احتفاليات اليوم العالمي للغة العربية في ألمانيا

موسى الزعيم
برلين
يصادف يوم 18 كانون الأول من كلّ عام، اليوم العالمي للغة العربية، وبهذه المناسبة أقامت مجموعة من الجمعيات والفعاليات الاجتماعية العربية في برلين احتفالها السنوي، تأكيداً على أهميّة اللغة العربية كلغةٍ جامعةٍ لكلّ العرب، إذ هي اللسان المبين الذي نزلتْ بهِ آيات الذّكر الحكيم ولغة الشعر الجاهلي الحافل بالقيم الأصيلة التي تغنّى بها العربي عبر التاريخ، بالإضافة إلى أنّ العربية، سادت في فترة تاريخية طويلة كلغة أساسيّة لنيل العلوم العالمية، فقد ألغت القوميات والإثنيات كوسيلة جامعة لطلاب العلوم من أقاصي شرق الأرض إلى مغاربها.
في الفترة المعاصرة ومع انتقال عددٍ كبيرٍ من العرب إلى العيش في ألمانيا، برزت الحاجة إلى تعليم اللغة العربية للأطفال الوافدين، وفق مناهج وطرق تختلف في شكلها ومضمونها عمّا هو مُتعارف عليه في البلدان الناطقة بالعربية، مما خلق تحدّيات كثيرة منها ما يتعلّق بالمدارس والمناهج وغيرها.
لذلك تأتي احتفالية اللغة العربية في كلّ عام، كمناسبة للوقوف على تلك القضايا، بالإضافة إلى القراءات الأدبية والتي من خلالها، يتفاعل الكتّاب والشعراء مع الحاضرين.
شارك في تنظيم فعاليّة هذا العام: المعهد الثقافي العربي في ألمانيا بالتشارك مع “مؤسسة الدليل للطباعة والنشر -المنظمة العراقيّة لحقوق الإنسان في ألمانيا- اتحاد المرأة العربية في ألمانيا – لمّة على الماشي – ومشروع فراشة لتعليم اللغة العربية”
في بداية الفعالية ألقى الدكتور نزار محمود كلمة، رحّب بها بالحضور وأكّد على أهميّة اللغة العربية
كلغة لها خصوصيتها وأهميتها في السيّاق العالمي المعاصر ومكانتها بين اللغات العالمية، كما تحدث عن التحديات التي تواجهها مع التقدّم العلمي وتطوّر الحياة الرقمية. والدكتور نزار ناشط ثقافي عراقي يحمل شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال وهو أستاذ جامعي و مدير مدرسةٍ لتعليم اللغة العربية في برلين ومؤسس المعهد الثقافي العربي.
بعد ذلك قدّم المربي “أبو نشوان” مقتطفات شعرية ونثرية، تبرز جمال اللغة ورونقها، إذ يمتاز أبو نشوان بإلقائه الجميل المعبر ونبرته الخطابية، ثم قرأ قصيدة محكيّة بمناسبة نيل الشعب السوري حريته وكرامته.






وللكاتب عدد من الكتب، تتناول جماليات اللغة العربية من خلال سياقها الاجتماعي مثل “أوراق الخريف ” قرأت لك ” علمتني الحياة”
أمّا في القصة القصيرة فقد قرأ القاص موسى الزعيم عدداً من نصوصه من مجموعاته القصصية المختلفة والتي تتحدث عن الحبّ وقيم الخير والذكريات الجميلة في أرض الوطن وقد صدر له أربع مجموعات قصصية آخرها قمر الليلة الثالثة، بالإضافة إلى دراسة” شخصية المرأة الألمانية في الرواية العربية باللغتين العربية والألمانية “
وحول هموم ومشكلات تعلّم اللغة العربية في ألمانيا، قدّم الباحث حمد ناصر محاضرة عن هموم ومشكلات تعلّم العربية في ألمانيا بين الواقع والطموح حيث تحدّث عن الصعوبات التي تواجه ذلك وخاصة فيما يتعلق
بإدخال العربية إلى المدارس الحكومية الألمانية كلغة ثانية، كما توقف عند التجربة الناجحة ” لمشروع فراشة لتعليم اللغة العربية للأطفال بالإضافة إلى تعزيز مواهبهم الفنيّة والموسيقية، والذي يشرف عليه الاختصاصي الاجتماعي خليل مصطفى .
بعد ذلك تحدّث عن مشروع تمكين الأب الذي يعمل مع الحكومة الألمانية لقناعته أنّ تمكين الأب، يعني النهوض بالأسرة ودعم مقدرتها على تجاوز المشكلات وبالتالي نجاح الأطفال.
حمد ناصر هو أخصائي علم اجتماع درس العلوم التربوية في جامعة برلين الحرة، أسس عام 2004 مركز ” مشروع الجيران ” Nachbarschaftsheim.
بعد ذلك ألقت الشاعرة والأديبة الفلسطينية فاطمة الطيّب قصيدة شعرية، تحدثت فيها عن المخيّم وعن ذكريات الألم والنزوح إبان الحرب في سوريا، والأديبة الطيب ناشطة ثقافية اجتماعية، شاركت في تأسيس اتحاد المرأة العربية في ألمانيا وتشرف على فعالياته الثقافية والاجتماعية.
كذلك من المشاركين الشاعرة والمسرحية المصريّة عزّة حسن، حيث قرأت بعض نصوصها باللغة العربية والألمانية بروح شاعرية مسرحية جميلة تفاعل معها الحضور. والشاعرة حسن تكتب الشعر والقصة القصيرة باللغتين العربية والألمانية. درست علوم اللسانيات، تعزف على البيانو والعود، وتغني في الأوبرا. هي مولعة بالرسم والمسرح.
ختام الشعر كان مع الشاعر العراقي فارس مطر، حيث ألقى عدداً من قصائده والتي تعدد فضاؤها الجمالي بين الحنين والغربة والحبّ وغيرها من الموضوعات الوجدانية
والشاعر فارس مطر من مواليد العراق، الموصل صدر له عدد من المجموعات الشعرية منها (سنبقى..)
و (الفرح المتأخر يغمرني) و “يقول النهر أنت ابني” وهي المجموعة الشعرية الأخيرة التي صدرت في بغداد 2024
كذلك كان من ضمن الفعاليّة، حوارات قصيرة أجريت مع ضيوف من غير الناطقين بالعربية أتقنوا اللغة العربية
وكان لكل واحدٍ منهم طريقته ودوافعه المختلفة لذلك، كان اللقاء معهم فرصة للحديث عن تجربتهم في هذا الشأن، حيث أدار الحاضرون معهم حوارت قصيرة، ووجهوا لهم بعض الأسئلة باللغة العربية.
مثل الأمريكي كارلن الذي تعلّم العربية في طرابلس لبنان بناء على نصيحة أستاذه في الجامعة، فهو يرى في تعلّم اللغة العربية فرصة للتواصل مع أصدقائه العرب مما يتيح له فهماً أفضل للمجتمع العربي.
والألمانية شيماء، التي ترى أنّ اللغة العربية تمتلك عدداً أكبر من المفردات مما يسهّل عليها التعبير عن حالتها النفسية والشعورية بشكل أفضل، كذلك تحبّ نطقَ اسمها بالعربية لما يحمله من دلالة ومعنى.
تخلّل الفقرات الأدبية وِقفات موسيقية على العود مع الفنان المبدع نوح، تناغمت تقاسيمه مع روح الأصالة الشرقية والكلمات العذبة التي تفاعل معها الحضور.
مدينة هالّة زالا Halle (Saale)
أقامت مجموعة شباب روح الكشّافة في مدينة هالّة زالا الألمانية مهرجاناً ثقافياً استمر ثلاثة أيام من 20.12 حتى 22.12.2024وذلك بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، مع برنامج حافل بالأنشطة والفعالية الثقافية والاجتماعية المتنوعة والغنية بكلّ ما هو مفيدٌ وجديدٌ، خاصة أنّ هذه المدينة تعيش فيها جالية عربية، تزيد عن 23 ألف عربي تقريباً.
شارك في هذه الفعاليّة عددٌ من الكتّاب والشعراء والفنانين والمسرحيين والموسيقيين العرب والألمان وعبر أنشطة متنوّعة للأطفال، بما يعزز محبّة اللغة العربية لديهم ويقربهم منها.
عمل على تنظيم هذا المهرجان فريق روح الكشافة بالتعاون مع برنامج الشجرة الطيّبة التعليمي وفريق GBS in side out ومبادرة أبجد للتعليم وبدعم من المؤسسة الألمانية ” Aallianz für Viel falt Friedenskreis
وفريق روح الكشافة هو مجموعة من الشباب المتطوعين من خلفيات مهاجرة ” سوريين وفلسطينيين” الذين خصّصوا جزءاً من وقتهم وإمكانياتهم وذلك من خلال مساعدة الشباب والأطفال القادمين حديثاً إلى ألمانيا حتى لا يقعوا في نفس الصعوبات التي واجهت مَن قبلهم، وكذلك من أجل رفع مستواهم التعليمي والتقني بحيث لا يكون هناك هوّة بينهم وبين أقرانهم الألمان في نفس المدرسة.
إذ يسعى الفريق دائماً لأن يكون جسراً بين الثقافتين العربية والألمانية، وقد سبق وأن أقام عدداً من الأنشطة التفاعلية والتكنولوجية و الثقافية، بالتشارك مع جمعيات وهيئات أخرى، كمّا يعزز فريق روح الكشّافة العمل الجماعي المنظم من خلال مشاركته في رحلات كشفية وإعادة التدوير وحماية البيئة والغابات.
كانت بداية اليوم الأول مع افتتاح معرض فنيّ للفنان السوري غزوان عسّاف الذي زارت لوحاته عدّة بلدان،






بعد ذلك قدّم عرضٍ مسرحيّ تفاعليّ بعنوان “من الصوت إلى الحضارة” تتحدّث المسرحية عن طرق نقل الحضارة ما قبل اللغة حتى وقتنا الحاضر
من كتابة وإخراج وتمثيل المبدعة كندة العامود ومشاركة زينة مشمش، بعد ذلك تمّ افتتاح معرض الكتاب الذي تُشارك فيه مكتبة النور. وبمشاركة ورشة الخطّ العربي للخطاط محمد خير خانم، ومشاركة الفنان حسين أحمد من بيت الفنّ في مدينة هالّة بالإضافة إلى وصلة فنية قدمتها فرقة السنونو الفنيّة.
فعاليات اليوم الثاني كانتْ حافلة بعددٍ من الأنشطة الثقافية والاجتماعية وخاصّة فيما يتعلّق بالقضايا التي تشغل الأسر العربية في ألمانيا فقد قدمت الاختصاصية الاجتماعية آلاء يعقوب آغا محاضرةً بعنوان “ثقافة الوطن الأم والبلد الأب”
كمّا تحدّث الباحث محمد عيّاش عن “أثر اللغة العربية في بناء الهوية” أمّا في أنشطة ما بعد الظهر، قدّمت الباحثة الاجتماعية والمبتكِرة عبير صالح ورشة عملٍ تفاعليّة ” كيف نقول لا ” دارت فيها حوارات ونقاشات حول المشكلات السلوكية للأطفال، حيث تشارك الآباء والأمهات في اقتراحاتهم في طرح المشكلات وطرق حلّها. كما قدم الباحث الدكتور فادي عمروش محاضرة رقميّة “حول التحوّل الرقمي من الفصاحة إلى هندسة الأوامر” من خلالها عزز الأفكار على أن اللغة العربية قادرة على دخول البرمجيات ومواكبتها التطور التقني.
بعد ذلك كانت منصّة الشعر والقصة حيث قرأ الشاعر العراقي فارس مطر القادم من برلين عدداً من قصائده الشعريّة وكذلك قرأ القاص موسى الزعيم مجموعة من القصص القصيرة ، كما شارك الشاعر الفلسطيني سعد الأبطح مع الفنانة رزان عفيفي والعازفة الألمانية (Cornelia Heß)في وصلة إبداعية امتزج فيها الشعر مع الغناء والموسيقا.
في المساء قدّم الفنان والكاتب المسرحي بدر زكريا القادم من فرنسا عرضاً مسرحيّاً ميلودراميّا بعنوان ” ضوءٌ في الموت” وهو واحد من نصوص مسرحية كتبها في سجن صيدنايا في سوريا خلال فترة اعتقاله في ثمانينيات القرن الماضي، من خلالها يعرض ما يدور داخل أروقة السجون والمعتقلات، أثناء العرض المسرحي امتلأت الصالة بالحضور، حتى أن بعضهم جلس على الأرض، ما يعكس شغفاً خفياً عند الكثير منّا لعودة المسرح العربي، ودوره الفاعل في تحريك وجدان العامة. ختمت فعاليات اليوم الثاني بسهرة موسيقية طربيّة لفرقة وتر.
بدأت فعاليات اليوم الثالث بمحاضرة عن الاستشراق وتاريخ اللغة العربية للباحث وائل عقلة وهو متخصص في قضايا الهجرة والتطرف مع الباحثة هبّة البصير التي تحدثت عن الآثار وطريقة الحفاظ عليها بالإضافة الى قضايا التنقيب الأثري.
من جهةٍ أخرى يبرز اهتمام القائمين على المهرجان من خلال تنوع الأنشطةِ الموجهة للطفل و التي تتحدث عن همومهم ومشكلاتهم وأحلامهم ومن هنا جاءت مسرحية “المرافق الخفي” التي قُدمت باللغة الألمانية وهي من تأليف الكاتب والمسرحي عبد الله القصير وفكرة وإخراج المبدعة أروى الغندور وتمثيل عددٍ من الأطفال من خلفيات مهاجرة ، في المسرحية شخصيّات واقعيّة وأخرى خياليّة مصاحبة للأطفال مثل الأجهزة الموجودة في محيط الطفل وهي شخصيّات ناطقة على المسرح، تتحدّث المسرحية عن قضيّة الملل عند الأطفال جاء العرض بالطريقة والأسلوب الذي يحبه الأطفال من خلال الدعابة والكوميديا مع الموسيقا والرقص.
ختام الفعالية كان في إعلان أسماء الفائزين بمسابقة القصّة القصيرة للشباب، التي أقيمت ضمن فعاليّات المهرجان
في ختام المهرجان أقيم سوق للمنتجات الحرفية المنزلية، عرضت فيه المنتوجات التي اشتغل عليها أصحابها في المنزل تأكيدا على دورهم وجهودهم وإبراز إبداعاتهم.
حققت فكرة المهرجان غايتها من خلال التفاعل الإيجابي بين الجالية العربية و المجتمع المحيط، كما خلقت الأنشطة جواً تفاعلياً مميزاً بين أبناء الجالية العربية خاصة وأن بعض الحضور جاء من مدن أخرى للمشاركة بهذه التظاهرة الثقافية. وما يعكس أيضاً دور واهتمام الشباب في حفاظهم على لغتهم وهويتهم الثقافية.
.