موسم الحصاد الدامي ..!

أحمد فؤاد

تمر الفصول، ولا تكاد الظروف تتهيأ لحدوث انفراجة في المسألة الفلسطينية إلا ويتدخل الجزار الصهيوني بسكينه البارد ليذبحها على رؤوس الأشهاد..!

بين مجازر أيام التوبة أكتوبر 2004، والرصاص المسكوب ديسمبر 2008، وعامود السحاب نوفمبر 2012، و الجرف الصامد يوليو 2014 وفي نوفمبر 2019 والآن في أغسطس 2020

وعلى مرئي ومسمع من جموع أنماط غريبة من البشر تسمى بالخطأ شعوبا، يستمر نزيف الدماء البريئة الصامدة، بينما تقف تلك الجموع لمتابعة مسلسل مواسم الحصاد الدامي من خلال ممارسة رذيلة الصمت .. فهل أُصبنا بالبلادة والخرس وكأننا أمام مشهد سنيمائي مثير! ولسنا أمام مشاهد قتل ودمار وانتهاك للإنسانية تحترق معها القلوب..؟!.

تعيدنا الأحداث الدامية والغطرسة الصهيونية في حق شعب فلسطين المحتلة لمقولة عابرة تفوه بها الجزار الصهيوني نتانياهو في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي في مايو 2011، وهي أن مشاكل اللاجئين الفلسطينيين ستحل حتماً خارج حدود إسرائيل بشكل أو بأخر! 

لم تكن تلك مقولة عفوية مجردة، لكن ظني أن وراءها هدف خسيس وهو تصدير أزمات الشعب الفلسطيني واللاجئين المتصاعدة إلى خارج حدود دولة الاحتلال، وتوزيعها على دول الجوار بمنظور اعادة احتلال الأرض..

إسرائيل دولة احتلال مجرمة، لا تؤمن بالحدود الهادئة، ومفهوم الأمن لديها لا يحققه سلام أو معاهدات، لهذا تجدها تتعمد اشعال فتيل الأزمات على كافة المناطق الحدودية بشكل ممنهج حسب مقتضيات الأمور مع دول الجوار..!.

المشهد مؤسف ودامٍ ويشوبه العار في ظل الصمت العربي المعتاد، لكنه تصوير حي لسيناريو صهيو- أمريكي من الدرجة الأولى، لذا وجب علينا تفنيده بشيء من الهدوء والحكمة والصبر، حتى نفوت الفرصة على المزايدين وأصحاب المصالح المستفيدين، وأيضاً ليتسنى لنا الثأر لدماء الضحايا الأبرياء من العدو الصهيوني الغاشم على جرائمه الخسيسة في حق البشرية..!

السنوات القليلة الماضية أظهرت حرص الإدارة الأمريكية ودول الغرب بلا استثناء على تهيئة دول منطقة الشرق الأوسط بالكامل (عدا دولة الاحتلال الصهيوني بالطبع) لإفراد مساحات من أراضيها لتصبح مناطق لجوء سياسي للنازحين عن أوطانهم جراء الحروب التي تشتعل الواحدة تلو الأخرى .. ومن العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا بدأت مواسم الحصاد الدامي، والتي راح ضحيتها الألاف من الأبرياء في مقابل بخس.. بين تخاذل حكام، وتواطؤ أنظمة، وخيانة فصائل، ودموية عصابات الشر الإرهابية، وجد حلم الغرب الاستعماري ضالته المنشودة في اعادة السيطرة على المنطقة وإعادة صياغتها بالشكل الذي يسهل له التحكم في الأمور والمصالح بها عن بعد..

إن توظيف تحركات جماعات الشر وتحريكها بحسابات دقيقة متزامنة، يؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن الأمور تسير تبعاً لمخطط التقسيم، وتقطيع أوصال دول المنطقة الكبرى بتحفيز الأقليات العرقية فيها على الانفصال، فيتم تحويلها لدويلات أثنية مبعثرة ومتناحرة..!.

دولة الاحتلال لا يعنيها تصفية حماس أو فتح أو غيرهم بالكامل، فطالما استمرت صراعاتهم الداخلية واقتتالهم فهذا يخدم أمنها واستراتيجيتها، ولا مانع من توجيه ضربات تأديبية من حين لأخر لإرهاب المقاومة التي تؤرق الصهاينة لأنها لا تموت، ولأنها كيان احتلال دموي وعنصري، فهي تعني فقط بالقتل واغتصاب ما ليس لها من أرض، وهذا ما يتضح مما ارتكبته من مذابح ومجازر لن يغفرها التاريخ

الأبرياء من سكان غزة والقطاع هم فقط من يدفعون من دمائهم ثمن هذا المشهد المؤسف..! فإسرائيل تريد الأرض بالكامل، وتريد ضمان التفوق الاستراتيجي على كافة الدول المحيطة أملاً في تحقيق دولة الحلم الصهيوني من النيل للفرات، وأمريكا تريد ضمان السيطرة وحماية مصالحها في الشرق الأوسط مركز التحكم في العالم وتجارته لإيقاف المد الأسيوي (الصين) الذي اقترب بشدة من المنافسة في المنطقة، والفلسطينيون يريدون دولة وحدود، لهذا دائماً ما تذوب أحلامهم على صخور الانقسام بين الفصائل هناك.. وبين تخاذل العرب في كل مكان.

.