مصادرة عقارات لأفراد من الجالية بتهمة “الجريمة المنظمة”

 

وجَّهت السلطات في برلين، ضربةً موجعةً لواحدة ممن تدعوها السلطات ووسائل الإعلام الألمانية بـ “العشائر العربية” المنخرطة في الجريمة المنظمة منذ سنوات طويلة.

وأعلنت النيابة العامة مصادرة 77 عقاراً، تصل قيمتها إلى نحو 12 ملايين يورو، في إطار «استرداد العقارات» قانونياً، ووضعها تحت الوصاية القضائية.

ونسبت النيابة العامة ومكتب التحقيقات الجنائي في برلين العقارات إلى عائلة تعود إلى لبنان، وتحقق ضد 16 شخصاً، بتهمة غسيل الأموال. وتتضمن العقارات المصادرة منازل وشققاً وأراضي، تعتقد النيابة أنه تم شراؤها عبر المال الذي حصل عليه المشتبه بهم من ارتكاب الجرائم.

 

ردع بقية العشائر

ويأمل المحققون أن تشعر «العشائر الإجرامية» الأخرى بالفزع جراء هذه الضربة، إذ ذهب رئيس النيابة العامة في برلين يورغ راوباخ في تصريحات لتلفزيون «إر بي بي» في برلين، إلى أنه قد يكون لهذه العملية الواسعة النطاق أثر بارز على «العشائر الإجرامية» الأخرى، عندما يرون أن المال المجني بطريقة غير شرعية قد يصبح في متناول الدولة.

وتمكَّنت السلطات من مصادرة العقارات حتى إتمام النظر في كيفية شرائها، وإمكانية سحبها ونقل ملكيتها للدولة، بفضل إصلاح «استرداد العقارات» في القانون الجنائي، الذي دخل حيز التنفيذ في صيف العام الماضي، الذي يُؤمل منه المكافحة الناجحة للجريمة المنظمة.

وبات بإمكان الحكومة مصادرة العقار، عندما يكون مصدر شرائه مجهولاً، حتى في حال عدم قدرتها على إثبات أن المال مصدره جريمة بعينها، الأمر الذي تطبقه إيطاليا في مكافحة المافيا.

واعتبر أندرياس غايزل، وزير داخلية ولاية برلين، أن دولة القانون أظهرت مجدداً قوتها، وأنهم يضربون المجرمين في المكان الذي يؤلمهم حقاً، عبر المال والممتلكات.

وبين بينديكس لوكس، المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون السياسة الداخلية في برلين، أنه كان يتوجب على الدولة سابقاً إثبات أن المال أو العقارات مصدرها أعمال إجرامية لتستطيع مصادرتها، لكن الآن يتوجب على المنتمين لعائلة كبيرة (عشيرة)، أو أصحاب السوابق، إثبات أنهم جنوا هذا المال بطريقة قانونية، لذا سيكون من السهل مستقبلاً على الدولة مصادرة العقارات أو الأموال.

 

تحقيقات مستمرة منذ أعوام

وقال رئيس النيابة العامة راوباخ للتلفزيون المذكور، إن التحقيقات بدأت منذ عام 2014. وجاء ذلك بعد السطو على فرع لبنك «شباركاسه» في حي تيمبلهوف- شونيبرغ، حيث سرق الجناة الثلاثة، وهم من أعضاء «العشيرة»، منه قرابة 10 ملايين يورو.

ورغم إدانة أحد الرجال الثلاثة، إلا أن المال المنهوب اختفى، ولم تسترده السلطات. وانتبه المحققون إلى أن أحد أقارب الشخص المُدان اشترى شققاً وأراضي في ولايتي برلين وبراندنبورغ، رغم أنه يعيش على أموال معونات البطالة.

وتحرَّى المحققون العديد من الحسابات البنكية وعمليات شراء العقارات، وقادت بعض آثار هذه العمليات المحققين إلى خارج ألمانيا، الأمر لا الذي تريد النيابة العامة الكشف عن تفاصيله، لأسباب تتعلق بتكتيكات التحقيق، على حد وصف النائب العام بيرنهارد ميكس، الذي وصف العمل على هذه القضية بـ»الأحجية» لكونها معقدة.

وأوضحت النيابة أن العديد من العقارات تم شراؤها من قبل أشخاص في لبنان، يُفترض أنها اشتروها لصالح العائلة الكبيرة .

ولم يتم القبض على أحد من المشتبه بهم لعدم استيفاء الشروط اللازمة لوضعهم في الحبس الاحترازي، بحسب النيابة. ودفع واحد من المشتبه بهم على الأقل باعتراض على الحجز.

 

لكن ما الذي سيحصل لمستأجري هذه المنازل، غير المنتمين لـ»العائلة الكبيرة»؟

أوضح راوباخ أن وضَعَ العقارات تحت الحراسة القضائية يعني عدم إمكانية بيعها لآخرين، وأن المستأجرين لن يلحظوا شيئاً من التدابير التي يتخذونها في الأحوال المثالية، مشيراً إلى إمكانية أن تصبح العقارات في نهاية الإجراءات ملكاً للدولة.

وذكر موقع صحيفة «بيلد» أن التحقيقات ما زالت في بدايتها، وقد يستغرق الادعاء والمحاكمة وحصول الدولة على العقارات بشكل نهائي أعواماً.

 

اتهام بسرقة عملة ذهبية نادرة

تأتي هذه العملية الضخمة للسلطات في برلين، بعد أن ذكرت الصحافة مؤخراً أن النيابة العامة تستعد لرفع لائحة اتهام ضد ثلاثة من أفراد هذه «العشيرة»، بتهمة سرقة عملة ذهبية ضخمة، يصل وزنها إلى 100 كيلوغرام من متحف بوده، الواقع قرب منزل المستشارة أنجيلا ميركل، بمساعدة حارس سابق.

وكانت العملة المسمَّاة “ورقة القيقب الكبرى” المطبوعة صورة الملكة إليزابيث الثانية عليها، قد صُنعت في كندا من الذهب النقي، وتوجد 6 نماذج فقط منها في العالم، وتصل قيمتها إلى 3.75 مليون يورو.

ولا يعتقد المحققون أنهم سيستطيعون العثور على العملة الذهبية كما كانت، وسط توقعات بأنها قد تم تقطيعها لمحو أثرها وبيعها، حيث عُثر خلال مداهمات للشرطة قبل عام على «بودرة ذهب».

وتعتبر قضية «ورقة القيقب الكبرى» جزءاً من التحقيقات الحالية.

 

من هي هذه العشيرة؟

يقول تلفزيون “إر بي بي”، إن العائلة العربية الكبيرة، المقيمة في حي نويكولن في برلين، وصلت إلى العاصمة الألمانية منتصف ثمانينات القرن الماضي، وهي في حالة فقر مدقع.

وتنقل عن تحقيق موسَّع أجرته صحيفة «تسايت» الأسبوعية مؤخراً عن العائلة، أنها تنتمي للمجموعة التي نزحت من تركيا إلى لبنان، وعاشوا هناك معدمي الجنسية على هامش المجتمع، وفرَّ عدة إخوة من العائلة أثناء الحرب اللبنانية إلى برلين.

ولم يحصل أفراد العائلة المولودون في لبنان على إذن عمل في برلين، لعدم حصولهم على لجوء سياسي، بل إقامة تسامح بالبقاء، فتوجَّه البعض منهم للعمل بشكل غير قانوني «بالأسود»، وعاشت غالبيتهم من المساعدات الاجتماعية، وبدأ آخرون منهم ممارسة أنشطة إجرامية.

وتُقدر أعداد العائلة في برلين بـ 500 شخص، الرقم الذي قد يكون أكبر نظراً لكتابة اسم العائلة بأحرف مختلفة، بحسب «تسايت»، التي تشير إلى أن تقديرات المحققين حول نسبة الانخراط في الجريمة بين أفرادها تتراوح بين 10-50%، وأن 9 قاصرين منها يعتبرون من مرتكبي الجرائم بشكل متكرر. وتتضمن ملفاتهم الجنائية، سرقة سيارات والسطو على المنزل في وضح النهار، والسلب الجماعي لمتاجر العفش.

وتشتبه النيابة العامة في قتل أحد أفرادها (20 عاماً) رجلاً في جنوبي العاصمة الألمانية، العام الماضي، ضرباً بعصا بيسبول، وتفترض أن الأمر كان يتعلق بالمال. وسيتوجّب عليه المثول أمام المحكمة ليواجه تهمة القتل غدراً.

 

يقول تلفزيون «إر بي بي»، إن سلطات إنفاذ القانون تجاوبت مع ما تقوم به القبيلة بشكل خفيف لفترة طويلة، وفرضت عقوبات ضعيفة عليها، عن جرائم فردية ارتكبتها، فبدت الدولة متردِّدة في التعامل معها، مشيراً إلى أن عناصر الشرطة الذين كانوا يحققون ضد أفراد القبيلة كانوا يهددون بشكل شخصي، كأن توضع رسالة على زجاج سيارتهم الأمامي، إلا أن القضاء بات يتدخَّل بشكل أشد حالياً، مستشهدة بالحكم في شهر آذار/مارس الماضي على أحد أفرادها بالسجن 8 سنوات عن المشاركة في سرقة كبيرة.

وتقول صحيفة «بيلد»، ليس كل أفراد العائلة مجرمين، بل قلة منهم يرتكبون الجرائم، غالباً من الذكور الشباب الحاملين للجنسية الألمانية.

 

نتعلم من الاخطاء

وزير داخلية برلين لا يريد تكرار نفس أخطاء التسعينيات، مع القادمين في الأعوام الماضية للبلاد.

وقال وزير داخلية ولاية برلين، في مقابلة مع صحيفة “فيلت أم زونتاغ”، متحدثاً عن اللاجئين، إن قرابة مليون شخص جاؤوا إلى بلادهم، يعرفون أنهم سيبقون في ألمانيا لفترة أطول أو لفترة طويلة الأجل، وإن النقطة الحاسمة في نجاح سياسة اللجوء هي اندماجهم.

وبيَّن أنه يقول ذلك بالنظر إلى تسعينيات القرن الماضي، حين استهدفت حكومة برلين حينذاك استقبال لاجئي حرب من لبنان، لكنها حظرت عليهم العمل مدة 15 عاماً. وقال إنه جزئياً هؤلاء هم الذي يديرون بنى الإجرام ذات الأصل العربي، داعياً إلى التحدث عن ذلك الآن، في إشارة إلى ما يُسمى «القبائل العربية».

وشدَّد على أنه لا يجب عليهم القيام بأخطاء مماثلة كما السابق. وقال إن الحكومة الاتحادية يجب أن تدرك أهمية الاندماج، مشيراً إلى أنه لا يكفي أن يتم الحديث عن خفض الهجرة وحسب.