هجرة العقول العربية

عادل القاضي /

ما زالت المنطقة العربية أكثر منطقة طاردة لعلمائها وكفاءاتها من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، وما زالت أكبر نسبة مهاجرين في العالم تخرج من المنطقة العربية، وتقدر نسبة العقول المهاجرة من الذين يتركون المنطقة بـ 50% من هؤلاء الكفاءات.

الصراعات في الشرق الأوسط وقلة أماكن العمل دفعت بالكثير من العرب إلى الهجرة إلى دول أكثر تطورًا، أو إلى الدول التي يمكنهم فيها أن يجدوا ملاذًا آمنًا من العنف وحريةً في ظل القمع والفوضى اللذان ضربا الدول العربية ، والمعطيات الجديدة للبنك الدولي والجامعة العربية تشير إلى نسبة هجرة مرتفعة جدًا من العقول أو الأدمغة العربية، التي يقصد بها كبار العلماء والمخترعين والكفاءات في كافة المجالات، ما يعتبر أكبر عملية تجريف مستمرة للعقول في العالم العربي.

هذه للأسف معطيات حقيقة أوردها تقرير أخير للبنك الدولي، وأشار إليها تقرير “قسم الهجرة في الجامعة العربية”، الذي بين أن هناك ثلاثة أنواع من الهجرة في المنطقة: (الأول) هجرة جنوبية- شمالية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة، أي من دول شمال أفريقيا باتجاه أوروبا،. و(الثاني) هجرة جنوبية – جنوبية، أي هجرة بين الدول النامية، ويقصد به هنا الهجرة باتجاه دول الخليج العربي. و(الثالث) هجرة تدمج بين النوعين السابقين.

ملايين المهاجرين العرب

وفقا لهذه التقارير، بلغ عدد المهاجرين في العالم العربي قرابة 40 مليون مهاجر، وهناك ازدياد مضطرد في هذا العدد، سواء باتجاه دول الخليج أو أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا، حيث يهاجر منهم (31.5% لدول الخليج، فيما يهاجر 23% للغرب بسبب قيود السفر والهجرة الحالية للغرب، والباقي لدول أخرى مختلفة أسيوية وأفريقية ولاتينية.

وهنالك ما يقارب 20 مليون مهاجر من الشرق الأوسط يعيشون حول العالم، أي أن 5% من مجموع سكان العالم العربي قد هاجروا من الشرق الأوسط، أغلبهم من مصر والمغرب، الدولتان اللتان يهاجر منهما أكبر عدد من المواطنين إلى دول أُخرى حول العالم، وتليهما الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالعراق، الجزائر، اليمن، سوريا، الأردن ولبنان.

ويُستَدل من معطيات الجامعة العربية أن عدد المهاجرين إلى الدول العربية أكبر من عدد المهاجرين من دول عربية إلى الخارج بسبب صناعة النفط، وبسبب القيود الغربية علي السفر حاليا، والتي تدفع الكثير من الشباب للهجرة غير الشرعية عبر البحار في مراكب صيد غير مجهزة تنتهي بكثير منهم في قاع البحر.

تحذير من التخلف التكنولوجي

وقد أصدرت الجامعة العربية عشرات التقارير التي حذرت فيها من أن العالم العربي يعاني من فقر علمي وخسارة 200 مليار دولار بسبب هجرة الكفاءات العلمية والعقول العربية إلى الدول الأجنبية، ودعت للسعي لاستعادة هذه العقول، خصوصا في ضوء التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وتحول الصراع العربي الإسرائيلي تدريجيا إلي صراع تفوق تكنولوجي.

وتصف بعض هذه التقارير، التقدم العلمي والتكنولوجي الإسرائيلي علي العرب بأنه “كارثة جديدة تهدد مستقبل الشعوب العربية”، لأن إسرائيل تفوقت في السباق العلمي مع العرب عن طريق إغراء العلماء الأوروبيين والأمريكيين وتوطينهم داخل إسرائيل، في الوقت الذي تتزايد فيه هجرة العلماء العرب إلى الخارج، وفشلت الدول العربية حتى الآن في استعادتهم أو الاستفادة منهم. كشف جهاز الإحصاء المصري  عن وجود 822 عالم مصري في تخصصات نادرة يعيشون في الخارج.

وتحذر تقارير الجامعة العربية من خطورة هذه الظاهرة على مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في الدول العربية، بعد أن احتلت إسرائيل المرتبة 24 بين الدول المتقدمة، والمرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في مجال الأبحاث والقدرات العلمية، وكذلك المرتبة الرابعة بعد اليابان وأمريكا وفنلندا في استيعاب التطورات التكنولوجية.

أيضا تشير تقارير منظمة “اليونسكو” إلى هذا التدني العلمي العربي مقابل إسرائيل ودول العالم الأخرى، حيث يشير أحد هذه التقارير إلي انخفاض نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التكنولوجي على مستوى العالم، فيما بلغ نصيب أوروبا من هذه البراءات 47.4 وأمريكا الشمالية 33.4% واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6%..

وحتى عندما أجرت اليونسكو إحصاءا للأربعين دولة الأكثر تقدما في العالم في التعليم الأساسي لم يكن من بين هذه الدول دولة عربية واحدة إلا الكويت، وجاء ضمن هذه الأربعين دولة كوريا واليابان وسنغافورة وأوربا كلها وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال، وظهر أن هذا نتيجة طبيعية لحجم الإنفاق علي التعليم وإعداد النشء في مجال التعليم.

فقد بلغت تكلفة إعداد التلميذ بالتعليم الأساسي في سويسرا 12000 دولار، وفي أمريكا 8000 دولار، وفي إسرائيل 3500 دولار، وفي مصر 170 دولارا، والمعدل العام لتكلفة طالب التعليم العالي السنوية في العالم العربي أقل من 721 دولارا، مقارنة بحوالي ألف دولار في الدول الخمسة الأعلى إنفاقا علي التعليم والبحث العلمي في العالم، وينعكس هذا الأمر على اهتمامات الطلاب العلمية مستقبلا، ويزيد عدد العلماء في الغرب، ولا يفتح مجال التفوق أمام العرب سوى في حالات السفر غالبا إلى الخارج.

أسباب هجرة العلماء

وتلخص العديد من الدراسات البحثية معوقات البحث العلمي في الدول العربية في مجموعة من النقاط؛ منها غياب السياسات الوطنية العملية والفعالة لربط وتكامل المؤسسات العلمية والتكنولوجية، وعلى الأخص مؤسسات البحث العلمي، بالإضافة إلى المعوقات الإدارية والتنظيمية التي تتمثل في ضعف اهتمام الإدارة العليا بنشاط البحث العلمي والتطوير، إلى جانب سيطرة الجهات الأجنبية على المعرفة في قطاع الصناعة، وعدم توافر المعلومات اللازمة للبحث العلمي.

ويضاف لها – بعد أزمات دول الربيع العربي والتدهور الاقتصادي- أسباب البحث عن الأمان العلمي، والأمان الأمني بعدما أصبحت حياة العديد من هؤلاء معرضة للخطر، سواء بسبب آرائهم أو معتقداتهم السياسية، أو بسبب حالات الفوضى الأمنية.

هذا علاوة على نقص الموارد البشرية المتخصصة للعمل في مجال البحث والتطوير، وصعوبة الحصول على الكوادر العلمية المتخصصة للعمل في مجال البحث والتطوير، مع ضآلة المبالغ المالية المنفقة على البحث العلمي، وارتفاع تكلفتها وعدم القدرة المالية لبعض الشركات للإنفاق على مشاريع وبرامج البحث والتطوير.

وهناك أسباب أخرى بجانب هذه المعوقات؛ مثل سياسات دول العالم الصناعي في اجتذاب المهارات من مختلف الدول، في إطار من التخطيط الواعي، وعلى أساس انتقائي، وهي المهارات التي غالبا ما تبقي في الخارج لأسباب متعددة، مما يهدر مهارات بشرية مؤهله لقيادة خطط التنمية خاصة في الدول النامية.

ويؤكد عدد من الخبراء على أن هجرة العقول من الدول عربية جاءت لأسباب مادية وأخرى سياسية تتعلق بالحريات، ويؤكدون أن هذه الهجرة لا تزال مستمرة لاستمرار أسبابها.

أن هجرة العقول لها أبعاد سياسية أيضا تتصل بالحريات السياسية للأفراد، وأكثر أنواع الهجرة أهمية ذلك الذي يرتبط بالفكر المتحرر من القيود التي تجعل الفرد لا يستطيع أن يعبر عن رأيه أو يدعو إلى فكرة معينة.

.