هل ينجح استفتاء كردستان العراق للانفصال؟

أثار إعلان إقليم كردستان العراق موعد إجراء استفتاء على الانفصال عن العراق جدلًا داخليًّا وخارجيًّا، لا سيما وأنه جاء في توقبت شديد الحساسية، حيث تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة من التشرذم السياسي والفوضى الأمنية، فبعد إعلان قادة زعامة الإقليم الكردي قيامهم بهذه الخطوة في 25 من سبتمبر القادم، دب القلق في نفوس الحكومة المركزية العراقية والدول الإقليمية والكبرى، التي اعتبرت هذا الإجراء أحادي الجانب، مطالبين بوحدة العراق.

لكن يبدو أن خطوة الإقليم على طريق الاستقلال ستقابل تحديات كثيرة، فبعد تحديد موعد الاستفتاء ظهرت اعتراضات شديدة من الصعب تخطيها، عكست مقدار التعقيدات التي تواجه فكرة إنشاء دولة كردية مستقلة في المنطقة، منها داخلية وخارجية.

ويشهد إقليم كردستان العراق المكون من ثلاث محافظات هي أربيل والسليمانية ودهوك حكمًا ذاتيًّا منذ عام 1991، لكن ومنذ ذلك الوقت وتساهم التطورات الجارية في المنطقة من حرب الخليج إلى غزو العراق ثم ثورات الربيع العربي في إيقاظ النوازع الاستقلالية الكردية، لا سيما بعد منحهم مؤخرًا الفرصة لظهور قدرتهم العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي، حيث أفرزت المعركة قوات البيشمركة والأسايش الكردية، ورسمت أحلامًا للأكراد بأنهم قادرون على الاستقلال عن العراق، لاسيما مع التسليح الأمريكي للقوات الكردية، فيما ترفض العراق استغلال الحرب على الإرهاب بتفكيك وحدته.

داخليًّا

لا يبدو أن قرار حكومة إقليم كردستان بإجراء استفتاء للاستقلال عن العراق يلقى وفاقًا داخليًّا، حتى داخل الإقليم ذاته، لاسيما مع رفض قوى داخلية حضور الاجتماع الحزبي للأحزاب الكردستانية الذي حدد الأطر والتحركات المستقبلية نحو الاستقلال، حيث لم تشارك حركة التغيير والجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينظر إلى مساعي رئيس الإقليم مسعود برزاني باعتبارها مناورة سياسية لتلميع صورته وصرف النظر عن مطالبته بالتنحي عن الرئاسة، على أساس أن ولايته منتهية منذ قرابة السنتين، كما أنه يرى أن هذه الخطوة قد تقيد حركة البرلمان الكردي داخل الإقليم، والذي تم تعليق عمله في وقت سابق من قبل حكومة الإقليم.

في نفس الوقت تعترض الحكومة المركزية في بغداد بدورها على الخطوات الاستقلالية الكردية، معتبرة أنها مخالفة لدستور البلاد، حيث يقول سعد الحديثي المتحدث باسم الحكومة العراقية إن «أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور»، مطالبًا بتفعيل ذلك على أي قرار يخص مستقبل العراق المعرف دستوريًّا بأنه بلد ديمقراطي اتحادي واحد ذو سيادة وطنية كاملة، الأمر الذي يجب على أساسه أن تراعى النصوص الدستورية ذات الصلة.

خارجيًّا

ويواجه الإقليم خارجيًّا العديد من الاعتراضات، أبزرها دول الجوار، حيث كانت ردة فعل تركيا وإيران غاضبه تجاه هذه الخطوة الكردية أحادية الجانب، وردت أنقرة بعنف واصفة الخطوة بغير المسؤولة، وأن المنطقة بها ما يكفي من المشاكل، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم،  الجمعة، إن بلاده تريد أن يعيش العراقيون جميعهم معًا كأمة واحدة، مشيرًا إلى أن إضافة مشكلة أخرى إلى المنطقة ليست أمرًا صائبًا.

وأعلنت وزارة الخارجية التركية في بيان لها أنّ تنظيم استفتاء حول استقلال كردستان العراق «سيشكل خطأ فادحًا»، معتبرة «الحفاظ على سيادة الأراضي والوحدة السياسية للعراق أحد أسس السياسة التركية».

ودوافع تركيا، التي تعتبر إحدى أكبر المعنيين بالقضية الكردية، برفض مساعي إقليم كردستان لإنشاء دولة مستقلة في العراق تأتي على خلفية التصدي للنوازع الاستقلالية لدى أكراد تركيا، لاسيما وأن الأخيرة فشلت دائمًا في إرساء التعايش السلمي بين المكونات العرقية لمجتمعها.

فيما لم تفوت الفرصة إيران لتعلن صراحة هي الأخرى رفضها القاطع لهذا التوجه، على خلفية التخوف من تصعيد النزعة الانفصالية لدي أكراد الداخل، بالإضافة إلى حفاظها على عراق حليف وصديق موحد أفضل من أن يكون متفتتًا، حيث عبر الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي عن إن كردستان العراق جزء لا يتجزأ من العراق.

وقال قاسمي، في تصريحات للصحفيين، إن العراق الموحد والذي ينعم بالاستقرار والديمقراطية هو الضامن لحقوق جميع العراقيين، مشددًا على أن إيران تدعم وحدة العراق.

من جهتها اعترضت روسيا على استفتاء استقلال كردستان العراق، ودعت على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى الحفاظ على وحدة العراق وحل المشكلات بين أربيل وبغداد عن طريق الحوار.

دوافع الإقليم للاستفتاءرخوة

وبخلاف التحديات الداخلية والخارجية، يبدو أن هدف الإقليم من إقامة الاستفتاء رخو، وذلك بعد تصريحات لرئيس إقليم كردستان العراق وقيادات كردية تؤكد أن الاستفتاء لا يعني الانفصال، فمن ناحية يريد الإقليم أن يهدئ من تخوف القوى الخارجية، ومن ناحية أخرى يعمل لدخول مرحلة أخرى لبدء مفاوضات عسيرة مع الحكومة العراقية للاتفاق على الاستقلال.

وكان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أكد أن الأكراد لن يعلنوا دولتهم بمجرد ظهور نتائج الاستفتاء المعروفة سلفًا، حيث سيجمع الأكراد على مسألة الانفصال وإقامة الدولة، الامر الذي يظهر ليونة من البارزاني، لاسيما وأنه اعتبر الاستفتاء مجرد وسيلة لمعرفة رأي الشعب الكردي،  وهو ما يفسر بأنه قد يتم استخدام الاستفتاء كوسيلة أخرى للضغط على حكومة بغداد وابتزازها تمهيدًا لمفاوضات بين الطرفين.

وقال هوشيار زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود البارزاني إن التصويت المتوقع بـ “نعم” في الاستفتاء على استقلال الأكراد سيعزز موقف إقليم كردستان العراق في المفاوضات مع بغداد، لكنه لن يؤدي إلى الانفصال عن العراق بشكل تلقائي. وفي إطار تهدئة مخاوف الخارج أكد زيباري أن التصويت على الاستقلال لن يعني أن يضم الأكراد منطقة كركوك الغنية بالنفط ومناطق أخرى متنازعًا عليها.

اترك تعليقاً