وقفة على أطلال العروبة

الدليل ـ برلين

تحتفل الجامعة العربية في الثاني والعشرين من مارس بالذكري السادسة والسبعين ، وهي أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وأول كيان يجسد فكرة الوحدة العربية، التي اجتمع عليها الرأي العام العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

تبلورت الفكرة  عام 1944 حينما دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس في 12 يوليو 1944 كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية  اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة “إقامة جامعة عربية  لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها” ، وأثنى على الفكرة حاكم الأردن في ذلك الوقت الأمير عبد الله.

كان هناك اتجاهان برزا في المشاورات الثنائية بشأن موضوع الوحدة، والتي دارت بين مصر من جانب وممثلي كل من العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخر ..

دعا الاتجاه الأول إلى وحدة إقليمية فرعية قوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب ، فيما دعا الاتجاه الثاني إلى وحدة شاملة تضم الدول العربية المستقلة.

حسمت اجتماعات اللجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن في الفترة 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944 الموقف لصالح الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة.

اختير لهذا الكيان اسم ” جامعة الدول العربية” وهو الاقرب لما اقترحته مصر ” الجامعة العربية” وجاء متوافقا مع أهداف الدول العربية، وكانت سوريا قد اقترحت اسم “التحالف العربي” أما العراق أرادت الاسم “الاتحاد العربي” .

تألفت جامعة الدول العربية في أول نشأتها  من سبع دول عربية كانت تتمتع بالاستقلال السياسى وقتذاك، هى: مصر- سوريا – شرق الأردن – لبنان – العراق –  اليمن – المملكة العربية السعودية.

هل نحن كذلك ؟

في هذه المناسبة أيضاً صدر كتاب «العرب من وجهة نظر يابانية»، للمستشرق الياباني نوبواكي نوتوهارا، ليلقي الضوء على شخصية الإنسان العربي، والكتاب يتسم بالأهمية الشديدة في الوقت الراهن، نظراً إلى الأحداث التي نعيشها والتغييرات الجذرية التي تشهدها البنية السياسية لبلادنا.

ويعد الكتاب بمثابة مرآة ضخمة للمجتمع العربي، فقد سعى الكاتب إلى تشييدها لنرى بها أنفسنا ونتأمل عيوبنا ونقاط ضعفنا، فالأمة أو الشخصية أو الهيئة الاجتماعية التي لا تقبل النقد تتهاوى، وتتدنى يوماً بعد يوم حتى تصل إلى الحضيض، على حد وصف مؤلف الكتاب.

وقدَّم المؤلف، بعد أن تعرف على العالم العربي منذ العام 1974، وزار العديد من بلدانه وأقام فيها لفترات انطباعاته المحايدة عن هذا العالم، ومن اللافت أن أول ما يقوله عن عالمنا العربي: «إن الناس في شوارع المدن العربية غير سعداء، ويعبر صمتهم عن صرخة تخبر عن نفسها بوضوح، وهو يعزو هذا الشعور إلى غياب العدالة الاجتماعية، لأنها أول ما يقفز إلى النظر»، وهذا ما يؤدي في نظره إلى الفوضى، كما أنه يلاحظ كثرة استعمال العرب لكلمة «ديموقراطية»، وهذا لا يعبر سوى عن شيء واحد، عكسها تماماً، ألا وهو القمع، ولهذا القمع أوجه عدة منها: منع الكتب، غياب حرية الرأي وحرية الكلام وتفشي ظاهرة سجناء الرأي.

ويشير نوتوهارا، كمراقب أجنبي، إلى أن العالم العربي ينشغل بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد، لذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، ويغيب مفهوم المواطن الفرد وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد.

وعندما تغيب استقلالية الفرد وقيمته كإنسان يغيب أيضاً الوعي بالمسئولية عن الممتلكات العامـة، مثل الحدائق أو الشـوارع أو مناهل المياه ووسـائل النقل الحكوميـة والغابات (باختصار كل ما هو عام)، والتي تتعرض للنهب والتحطيم عند كل مناسـبـة، ويجد نوتوهارا أن الناس هنا لا يكترثون أو يشعرون بأي مسئولية تجاه السجناء السياسيين، الأفراد الشجعان الذين ضحوا من أجل الشعب، ويتصرفون مع قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية، وعلى أسرة السجين وحدها أن تواجه أعباءها، وفي هذا برأيه أخطر مظاهر عدم الشعور بالمسئولية.

إن الناس في العالم العربي «يعيشون فقط» بسبب خيبة آمالهم وبسبب الإحساس باللاجدوى أو اليأس الكامل، وعدم الإيمان بفائدة أي عمل سياسي.

ومن الأمور التي لفتت نظر المؤلف الياباني في مجتمعاتنا، شيوع القمامة في الشوارع، مع أننا نعد أنفسنا من أنظف شعوب العالم، ولقد دهش نوتوهارا مرة عندما زار منزل صديق له في منطقة تُعاني من سوء نظافة شديد كيف أن الشقة كانت كأنها تنتمي إلى عالم آخر.

وفي سياق حديثه عن العالم العربي، تطرق المؤلف إلى الكاتب المصري يوسف إدريس، الذي تعرف على المجتمع الياباني، وكان يتساءل دائماً عن سر نهضة اليابان وتحولها من بلد صغير معزول إلى قوة صناعية واقتصادية، إلى أن حدث مرة أن راقب عاملاً فيما هو عائد إلى فندقه في منتصف الليل يعمل وحيداً، وعندما راقبه وجده يعمل بجد ومثابرة من دون مراقبة من أحد وكأنه يعمل على شيء يملكه هو نفسه، عندئذ عرف سر نهضة اليابان، إنه الشعور بالمسئولية النابعة من الداخل من دون رقابة ولا قسر، إنه الضمير سواء أكان مصدره دينياً أو أخلاقياً.

.