أوروبا و اللاجئون … عنصرية لا تنتهي
زياد الشامي
لم يكن وصف رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” هجرة المسلمين إلى أوروبا بالغزو مفاجئا في ظل تنامي العنصرية وتنمرها في دول القارة العجوز بعد أول اختبار جدي لحقيقة شعارات حماية حقوق الإنسان وغيرها التي ما فتأت ترفعها منذ عقود وتتبجح بها
أوربان المعروف بعنصريته وعدائه لللاجئين المسلمين على وجه الخصوص قالها بكل وضوح ودون أي مواربة : “لا نعتبر هؤلاء الناس كلاجئين مسلمين ولكن كغزاة مسلمين” !!!
وفي حوار مع صحيفة “بيلد” الألمانية أضاف أوربان : إنه للوصول من سورية إلى المجر لابد من عبور أربعة بلدان، فهؤلاء لا يركضون “من أجل حياتهم” وإنما “من أجل حياة أفضل” ! مشيرا إلى أن اللاجئين بدلا من طلب الدخول اجتازوا الحدود بشكل غير قانوني .
لم يكتف أوربان بالتصريحات المعادية للاجئين ورفض استقبالهم بل جسد ذلك بشكل فعلي بإقامة جدار على الحدود مع صربيا لمنع اللاجئين السوريين وغيرهم من المهاجرين المسلمين من دخول المجر الواقعة في شرق أوروبا والتي تعتبر بوابة للاتحاد الأوروبي .
تصريح رئيس حكومة المجر الأخير لم يكن الأول من نوعه الذي يكشف مدى ترسخ العنصرية ، فقد أكد الرجل في عدة مناسبات أن الديانة المسيحية تنحسر في دول الاتحاد الاوروبي التي تستقبل المهاجرين ودافع بشراسة عن الدول التي ترفض – على غرار بلاده – استقبالهم خوفا من حدوث تغير ديمغرافي حسب زعمه .
قوبلت تصريحات أوربان العنصرية بانتقادات من قبل دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي كما انتقده العديد من رجال الدين المسيحيين الذين أصروا على “التشبث بالقيم” التي تشدد على مساعدة المحتاجين وإيواء اللاجئين ، و وصف رئيس المفوضية الأوروبية “جان كلود يونكر” رئيس الوزراء المجري بـ”الديكتاتور” خلال القمة الأوروبية في ريغا عاصمة لاتفيا عام 2015 …….. إلا أن ذلك لا يعني خلو تلك الدول المنتقدة من العنصرية تجاه المسلمين ، ولا يعني غياب التوجس والهلع من ازدياد أعداد المسلمين في دول الاتحاد عموما و من المنتقدين أنفسهم .
وإذا كانت المجر قد كشفت عن عنصريتها تجاه اللاجئين المسلمين بشكل رسمي وعلني فإن تنمر العنصرية في بقية دول القارة العجوز قد ظهرت بشكل واضح رغم تصريحات المسؤولين الدبلوماسية الرافضة أو المنتقدة لها .
النمسا (محاربة الإسلام المتطرف)
يكفي أن نضرب مثالا على ذلك بما يجري في النمسا التي لجأ إليها عدد لا بأس به من المسلمين ، حيث أفرزت صناديق الانتخابات حكومة جديدة تعهدت بتشديد قواعد الهجرة واللجوء ومحاربة ما تطلق عليه “الإسلام المتطرف” !!!
إن صعود الأحزاب والتيارات المتطرفة المعادية للاجئين – والمسلمين منهم على وجه الخصوص – في دول القارة العجوز وبلوغهم مراكز صنع القرار عبر صناديق الاقتراع يشير بوضوح إلى التوجه الذي تسير إليه دول الاتحاد فيما يخص هذا الملف ويؤكد أن الأمر ليس مجرد موجة عنصرية عابرة أو تطرف حزبي محدود فحسب ، بل هو منهج جديد عام وسياسة واضحة المعالم تجاه المسلمين في تلك القارة .
لم يقتصر تنمر العنصرية الغربية على اللاجئين المسلمين الوافدين فحسب بل طال مواطنين مسلمين ولدوا ونشؤوا في دول المهجر الأمر الذي يؤكد أن المسألة تتجاوز حدود رفض اللاجئين الجدد إلى رفض وجود الإسلام كدين والمسلمين كمواطنين في تلك الدول .
الاعتداء على المسلمين جسديا وتكرار عمليات الدهس والقتل الجماعي ضدهم في أكثر من مدينة أوروبية ، والتهجم المتكرر على المسلمات المحجبات الذي وصل في كثير من الأحيان إلى حد القتل والاغتيال ، والإساءة لمشاعر المسلمين عبر رسم وكتابة العبارات العنصرية على أبواب وجدران دور عبادة المسلمين “المساجد” ، وتهديد المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي و وسمهم بالإرهاب والتطرف … باتت مادة إخبارية يومية ومعاناة متكررة يواجهها المسلمون في عموم دول القارة العجوز .
تشيكيا ( الهجرة تهدد ثقافة شعوب أوروبا)
حذر الرئيس التشيكي ميلوس زيمان من أن الاتحاد الأوروبي سيشهد تدفق 10 ملايين لاجىء من أفريقيا إذا لم يعزز الاتحاد حدوده الخارجية. وقال زيمان ـ وفق ما نقلته وكالة أنباء (صوفيا) البلغارية ـ “إذا لم تصل بالاتحاد الأوروبي الشجاعة إلى تعزيز حدوده الخارجية التي يتحدث عنها باستمرار ولكنه لا يفعل شيئا ، فسيكون لدينا 10 ملايين لاجىء من أفريقيا خلال السنوات القادمة”.
وأضاف أن الزيادة في عدد اللاجئين من الدول الاسلامية في أفريقيا والشرق الأوسط تهدد ثقافة شعوب أوروبا ، فثقافة هؤلاء اللاجئين لا تتفق مع الثقافة الأوروبية ، وهو ما يفهمه المهاجرون أنفسهم.
وقال زيمان “إن زيادة أعداد المسلمين في الدول الأوروبية أدت إلى زيادة كبيرة في الجريمة وزيادة في مستوى العنف في المجتمعات الإسلامية المنكفئة على نفسها”.
بولندا ( ليست مفتوحة للجميع)
جدّدت بولندا رفضها لاستقبال مهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا على أراضيها. رئيس الوزراء ماتيوش مورافيتسكي أكد أنّ قرار الرفض هذا تمّ تعزيزه من طرف حزب القانون والعدالة قبل الانتخابات التي شهدتها البلاد في العام 2015 حيث تمّ التأكيد أنه لا مكان للمهاجرين الوافدين من منطقتي الشرق الأوسط وشمال افريقيا على الأراضي البولندية.
وترفض بولندا منذ سنوات استقبال اللاجئين الفارين من الحروب وتردي الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا على أراضيها، كما ترفض منحهم “حق اللجوء” الذي يكفل لهم البقاء على الأراضي البولندية في انتظار تسوية وضعيتهم القانونية أو تحسّن الأوضاع في بلدانهم الأصلية.
وأكد وزير الخارجية البولندي أنّ المساعدات المالية الأوربية تقدّم للدول الضعيفة اقتصاديا لأنها تفتح أسواقها أمام الدول القوية اقتصاديا وأمام الدول الكبيرة في غرب أوربا. قال أيضا: “ليس من الضروري توطين اللاجئين رغما عن رغباتهم، الناس الذين يفرون من الحرب في سوريا أو من مناطق أخرى يفضلون التوجه إلى ألمانيا وبلجيكا وأستراليا والسويد، لأنهم في هذه البلدان يحصلون على دعم مادي أكبر”.
وأمام إصرار المفوضية الأوربية على معاقبة بولندا، تراجع موقف الحكومة البولندية من الرفض القاطع لاستقبال لاجئين إلى الحديث عن استقبال حسب رغبة الوافدين الجدد. وقد أبدت بولندا في هذا الصدد تفتحا على استقبال الأوكرانيين الذين فروا بسبب تدهور الوضع الأمني شرق أوكرانيا.