ألمانيا غير جاذبة للعمالة الأجنبية

عادل فهمي

تبحث شركة “إنفينيون” الألمانية المصنعة للشرائح الإلكترونية عن المواهب التي تحتاجها في مختلف دول العالم وصولاً حتى إلى غواتيمالا، لكن صعود اليمين المتطرف على أراضيها يجعل الانتقال إلى القوة الاقتصادية الأوروبية أمراً غير جذاب، وهو ما بدوره يضر بالقطاع.

وتخطط مجموعة تصنيع أشباه الموصلات لتأسيس مصنع جديد كلفته 5 مليارات يورو (5.4 مليارات دولار) شرق ألمانيا، وهي ليست وحدها في ذلك.

وتنوي شركة “إنتل” الأميركية لتصنيع الشرائح الإلكترونية وعبر دعم حكومي هائل، تأسيس معمل في مدينة ماغديبورغ، بينما ستؤسس “تي إس إم سي” التايوانية العملاقة مصنعاً في دريسدن.

ألمانيا على المحك

وعلى رغم كل ميزات ألمانيا من موقعها في قلب أوروبا ووصولاً إلى كونها مقراً جاهزاً للصناعات، إلا أن الحسابات السياسية تشكل عاملاً سلبياً مهماً.

أما في ساكسونيا، حيث يتركز أكبر عدد من شركات تصنيع الشرائح الإلكترونية في أوروبا، فتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يتقدم بـ 30 في المئة قبيل الانتخابات الأوروبية والإقليمية المرتقبة في وقت لاحق هذا العام.

وقال رئيس مجموعة الضغط الإقليمية “سيليكون ساكسونيا” فرانك بوزينبرغ إن نجاح “البديل من أجل ألمانيا” يحمل خطر “إعاقة إمكاناتنا المتعلقة بالنمو”.

وتفيد تقديرات المجموعة بأنه سيكون لدى مجموعات صناعة الشرائح الإلكترونية في ساكسونيا 25 ألف وظيفة يتعين عليها شغلها بحلول عام 2030، بينما سيتراجع عدد السكان في سن العمل بـ 300 ألف فرد.

وأفاد بوزينبرغ أن “هناك عدداً قليلاً جداً من الناس في المنطقة ونحتاج إلى الهجر”، لكن سياسات ’البديل من أجل ألمانيا‘ المناهضة للهجرة يمكن أن تدفع الموظفين المحتملين للابتعاد وتضر الصناعة”.

وحذر الرئيس التنفيذي لـ “إنفينيون” جوشين هانيبيك عبر منصة “لينكد إن” من أن “سياسة العزلة تهدد الازدهار”.

وفي الوقت الحالي فإن غالبية الإمكانات الصناعية لإنتاج أشباه الموصلات المستخدمة في كل شيء من المركبات الكهربائية إلى الهواتف الذكية موجودة في آسيا، لكن اضطراب سلاسل الإمداد وتفاقم التوتر الجيوسياسي في المنطقة دفع الولايات المتحدة وأوروبا نحو إعادة النظر في الاعتماد على الشرائح الإلكترونية المستوردة، وأثمر ذلك عن جهود منسقة لنقل الإمدادات لتكون أقرب جغرافياً، مما أدى إلى تدفق الاستثمارات إلى مناطق مثل ساكسونيا.

ويخشى حوالى 68 في المئة من المديرين الألمان من أن البلاد قد تصبح أقل جاذبية للعمال الأجانب في حال ازدادت هيمنة اليمين المتشدد، وفق استطلاع لـ “معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية”.

اليمين المتطرف يعرقل العمل

وأثار كشف هيئة “كوريكتيف” للتحقيقات في يناير (كانون الثاني) الماضي عن أن أعضاء “البديل من أجل ألمانيا” ناقشوا خطة ترحيل واسعة خلال اجتماع لليمين المتطرف موجة احتجاجات في ألمانيا، لكن الشركات تحذر منذ فترة طويلة قبل الجدل من أن “البديل من أجل ألمانيا” يشكل خطراً على الأعمال التجارية.

وقال رئيس “ينوبتيك” التي تنتج المكونات البصرية لصانعي الشرائح الإلكترونية ستيفان ترايغر لمجلة “شبيغل” إنه “إذا لم يعد القطاع قادراً على العثور على الأشخاص المناسبين فيمكن أن يكون للأمر تأثيراً ملاحظاً.”

وأفاد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك بأن نقص العمال المناسبين يعد التحدي الأكبر الذي يواجه الصناعة الألمانية، وستحتاج البلاد إلى ما مجموعه 5 ملايين عامل إضافي بحلول عام 2030 لتغطية النقص في جميع القطاعات، بحسب معهد الأبحاث الاقتصادية في كولونيا.

وفي مصنع “إنفينيون” الجديد في دريسدن الذي يتعين بأن يبدأ الإنتاج فيه عام 2026، تتوقع المجموعة بأن توظف 1000 عامل جديد.

وقال المدير المحلي لقسم الموارد البشرية توم جيير إن العمال الأجانب سيكونون “حجر الأساس” في الطريق نحو تحقيق هذا الهدف.

وتضم القوة العاملة للمجموعة في دريسدن التي تشرف على العمليات الصناعية عالية الأتمتة أشخاصاً يحملون عشرات الجنسيات المختلفة، ومن أجل العثور على موظفين محتملين جدد وجلبهم إلى ألمانيا فقد وقعت “إنفينيون” اتفاقات مع معاهد تدريب في غواتيمالا، وتنظم دورات لغة وتساعد في تأمين السكن للقادمين الجدد.

مشروع حزب البديل

يقوم مشروع حزب “البديل من أجل ألمانيا” على معاداة المهاجرين والأجانب والاتحاد الأوروبي والعداء لليهود، فالحزب اليميني المتطرف دعا ألمانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي فيما سمى “ديكست”.

والشهر الماضي، ذكرت الزعيمة المشاركة للحزب أليس فايدل، أن “البديل” سيعمل على تنظيم استفتاء على عضوية ألمانيا في الاتحاد الأوروبي في حال وصوله إلى السلطة، إذ يسعى الحزب إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي والحد من سلطة المفوضية الأوروبية.

وأوضحت فايدل في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن حزب “البديل” يسعى إلى “إصلاح” الاتحاد الأوروبي والحد من سلطة المفوضية الأوروبية، ولكن “إذا لم يكن مثل هذا الإصلاح ممكناً، وإذا لم نتمكن من استعادة سيادة الدول الأعضاء في الاتحاد، فالقرار سيمنح للمواطنين وعليهم أن يقرروا، مثلما حدث مع المملكة المتحدة”.

لكن على رغم حملة التوظيف واسعة النطاق إلا أن “العثور على متدربين في سوق تشهد تنافسية عالية أمر يشكل تحدياً”.