لماذا يفشل الكثير من أبناء المهاجرين في المدارس؟

محمد عبد المنعم

لا يخفى على باحث أو قارئ جيد متابع العلم الاجتماعي التربوي اختلاف سلوكيات أبناء المهاجرين عن أبناء الألمان اختلاف جذري، كما يبدو في هذه الدراسة التي تقدم بها باحثان من الشرق.

فالألمان مثلا يعودون أبناءهم منذ البدء على التربية المبكرة وتثقيفهم وتمهيدهم للتحصيل المدرسي الجيد، فيما يترك المهاجرون الأتراك والعرب كل المسؤولية العلمية والتربوية للمدرسة. إن تقييم الباحثين هذا يشد الانتباه.

بتمعن هذه الدراسة نجد في محكها أن أهم أسباب فشل الطلبة الأجانب، لاسيما بأصول عربية وتركية تتمثل في طاعة سلطة الآباء والعقوبات الصارمة ونقص التعليم في مرحلة الطفولة.

لقد قام باحثان اجتماعيان “تركي وعربي” بهذه الدراسة، ليس لحصولهما على الكم العلمي فحسب وإنما لانحدارهما من بيئتان شرقيتان ولتداخلهما بين ألمانيا حيث المنشأ وموطنهما الأم في تركيا وسوريا.

الحقيقة الأولى المرة هي أن ثلث أبناء المهاجرين في ألمانيا يعانون من مشاكل حادة في المدارس. من أهم أسباب تواتر هذه المشاكل وتسببها المباشر في فشل تلاميذ الأجانب ـ التدني بالمستوى التعليمي والالتزام بالقواعد العامة ـ هي الأسباب المذكورة سابقا، وفقا لبحث الباحثين ولكن هناك بعد ثالث خطير هو الهوة بين البيت والمدرسة من ناحية التحصيل الأكاديمي وكذلك التباين الثقافي والاجتماعي وإسقاطهما بالتالي على الأطفال مما يؤدي إلى حالة اضطراب وفشل في المدرسة.

بدعم من منظمة “كونراد” الألمانية تفرغ الباحثان للتقصي عن مشكلة فشل أطفال الأجانب الأتراك والعرب في المدارس، يقول الباحثان بأن سلوكيات تلاميذ الأجانب العرب والأتراك تعكس في حد ذاتها أسباب المشكلة وكذلك ماهية التعامل مع التلاميذ الألمان وبقية التلاميذ الأجانب الآخرين.

هنا يخلص الباحثين إلى أن ظاهرة الفشل هذه نابعة من قائمة طويلة تتوزع بين أسباب ثقافية وأخرى عائلية تربوية أو إسقاط، خيفة تذويب الهوية العربية الإسلامية في المجتمع الألماني بدءً بالمدرسة.

ذكر الباحثان في توصيتهما أنه يجب زيارة منازل التلاميذ ومقابلة الآباء للتحدث معهم وليس الاعتماد على مكاتبتهم فقط.

ينطلق أحد الباحثين في بحثه هذا من تجربته هو كأستاذ في إحدى المدارس الألمانية، إذ يقول بأن آباء التلاميذ العرب والأتراك يعتقدون بأن المدرسة والأستاذ هم المسئولون 100% عن تربية أبنائهم وتعليمهم.

هذه هي تقاليد ورثوها في مواطنهم الأم إذ لا يمكن للعائلة التدخل في شؤون أبنائهم الطلاب طالما كان الأستاذ والمدرسة قائمان على أمورهم، ويضيف بأن أبناء المهاجرين العرب والأتراك يدخلون المدارس دون أي تأهيل مدرسي من قبل عائلاتهم على صعيدي اللغة الألمانية وكذلك السلوكيات ـ التعامل المتوازن مع الآخرين لاسيما الآخر المختلف، الأوروبي أو الإفريقي.

إذ يتضح لنا بمقارنة تقييم ونظرة المهاجرين للمدرسة بالألمان، بأنهم يقتحمون دور المدرسة والأساتذة إلى درجة يختفي فيها دورهم تماما على صعيدي التربية والتضييق والتحصيل الأكاديمي، إلى جانب هذا نجد نسبة عالية من العائلات العربية لا تهتم بما يحدث لأبنائهم في المدارس ولا تشارك في الاجتماعات الطوعية أو اجتماع الآباء في المدارس لمتابعة سير أبنائهم المدرسي والتربوي / التعامل مع التلاميذ والأساتذة.

أما العائلات الألمانية فيشرحها بروفسور تربوي في جامعة “دورتموند” بأنهم يتدخلون بشدة في شؤون أبنائهم الطلاب ليس بتأهيلهم منذ الطفولة للنجاح المدرسي ومتابعتهم مع الأساتذة، بل ومحاسبتهم ورميهم بالفشل في التدريس إذا أخطئوا مع أبنائهم في أتفه الأمور الدراسية أو التوجيهات التربوية.

أخيرا يذكر الباحثان بأن توجه التربية الدينية الخاطئة والسلطة الأبوية التي تفرض الطاعة العمياء على الأبناء في تعاملهم مع الكبار والتهذيب إلى درجة التقديس تتضارب مع التربية والتعامل الألماني، مع الذات نفسها والآخرين. فالمدارس الألمانية وفقا للبروفسور المذكور هي مدارس أوروبية ترفض الإذعان وتدعم الجرأة لتفتح الشخصية واستقلاليتها كما أنها تحاول بقدر الإمكان هدم الجسور بين الأديان والثقافات والأعراف.

ويطل الباحثان في تحليلهما لسلوكيات التلاميذ العرب والأتراك مؤكدين على ظاهرة “الآخر المختلف” أي أن التلاميذ الأجانب الشرقيين لا ينتمون إلى الطلبة الألمان مهما تواكبوا مع حضارتهم وسلوكياتهم، فهم شرقيون بدين آخر وحضارة وأعراف متباينة لموروثاتهم ومنظوماتهم الغريبة.

ولكي يوضح الباحثان بعض ملامح وانعكاسات هذه الظاهرة يرجعان ليحللا ظاهرة الانفراد الاستقلالي بالذات: فالألمان كما يريا يعتنون منذ البدء باستقلالية شخصية أبنائهم في اتخاذ القرار والإعراب عن رغباتهم ورفضهم كذلك لما يرونه غير مناسب لهم وأن أصر الآباء على ذلك، فيما يظل التلاميذ العرب والأتراك قيد “المنظومة الاجتماعية الشرقية” يتطبعون على تربية أبنائهم وموروثات الشرق إلى درجة يفقد فيها أطفالهم ملامحهم الشخصية ولا يتخذون قرارا شخصيا إلا “وسمعة وشرف العائلة نصب أعينهم.

يقول الباحثان بأن خوف الآباء من تذويب أبنائهم في الحضارة الغربية يظل هاجس رغم أنه غير مبرر وليس موجودا على أرض الواقع، فالمدرسة تحاول بقدر الإمكان إبراز الملامح الشخصية للأطفال دون تقييد أو تأثير مباشر من أي جهة أو شخص.

بالعودة إلى دقائق السلوك والتصرف المدرسي يوضح البحث ظاهرة الانضباط كقاسم مشترك بين المدرسة والبيت، فالأطفال العرب ولاسيما ـ الأتراك ـ يعودون إلى الطاعة العمياء والإذعان للأوامر ـ يصطدم هذا التوجه بالانضباط المدرسي إذ يطالب المعلمون التلاميذ الانضباط والالتزام باللوائح استنادا إلى فهم وتوضيح لها وكثيرا ما يسعدهم أن يناقشهم التلاميذ في أهمية تقبلها أو رفضها، إذ تكون هذه الجرأة ثمرة للتحرر الفكري ورسم لبوادر الشخصية المستقلة.

ويضيف البحث بأن عدم تقبل الآباء الأتراك والعرب لفشل أبنائهم المدرسي وعدم تمكنهم من إبراز نتائج جيدة للالتحاق بكليات الطب أو القانون أو الهندسة مثلا، لا يقوم على أسس منطقية البتة، فهم يضعون آمالا خيالية على عاتق المدرسة باعتبارها المربي والمفتاح الذهبي للمستقبل دون أي جهد ومشاركة من قبل التلاميذ وآبائهم !

يقول أحد الباحثين بأن جملة “نظام التعليم الألماني هو السبب في فشل أبنائي” جملة تتكرر مرارا لدى الآباء العرب الذين لا يقبلون حتى الحوار عن مشاكل أبنائهم المدرسية.

كان وقد ذكرنا بأن الباحثين قد وضعا ضمن حلولهما لاضطراب سلوكيات التلاميذ الأتراك والعرب وفشلهم في المدرسة أن تكون هناك زيارات مشتركة لآباء التلاميذ لمتابعة أكثر وأدق والتعرف على بيئتهم ، أما الحل الآخر وكذلك برامج مجموعات الدراسة المختلفة بين التلاميذ المتفوقين والوسط والآخرين الأسوأ تحصيلا.

يظل السؤال قائما، هل يمكن أن تتغير سلوكيات التلاميذ العرب والأتراك على صعيدي تعاملهم وكذلك المقدرة على التحصيل المدرسي الجيد، إن لم يغير الآباء أنفسهم أو يعززوا في أبنائهم الاستقلالية، ووضع الأهداف المستقبلية نصب أعينهم؟؟

إن الإجابة على هذا السؤال أو طرحة للمناقشة الحادة سيثير كبرياء الآباء، إلا أن الأمر في النهاية لصالح أبنائهم إن أرادوا لهم حقا إرث مجد لا التذرع بإخفاق السلم التعليمي الأكاديمي .

.