تقديم د. أمير حمد
سلط أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا بنيويورك، جوزيف مسعد، الضوء على أسباب تضامن الغرب مع إسرائيل في التصعيد الأخير بالأراضي الفلسطينية، رغم توسع الدولة العبرية في الاستيطان المخالف للقانون الدولي، ورغم عدم اعتراف أغلب دول الغرب نفسها بهذا الاستيطان، مشيرا إلى تحريك الولايات المتحدة حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد”، الأكثر تقدما في الترسانة الأمريكية، إلى جانب طاقمها البحري المكون من 5000 فرد، إلى الأراضي الفلسطينية.
وذكر مسعد، في تحليل نشره بموقع “ميدل إيست آي”، أن الولايات المتحدة سترسل أيضًا السفينة “يو إس إس نورماندي”، وهي طراد صاروخي موجه مسلح بمدافع بحرية، ومدمرات: “يو إس إس توماس هودنر”، و”يو إس إس راماج”، و”يو إس إس كارني”، و”يو إس إس روزفلت”.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة من طراز F-35، وهي الطائرة المقاتلة الأكثر تطوراً في العالم، بالإضافة إلى أسراب الطائرات المقاتلة من طراز F-15 وF-16 وA-10 في المنطقة.
ورغم أن هذا قد لا يكون أكثر من استعراض للقوة، إلا أنه إذا اختارت الولايات المتحدة استخدام قاذفاتها ضد الفلسطينيين، فمن غير المرجح أن تعترض الأنظمة العربية على ذلك.
الدفاع عن المستعمرين
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إرسال سفن أمريكية أو أوروبية لحماية المستعمرين في فلسطين. ففي عام 1854، قامت مجموعة من المتعصبين البروتستانت الأمريكيين البيض الذين عرفوا باسم “ديكسون” بتأسيس “مستعمرة الإرسالية الأمريكية” في يافا، وقاومهم السكان الأصليون الفلسطينيون الذين هاجموا مستعمرتهم عام 1858، ما أسفر عن مقتل عدد منهم.
ويضيف مسعد أن الولايات المتحدة أرسلت الفرقاطة البخارية، يو إس إس واباش، التي رفعت علمها الأمريكي إلى شواطئ فلسطين لمطالبة العثمانيين بمحاكمة القتلة. اتخذ الألمان إجراءً مماثلاً بعد عقدين من الزمن دفاعًا عن المستعمرين البروتستانت المتعصبين.
ورداً على الطلبات الإسرائيلية للحصول على دعم عسكري خلال حرب 1973، نفذت الولايات المتحدة ما اعتبر أكبر عملية نقل للأسلحة في تاريخها.
وخلال الحرب العثمانية الروسية (1877-1878)، وصلت السفن الحربية الألمانية إلى شواطئ فلسطين للدفاع عن المستعمرين الدينيين الألمان، المعروفين باسم “فرسان المعبد”، في حالة تعرضهم لهجوم.
وفي هذه العملية، أجبر القنصل الألماني العثمانيين على الاعتراف بمستعمرات فرسان الهيكل، وهو ما كانوا قد رفضوا القيام به حتى ذلك الحين.
وفي الواقع، كان فرسان الهيكل يأملون في تحويل فلسطين إلى دولة مسيحية بروتستانتية، متوقعين منحها لألمانيا في نهاية الحرب، ومع ذلك، فإنهم شعروا لاحقا بخيبة أمل كبيرة.
فبعد 3 عقود، خلال انتفاضة الأتراك الشباب عام 1908 في القسطنطينية، هاجم الفلاحون الفلسطينيون المستعمرات الألمانية، ليرسل الألمان مرة أخرى سفينة حربية إلى حيفا للدفاع عن المستعمرين في حالة حدوث المزيد من الهجمات.
وثائق كاشفة
وقبل بضعة أسابيع، وتحسباً للذكرى الخمسين لتأسيسها، أصدرت إسرائيل العديد من الوثائق السرية المتبقية حول حربها عام 1973 مع مصر وسوريا، اللتين شنتا غزوات مفاجئة لشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، على التوالي، لتحريرهما من السيطرة الإسرائيلية.
وكشفت آلاف السجلات عن مداولات حكومية، ومشاورات عسكرية سياسية، واجتماعات لجان الكنيست، ومراسلات مع حكومات أجنبية حول إدارة الحرب.
واستجابة للطلبات الإسرائيلية للحصول على الدعم العسكري، نفذت الولايات المتحدة ما اعتبر أكبر عملية نقل للأسلحة في تاريخها.
وكشف هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي في ذلك الوقت، عن تفكير الإدارة الأمريكية آنذاك في مقابلة حديثة مع صحيفة جيروزاليم بوست، قائلا: “لقد عقدنا العزم منذ البداية على منع النصر العربي”، مضيفا: “كنا مقتنعين تماما، منذ اللحظة الأولى، بأننا سنعيد الوضع الراهن”.
وأكد كيسنجر: “لقد بنينا مناقشاتنا المبكرة حول الحرب على حقيقة أن التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل، وعندما لم يتحقق ذلك، أصبح من الضروري الاستجابة للطلبات الإسرائيلية المحمومة لإعادة الإمداد العسكري”.
وأضاف: “كانت هناك مشكلتان منفصلتان، المعركة المباشرة، والمعركة طويلة الأمد. في المعركة المباشرة كان على إسرائيل أن توقف تقدم العدو وتبدأ بالهجوم قبل أن يحدث تدخل دبلوماسي أمريكي ذي معنى، وقد حثثتهم على ذلك لبدء هجوم على بعض الجبهات، وقلنا إننا لن نتحرك دبلوماسياً إلا بعد نجاح ذلك”.
وأرسلت الولايات المتحدة آنذاك حاملة الطائرات، فرانكلين ديلانو روزفلت، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط للانضمام إلى حاملة الطائرات الأمريكية، إندبندنس، التي كانت متمركزة هناك بالفعل.
كما صدرت أوامر لحاملة الطائرات الأمريكية، جون إف كينيدي، بالانضمام حاملات الطائرات الأخرى، وتم تعزيزها من خلال الجسر الجوي الأمريكي الضخم للمعدات العسكرية، إلى جانب نصيحة كيسنجر للإسرائيليين حول كيفية مواصلة المعارك والتأكيدات على الدعم الدبلوماسي الأمريكي.
وتم دعم هذه الجهود من قبل وسائل الإعلام الأمريكية شديدة العنصرية والمعادية للعرب والمؤيدة لإسرائيل، والتي نشرت بقوة رواية الضحية الإسرائيلية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وكانت الدعاية تقول إن مصر وسوريا غزتا إسرائيل نفسها، في حين أنهما في الواقع غزتا الأراضي المصرية والسورية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
التعاطف العنصري
وهنا يشير مسعد إلى أن الأمريكيين يأملون في أن يتمكنوا من تكرار ما حدث في عام 1973، مضيفا: “الحقيقة أن وسائل الإعلام الأمريكية، التي دافعت عن الدعم القوي لنظام الفصل العنصري، كانت واضحة بلا خجل منذ اللحظة التي انتقمت فيها المقاومة الفلسطينية من إسرائيل”.
ويرى مسعد أن شبكات التلفزة الأمريكية يسيطر عليها نفاقها المعتاد وتعاطفها العنصري مع ضحايا الحرب اليهود الإسرائيليين بينما تظل صامتة على الضحايا الفلسطينيين.
ومثل كيسنجر، تعهد وزير الخارجية الأمريكي الحالي، أنتوني بلينكن، في اليوم الأول من الحرب “بتعزيز أمن إسرائيل”، وشدد كذلك على “دعم الولايات المتحدة الثابت لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
ويضيف مسعد أن هذه الحملة المناهضة للفلسطينيين في الغرب، والتي تشمل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، تسير على قدم وساق الآن كما كانت منذ عام 1948، وتظل ملتزمة بنفس القدر بدعم المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية وهزيمة الفلسطينيين الأصليين المناهضين للاستعمار، بغض النظر عما سيحدث.
فقد أعلن الألمان لزعماء إسرائيل العنصريين اليهود أن برلين “إلى جانبكم”، ورددت فرنسا نفس المشاعر مؤكدة أنها “تقف إلى جانب إسرائيل والإسرائيليين”، في حين أعلنت بريطانيا أن المملكة المتحدة “تدعم إسرائيل”.
ويرى مسعد أنه ليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه البلدان إما مستعمرات استيطانية في حد ذاتها، مثل الولايات المتحدة، أو دول أنشأت مستعمرات استيطانية للعنصريين البيض في دول أخرى مثل ناميبيا، وروديسيا، وجنوب أفريقيا، والجزائر، وتونس، وكينيا، على سبيل المثال لا الحصر.
وبما أن إسرائيل هي آخر مستعمرة استيطانية لا تزال تحكمها القوانين والمؤسسات العنصرية، فإن الغرب ينظر إلى بقائها على أنه الموقف الأخير لأوروبا والولايات المتحدة الداعم للعنصرية، بحسب مسعد.
وفي حين أن التدخل العسكري الغربي المباشر المحتمل والمشاركة في الحرب لدعم إسرائيل قد يكون مجرد خطابات بلاغية ولأغراض دعائية، إلا أن المشاعر العنصرية التي تقف خلفها حقيقية تمامًا.
لكن مسعد يرى أنه “إذا أظهرت الأيام القليلة الماضية أي شيء، فهو أن سعي الفلسطينيين إلى الحرية ومقاومتهم للقمع الاستعماري لا يمكن وقفهما”.
.