعترفنا وبصمنا بالعشرة أننا دول عالم ثالث منفصلون عن ذاك العالم المتقدم بقدر هائل يصل إلى مستوى عالم مغيب فاصل بيننا وبينهم.
الحقيقة أن الإنسان العربي دُمرت أحلامه، وانتهكت حريته على مدى سنين بعيدة، وليست حديثة العهد كما نعتقد، وما حدث اليوم ويحدث ليس سوى الحلقات الأخيرة من مسلسل درامي رتبه الغرب منذ زمن طويل، وتجرعه العرب بكل سلاسة، فربّوا أجيالاً فاقدة للثقة بالذات، ضائعة، ضالة، خائفة من كل شيء.
أذكر تماماً أنّ ذروة شبابنا تمحور في الجامعات وفي مراكز العمل في كيفية الخروج من هذا الوطن السحيق، والدخول إلى عوالم أخرى بعيدة عن التخلف والظلم واللانظام والمحسوبيات وعدم التقدير، وهو حق طبيعي تفرضه الطبيعة البشرية التواقة نحو الأفضل؛ لذا لم نجعل الآن من متاعب اللجوء والغربة والتأقلم مصيبة وأمراً غير ممكن ومستحيل أو نشعر بالظلم بلا أي مبرر أحياناً؟
وحتى أصحاب نظرية الأرض والعرض، والوطن والمواطن، واللجوء القسري المكروه، أسألهم: ألم يفكر أحدنا أننا في يومٍ ما سنمسي جميعاً لاجئين حتى وإن بقينا في أوطاننا بفضل السياسات الرشيدة التي تُدار بها بلادنا؟!
حتى نحن أصبحنا لا نهتم سوى بمصالحنا الشخصية الضيقة التي تربينا عليها في مجتمع لا يعي أصلاً في الوطنية والقومية سوى كلمات تستدعي العصبية والعنترية، في حين أن مضمونها لديه فارغ تماماً!
ربما هي فرصة حقيقية لصناعة إنسان جديد داخلك من إنسان مهدم ناقص في النمو الاجتماعي، ومن الطبيعي أن تكون بحاجة للمزيد من الجهد والمتاعب لتصحيح مسارك والتأقلم، كل ما حدث أن حلمك تحقق رغماً عنك، وبوتيرة أسرع بكثير مما تظن وبمسمى آخر، وهذا الأمر هو ما أربكك وجعلك تتباكى على الوطن وتفكر بعيوب اللجوء بمشاعر فائضة عن الحد الطبيعي، ونسيت أن الوطن قد كرهنا بما فينا منذ زمن.
خلاصة القول أن الكثير منا تمنى ما يحدث اليوم، لكن بالطبع ليس بالأسلوب الفظيع الذي طُرح، ومنح فرصة بناء ذات جديدة والهجرة إلى وطن جديد يحفظ كرامته ويشعره بآدميته وحريته وذاته بعيداً عن السياسيين الذين يتلاعبون بنا وباعونا بأرخص الأثمان، واشتروا منا الوطن والزمن، قد يكون ما حدث لنا منطلقاً لبناء جيل واعٍ واثق الخطى يصنع وطناً من ذاته، ويشكر الأرض التي احتضنت إبداعه أياً كانت، بعيداً عن الكبت والظلم والفشل.