أوهام إسرائيل تتبدد

 

أحمد الجمال

كُشِفَت السبت 10 فبراير/شباط 2018، حقيقة وهمين من الأوهام الإسرائيلية؛ إذ كان هذا اليوم يوماً ساخناً وحافلاً بالأحداث عندما شقَّت الجموع المتنازعة في سوريا طريقها إلى شمال قرية نيتو الزراعية بالقرب من منطقة الجليل، وهي مساحةٌ مُكوَّنة من تلالٍ وأوديةٍ خضراء، تحوَّلت حالياً إلى ما يشبه رقعةً من نقوش الزهور البرية، التي تُحلِّق في سمائها الصقور وطيور الكركي.

 

كانت الخديعة الأولى التي انهارت السبت، هي أنَّ إسرائيل ستكون -على المدى البعيد- قادرةً على أن تظل دون مساسٍ من الحرب الأهلية السورية، المستمرة في تمزيق جارتها الشمالية.

وكان الوهم المُدمِّر الثاني، الذي انكشفت حقيقته أيضاً السبت، هو الأمل الذي أشاعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باعتباره حقيقةً؛ ذلك أنَّ الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب ستظل أكثر حليف يمكن الوثوق به، وفق تقرير موقع The Daily Beast.

ظل الرئيس ترامب صامتاً بعد 12 ساعة من انخراط كل من إيران وإسرائيل في أول مواجهةٍ عسكرية فعلية في تاريخهما المُضطرب، والتي انتهت بإسقاط طائرةٍ إسرائيلية من طراز “إف-16”.

وانتهى صمت عطلة نهاية الأسبوع الإسرائيلية في 4:15 صباحاً، مع سماع دوي صافرات الغارات الجوية في قرى مدينة بيسان الزراعية جنوب الجليل؛ وذلك بسبب طائرة استطلاعٍ إيرانية من دون طيَّار انطلقت من سوريا وحلَّقت في المجال الجوي الإسرائيلي بهدفٍ واضح؛ وهو جمع معلوماتٍ استخباراتية.

وقال الكولونيل جوناثان كونريكوس، المُتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، متهكماً في محادثةٍ مع الصحفيين: “أياً كان الذي أرسلها، يبدو أنَّه اعتقد أننا لن نكون متيقِّظين في أيام السبت”، وذلك في إشارةٍ إلى يوم السبت اليهودي.

 

حرب بالوكالة

ووفقاً للجيش الإسرائيلي، جرى تعقُّب الطائرة من نقطة انطلاقها في سوريا وسُمِحَ لها بالتحلِّيق فوق الأراضي الإسرائيلية مدة 90 ثانية قبل إسقاط مروحيات الأباتشي لها.

وردَّت إسرائيل على الهجوم بإرسال 4 مقاتلاتٍ حربية لدكِّ موقع التحكم في طائرات الاستطلاع الإيرانية بسوريا. وفي ردٍّ على هذه الخطوة، أطلقت المنصات السورية المضادة للطائرات وابلاً من الصواريخ على الطائرات الإسرائيلية.

وتسببَّت شظايا أحد الصواريخ في قفز طياري طائرة “إف-16″ أميركية الصنع على قرية هردوف، وهي قرية شمال إسرائيل، في حين تحطَّمت الطائرة بحديقة المدرسة الثانوية بالقرية، والتي كانت لحسن الحظ فارغةً خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وردَّت إسرائيل، التي لم تخض قتالاً مع القوات السورية منذ 1982 في ذروة الحرب اللبنانية، على الهجوم الثاني الذي وقع في اليوم نفسه على أراضيها، بـ”عمليةٍ واسعة النطاق” استهدفت 12 موقعاً عسكرياً سوريّاً وإيرانياً.

 

صافرات الإنذار مجدداً.

تماماً على غرار ذلك، قبل أن يصبح اليوم حافلاً بالأحداث، بدا أنَّ الهدوء الرائع الذي يُخيم على المنطقة وعقود الدبلوماسية التاريخية في طريقهما إلى الزوال مثلما حدث مع “خط ماجينو” الدفاعي، الذي فشل في حماية فرنسا من الغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية.

وتتمدَّد حالياً ظلال حرب الوكالة واسعة النطاق في سوريا، وقد بدأ الظلام يُخيِّم على الأجواء إلى حدٍ كبير، عندما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد ظهر ذلك اليوم، السبت 10 فبراير/شباط 2018، أنَّ إحدى مروحيات الجيش التركي أُسقِطت فوق الأراضي السورية في حين كانت تقوم بمهمةٍ ضد القوات الكردية المدعومة أميركياً.

 

آلية تنسيق الأعمال العسكرية انهارت

وكانت هناك ضحيةٌ أخرى لهذا اليوم وهي “آلية تنسيق الأعمال العسكرية” التي اتفق عليها نتنياهو بحذرٍ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب The Daily Beast.

إذ قال نتنياهو بينما كان يقف إلى جانب الرئيس الروسي، في زيارته إلى موسكو في 30 يناير/كانون الثاني الماضي: “أعتقد أنَّ أهم شيء، هو التأكُّد من أننا نفهم بعضنا البعض وألَّا نُسقط طائرات بعضنا البعض. وقد قرَّرنا القيام بما جاء في اتفاقية التنسيق، ما يعني عدم إطلاق النار على بعضنا البعض. وأسَّسَنا آليةً للقيام بذلك، وهذه الآلية هي آليةٌ آمنة”.

وقد أصدرت وزارة الخارجية الروسية، السبت 10 فبراير/شباط 2018، بياناً قد يكون أشبه بدرسٍ من دروس ازدواجية الدبلوماسية؛ إذ لم يكن يُمثِّل دعماً صريحاً للرئيس السوري بشار الأسد.

وقالت الوزارة: “نحث جميع الأطراف المعنيَّة على ضبط النفس، وتجنُّب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تردِّي الوضع. ونعتبر من الضرورة الاحترام الكامل لسيادة وسلامة أراضي سوريا وغيرها من دول المنطقة”.

 

وقال تسفي برئيل، المُحلل العسكري لدى صحيفة هآرتس الإسرائيلية: “يمكن الكشف عن التصدُّعات المُتنامية في الافتراض العملي بأنَّ روسيا تسيطر على كل التحرُّكات العسكرية والدبلوماسية في سوريا”. وأضاف: “لم تكن روسيا قادرةً على منع تركيا من غزو شمال سوريا، وفشلت في تحويل مؤتمر سوتشي نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2018 إلى خطوةٍ مهمة نحو التوصُّل إلى وقفٍ شامل لإطلاق النار والتفاوض بعد ذلك على تأسيس حكومةٍ انتقالية، ولم تتعامل أيضاً مع انتشار القوات المدعومة إيرانياً في جنوب سوريا، بطريقةٍ قد تخفِّف المخاوف الإسرائيلية”.

وباختصارٍ، يتساءل بارئيل ضمنياً، عن الطرف الذي يمكن لإسرائيل الاعتماد عليه.

 

ففي الوقت نفسه، أمضى الرئيس ترامب ذلك اليوم في نشر مجموعةٍ من التغريدات، يتحسَّر فيها على قلة “الإجراءات القانونية” ضد المتهمين بالاعتداء على النساء، وكذلك مهاجمة الحزب الديمقراطي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة العدل، وجيمس كومي.

 

البيت الأبيض يمر بأزمة

وقال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دان شابيرو، لموقع ذا دايلي بيست الأميركي: “يُعدُّ ذلك مؤشراً على أنَّ البيت الأبيض يمر بأزمة”.

وأضاف: “من الواضح أنَّ الرئيس ترامب مُشتَّتٌ بفعل التحقيقات الروسية وسقوط أفراد من موظفي البيت الأبيض. وقد هُمِّشَت وزارة الخارجية بشكلٍ عام من المباحثات مع إسرائيل؛ إذ يُدير العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في ظل إدارة ترامب 3 أو 4 أشخاص بشكلٍ عام، الأمر الذي لا يُعدُّ وسيلةً صالحةً في إدارة الأزمات الحقيقية التي تتطلب استجاباتٍ منسقة في المجالات السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية.

ويختتم شابيرو، الذي يعمل حالياً زميلاً زائراً في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بتل أبيب، بالقول إنَّ “هذه هي النقطة التي تضرب فيها فوضى الإدارة الأميركية المصالح الأميركية في الخارج وكذلك مصالح الحلفاء الرئيسين بقوة”.

 

ومع نهاية ذلك اليوم، عاد نتنياهو إلى المواضيع المفضلة؛ إذ قال للإسرائيليين إنَّه أخبر بوتين بقوةٍ، بأنَّ “سياستنا واضحة. وأنَّ إسرائيل ستدافع عن نفسها ضد أي عدوان وأي محاولةٍ لانتهاك سيادتها”.

ووفقاً لمصادر حكومية إسرائيلية، ردَّ بوتين بابتذال، قائلاً: “يجب تجنُّب التحرُّكات التي قد تؤدي إلى تصعيد العنف في المنطقة”.

وأضاف نتنياهو للإسرائيليين أنَّه تحدَّث أيضاً إلى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أثناء زيارته إلى مصر والكويت والأردن ولبنان وتركيا، عضو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي أعلنت الحرب تقريباً على الميليشيات الكردية، الممولة والمسلحة أميركياً في سوريا، والتي ليس لها هدفٌ واضح من وراء ذلك.

وعلَّق شابيرو على ذلك بالقول يمكن أن تكون هذه الجولة “فرصةً للقيام ببعض رسائل التنسيق مع إسرائيل. فحتى الآن، يبدو أنَّ أميركا غائبةٌ عن أرض الملعب، الأمر الذي لا يخدم مصالحها أو مصالح أقرب حليف إقليمي لها، وهو إسرائيل”.

 

وفي وقتٍ متأخر من ذلك اليوم، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بياناً غير متحيِّزٍ بشكلٍ غريب، تُطمئن فيه العالم بأنَّ الولايات المتحدة لن تشارك في التحرُّكات العسكرية الإسرائيلية بسوريا، في حين “تؤيد حق إسرائيل المتأصل تأييداً كاملاً في الدفاع عن نفسها ضد أي تهديدات لأراضيها وشعبها”.

ودون الخوض في تفاصيل، أعرب البنتاغون عن أمله في وجود “عزمٍ دولي أكبر لمواجهة النشاطات الإيرانية الخبيثة”.

وقالت وزارة الخارجية في بيانٍ لها، إنَّ “الولايات المتحدة تشعر بقلقٍ عميقٍ إزاء تصعيد العنف اليوم على الحدود الإسرائيلية، وإنَّها تدعم بقوةٍ حق إسرائيل السيادي في الدفاع عن نفسها”.

 

الولايات المتحدة مستمرةٌ في التصدِّي لمجمل النشاطات الإيرانية

وأضاف البيان أنَّ “الولايات المتحدة مستمرةٌ في التصدِّي لمجمل النشاطات الإيرانية الخبيثة في المنطقة، وتدعو إلى وقف السلوك الإيراني المُهدد للسلام والاستقرار”.

وقال القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون بينكاس، لتلخيص ما حدث بهذا اليوم في مقابلةٍ: “لم تعد الولايات المتحدة شرطة الطوارئ المسؤولة عن المنطقة”. وأضاف: “كفى”.

وقال بينكاس إنَّ الولايات المتحدة تقوم حالياً بفك ارتباطها بالمنطقة. وأضاف: “لقد بدأ الرئيس السابق أوباما هذه السياسة، ويواصلها ترامب بشكلٍ أساسي، لكن بإيقاع مختلف. وكان ذلك جلياً في التعامل مع مصر وليبيا والحرب الأهلية السورية، واليمن؛ لذا لا يجب النظر إلى ما يحدث بأنَّه مفاجئ، ولا ينبغي لأحد أن ينتحب على فك الارتباط الأميركي بالمنطقة”.

 

إسرائيل وحدها لا يمكنها إيقاف إيران بسوريا

وصرَّح غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بأنَّ إيران لا تريد أن يذهب استثمارها في إنقاذ الرئيس بشار الأسد هباءً وتضطر إلى إعادة قواتها لأراضيها، مضيفاً: “إذا عادت إيران إلى قواعدها، فسيتحقَّق بذلك للأسد ما أراد وكذلك الروس، لكن ماذا عن الإيرانيين أنفسهم؟”.

وقال آيلاند إنَّ إسرائيل تمكَّنت من منع الدول المجاورة من بناء منشآت نووية، لكنَّها لم تحاول قط إيقاف أحد من بناء قوى تقليدية. ويُستبعَد أن تنجح في ذلك، بمفردها، حتى وإن استطاعت إبطاء الجهود الإيرانية. وأضاف قائلاً إنَّ ما يمكن لإسرائيل عمله هو معاقبة حكومة الأسد على تعاظم إيران.

وتابع: “دمَّرنا بعض الأهداف السورية، وهو ما من شأنه خلق بعض التوترات بين بشار الأسد والإيرانيين، فالأسد غير مهتم بالوجود الإيراني بالبلاد، هو فقط لا يستطيع رفضه. لكن إن دفع هو ونظامه ثمناً أكبر، فقد يطلب من إيران أن تتوقف، أو يركن إلى الروس لطلب المساعدة”.

وقال آيلاند إنَّه في ظل سعي إدارة الرئيس ترامب لإعادة فتح مسألة الاتفاق النووي مع إيران، قد تحاول إسرائيل تضمين مخاوفها الأمنية ضمن مجموعة من القضايا التي يُتفاوض عليها من جديد.

وأضاف: “يرغب الأميركيون والأوروبيون في منع الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى من الوصول إلى أوروبا. لكن من وجهة نظر إسرائيل، تمتلك إيران بالفعل صواريخ يمكنها أن تغطي إسرائيل بأكملها؛ لذا يُعَد ذلك أقل أهمية من الوجود الإيراني في سوريا”.