أوروبا لن تكون أبدا قوة دولية من الدرجة الأولى
.
فولفجانج مونشاو
العطل الذي أوشك أن يؤدي إلى تحطم طائرة أنجيلا ميركل أخيرا هو استعارة مناسبة لما تتجه إليه فكرتها الخاصة بتكوين جيش أوروبي.
كنا نعلم مسبقا أن جميع طائرات سلاح الجو الألماني تقريبا مهملة من الناحية الفنية، بعد سنوات من انخفاض الاستثمار فيها. ما لم نكن نعرفه حتى الآن هو أن طائرته الوحيدة الأكثر أهمية – الطائرة التي تحمل المستشارة الألمانية – هي أيضا بها عطل وغير جاهزة للإقلاع.
اضطرت ميركل إلى اللحاق برحلة لشركة إيبيريا كانت مقلعة من مدريد، للوصول إلى قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس. من غير المحتمل أن يحدث هذا لأي من دونالد ترمب، أو شى جينبينج، أو فلاديمير بوتين.
كان ينبغي لميركل أن تلقي خطابها الخاص بالجيش الأوروبي في البوندستاج “البرلمان الألماني”، وليس في البرلمان الأوروبي، وأن تركز على ما يجب على ألمانيا فعله، أولا: معالجة الانخفاض المزمن في الاستثمار في الجيش، والتردد التاريخي في إرسال قوات إلى مهام عسكرية تدعمها الحكومة.
على الرغم من عدم وجود جيش مشترك، إلا أن الاتحاد الأوروبي لديه أدوات جيوسياسية قوية. بدأت الجماعة الاقتصادية الأوروبية بسياسة تجارية خارجية مشتركة تم التوقيع عليها في عام 1957. وأنشأت معاهدة ماستريخت، بعد 35 سنة، أدوات لسياسة خارجية وأمنية مشتركة واتحاد نقدي. ومن بين تلك السياسات، من المحتمل أن تكون السياسة التجارية وسياسة اليورو أكثرها قوة.
ومع إطلاقه في عام 1999، أصبح اليورو على الفور ثاني أكبر عملة في العالم للاحتياطيات الحكومية، من أجل إصدار الفواتير والمعاملات المالية الدولية.
لكنه لم يقترب أبدا من منافسة الدولار الأمريكي. مركزه الثاني البعيد كان خيارا واعيا. على الدوام كان قادة الاتحاد الأوروبي أكثر اهتماما بالاستقرار الداخلي للاتحاد النقدي – الأسعار والاستقرار المالي – من الاستخدام المحتمل للعملة أداة للسياسة الخارجية.
في ذلك الوقت، كان حلف الناتو هو الذي يعتني بالإطار الأمني الخارجي لمعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي.
لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي أي شكوك أو تحفظات أخلاقية إزاء الاختلالات العالمية التي نشأت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. كانت الولايات المتحدة تمتص فائض المدخرات من البلدان حديثة العهد بالتصنيع، وفي وقت لاحق، من منطقة اليورو. وكان الاتحاد الأوروبي سعيدا بكونه مستفيدا بالمجان من الناحيتين العسكرية والاقتصادية.
حملة ترمب “أمريكا أولا” وقعت على أوروبا كالصاعقة. فقد ربط التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو تجاه أوروبا بالوفاء بوعودها المتعلقة بالإنفاق على الدفاع. وهو يستخدم البنية الأساسية للدفع بالدولار لإجبار الشركات الأوروبية على الامتثال للعقوبات الاقتصادية المتجددة ضد إيران. ويقوض النظام التجاري المتعدد الأطراف من خلال فرض رسوم جمركية على واردات الفولاذ والألمنيوم الأوروبية، وربما قريبا على السيارات الأوروبية.
ردا على ذلك، يحاول الاتحاد الأوروبي بناء أداة لغرض خاص لتمويل الشركات الأوروبية التي تعمل في إيران في تحد للعقوبات الأمريكية. لكن لا توجد أي دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تريد أن يكون مقر هذه الأداة الخاصة على أرضها، خوفا من إثارة غضب الرئيس الأمريكي. هذه ليست الطريقة التي يفترض أن يكون بها التمرد.
هذا يتناقض مع استجابة روسيا والصين الأكثر قوة. عندما أوقفت الحكومة الأمريكية بطاقات فيزا وماستركارد عن التعامل المالي في روسيا، طورت الحكومة الروسية نظام دفع بديل خارج نطاق الولاية القضائية الأمريكية. كذلك أنشأت روسيا نظاما بديلا للرسائل المالية المحلية.
كانت الفكرة هي تحقيق الاستقلال عن نظام “سويفت”، الذي يتخذ من بروكسل مقرا له، ويعمل بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، لكنه يخضع لتأثير الحكومة الأمريكية القوي.
الصين أيضا عاكفة على تطوير نظام دفع بين المصارف عابر للحدود، للسبب نفسه. الصين وروسيا تفهمان أكثر من الاتحاد الأوروبي أنهما بحاجة إلى الاستقلال عن البنية التحتية للدفع التي تعتمد على الدولار.
لماذا رد الاتحاد الأوروبي ضعيف، مقارنة بالآخرين؟
الجمع بين الاتحاد النقدي المعرض للأزمات، والتوسع لإدراج بلدان غير مستعدة سياسيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، سببان عميقان يفسران كون الاتحاد الأوروبي أصبح مهووسا بنفسه الآن.
لكن على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن قصة الاتحاد الأوروبي ليست قصة تفكك، بل هي قصة فرص ضائعة. كان للاتحاد الأوروبي نصيبه من النجاح. فقد كان له دور أساسي في التفاوض على الاتفاقية النووية الإيرانية، لكن ليس لديه القدرة على الحفاظ عليها بفاعلية الآن بعد أن انسحبت الولايات المتحدة. كما أظهر تلاحما بشأن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، لكنه لا يزال يعتمد على روسيا في إمدادات الطاقة. وتمكن من الحفاظ على الوحدة في مفاوضات خروج بريطانيا، لكن مشكلة خروج بريطانيا تعتبر أبسط مشكلاته.
الصورة الموازية لدور أوروبا الجيوسياسي المتضائل هي فقدانه القيادة التكنولوجية.
لا يزال يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد مراكز تصنيع السيارات العالمية. لكن الصين تفوقت عليه في صناعة السيارات الكهربائية، والولايات المتحدة تتفوق في البطاريات والذكاء الاصطناعي – وهي تكنولوجيات المستقبل.
أتوقع أن يركز الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على ما حققه، وأن يقنع بدوره قوة عالمية من الدرجة الثانية ويدير تدهوره الاقتصادي النسبي. وفي حال حالفنا الحظ، فقد تتمكن بروكسل من شراء طائرة احتياطية للقادة الذين تقطعت بهم السبل.