هل يُعاني المسلمون من الاضطهاد في أوروبا؟

الدليل ـ برلين

يوجد أكثر من 22 مليون مسلم موزعين في 28 دولة في الاتحاد الأوروبي. وقد سجلت نسبة المسلمين من السكان في جميع أنحاء أوروبا في الفترة من العام 1990 إلى العام 2020 زيادة 6 في المئة وفقا لمركز بيو للأبحاث. وتشير التوقعات أنه بحلول العام 2030 ستزيد النسبة التي يمثلها المسلمون إلى 8 في المئة من سكان أوروبا. ويعيش نحو 4.7 مليون مسلم في ألمانيا وهناك عدد مماثل في فرنسا (يمثلون 7.5 في المئة من السكان) وهي النسبة الأكبر بين دول غرب أوروبا. ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى أكثر من 10 في المئة بحلول العام 2030. ويشكل المسلمون 5.8 في المئة من السكان في ألمانيا و4.8 في المئة في بريطانيا و3.7 في المئة في إيطاليا. وعلى سبيل المقارنة يمثل عدد المسلمين في الولايات المتحدة 1 في المئة من السكان.

عودة من بوابة المسلمين

مع ارتفاع عدد المسلمين اللاجئين إلى أوروبا خلال السنوات الماضية، وصعود شخصيات مسلمة إلى مناصب رفعية في أوروبا، باتت أصوات النازيين تعلو لاستهداف المسلمين، خاصة في ظل الهجمات التي شنها تنظيم “داعش” في الدول الأوروبية بين حين وآخر. هذا الأمر دفع السلطات الأمنية في ألمانيا إلى التحذير من عودة النازية إلى الشارع الأوروبي من خلال استهداف المسلمين، كما صعدت في ثلاثينيات القرن الماضي من خلال الدعوات إلى استهداف اليهود وطردهم.

وكان التقرير السنوي لمركز التكوين السياسي الاتحادي الألماني  حول نشاط اليمين المتطرّف، لفت إلى أن “النازيين الجدد يدسّون سمومهم المتطرّفة في قالب ثقافي جذاب وممتع، بعيداً عن استعمال الشعارات البالية”، إذ يقومون بالاختباء وراء واجهة جذابة للتمويه، تتماشى مع أهواء الشباب الألمان واهتماماتهم، وتوجيههم للتطرف النازي ضد المهاجرين المسلمين.

كما أن الوضع ليس أفضل حالاً في بريطانيا، حيث يواجه المسلمون، بحسب تقرير استخباري بريطاني خططاً لاستهدافهم بشكل مباشر. ويقول التقرير إن نحو 40 شخصاً من النازيين الجدد يخضعون لتحقيقات من الشرطة، وسط مخاوف من أنهم يخططون لهجمات إرهابية ضد المسلمين في مناطق مختلفة من بريطانيا.

وأشار التقرير إلى أن النازيين الجدد الذين حُقّق معهم كانوا “يخططون تمهيدياً” لعملياتهم؛ عبر التعرّف على المؤسسات وممثلي الجاليات المحلية الإسلامية.

ويتوقع التقرير أن تواجه البلاد مشكلات وهجمات أكثر من النازيين الجدد، إذ تصعب عملية متابعتهم وتحديدهم قياساً بالمتطرفين الإسلاميين.

هل هناك اضطهاد؟

قضيّة شديدة الحساسية بين خطابين يبدوان على خلاف جذري، رغم وجود مُحاولات لتخطي هذا الخلاف في أوروبا، تُسيطر ما بين الحين والآخر نبرة حذرة من الآخر، وما قد يُمثّله من تهديد للمجتمع الأوروبي، الوقت الحالي من الأحيان التي تسيطر فيها هذه النبرة، ورغم احتفاء أوروبا بتاريخها الطويل في تنحية الاعتبار الديني على أي مُستوى، لا تزال النعرات الدينية حكمًا ووجهة تُؤطر الخطاب الثقافي، في أوقات الأزمات بخاصة.

وإجمالًا يحكم القانون التعامل مع المسلمين وغيرهم، سواءً مواطنين أو مُقيمين، هذا على المُستوى الرسمي الذي يشهد أحيانًا خَرقًا لما يمكن اعتباره قاعدة عامة. أما على المستوى المجتمعي، فبطبيعة الحال، تلعب الظروف المحيطة، فضلًا عن الخطاب الإعلامي، دورًا في تحديد بوصلة التعامل مع المسلمين.

لا يُمكن القول بالجملة إن المسلمين يُعانون من الاضطهاد في أوروبا أو الغرب عمومًا، فالآن ثمّة مسئولون حكوميون من أصول عربية مُسلمة في عدة دول، لكن هناك حالات كثيرة للاضطهاد العرقي تحدث دون الإعلان عنها.

المسلمون في المجتمع

لكن هل يتناسب ذلك الحجم السكاني للمسلمين مع حجم تمثيلهم في الحياة العامة (السياسية والاقتصادية والإعلامية والعلمية على وجه خاص)؟

نسمع بين حين وآخر أخبارا عن وزير من أصول عربية أو كردية. عن نائبة من أصول شرق أوسطية. عن زعيم حزب من أصل تركي حقق تقدما في الحياة السياسية الألمانية.

أما في الجانبين الاقتصادي والإعلامي فإن المسلمين اخترعوا تجارة، هي التعبير الأمثل عن عكوفهم على عالمهم القديم. العالم الذي يفهمون لغته التجارية الخفية، وهو عالم يقوم خارج حدود قوانين المعاملات التجارية.

أما المساجد والمراكز الإسلامية فهي بمثابة ملاذ ثقافي واجتماعي بالنسبة للمسلمين في أوروبا، وبالنسبة للسلطات فهي كالوسيط بينها وبين المجتمع المسلم، لذا لم تكن السلطات الأوروبية شديدة التعنت أمام إقامة تلك المراكز والمساجد، وبالطبع لا يُمكن إغفال عاملي الحصر والمراقبة الذين يجعلان منها نقاطًا مثالية لمراقبة العنصر المسلم في المجتمع، فضلًا عن احتوائه أو توجيهه إن لزم الأمر.

بالإضافة إلى هذه النقطة، لا يمكن أيضًا إغفال عاملي المال والسياسة في التأثير على المراكز الإسلامية في أوروبا وتوجهاتها وتحركاتها، ولفترة طويلة كان للملكة العربية السعودية اليد الطولى في إنشاء وإدارة المراكز الإسلامية التي دخل بعضها أعضاء جماعات إسلامية حركية، استطاعوا السيطرة عليها والانطلاق منها؛ لعمل تنظيمي مدني أوسع.

بعد سنوات دخلت تركيا على خط إقامة المراكز الإسلامية ودعم وتمويل المساجد في أوروبا، وقد ساعدها على ذلك انتشار الأتراك في أوروبا من جهة، ومن أُخرى صورة الإسلام المعتدل التي كانت تُحاول الإدارة التركية تصدير نفسها كممثل له؛ الإسلام الذي لا يتعارض كثيرًا مع المبادئ العلمانية في الحكم، بل ربما يعزز من موقف المسار الديمقراطي في دولةٍ مثل تركيا.

ومع مشروع قطر الطموح لتأسيس دور فعّال لها في المنطقة والعالم، والذي بدأ تحديدًا مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حاكم قطر السابق، بدأت قطر في خلق وجود لها في الساحة الإسلامية في أوروبا، بدايةً من تمويل ودعم ترميم وإعادة إعمار الآثار الإسلامية في بعض دول أوروبا الشرقية، نهايةً بإنشاء جُملة من المراكز والمساجد، بينها مساجد تُعد الأولى في بلدان حُرمت الوجود الديني لعقود قبعتها تحت الحكم الشيوعي.

يمكن القول إذًا إنّ هذه الدول هي القوى المسيطرة بشكلٍ أساسي على المساجد في أوروبا، بالإضافة إلى جماعات وحركات إسلامية استخدمتها لخلق حالة نفوذ اجتماعي وثقافي وسياسي في بعض الأحيان، كجماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ والدعوة، وجماعات صوفية، وسلفية.

هذه الجماعات إما أنها في هذه الحالة تمثّل ذراعًا أو على الأقل حليفًا لدولة من الدول المذكورة، أو غيرها. أو أنّها تُمثّل نفسها ومشروعها الذي رُبما يكون مُناهضًا لإحدى هذه الدول، كجماعة فتح الله كولن المناهضة لسياسات أردوغان وحزبه الحاكم لتركيا.

.