لبنان .. أين الطريق؟

أحمد الجمال

في حين يمر لبنان بحالة من الفشل الكامل في اقتصاده ومؤسساته، يقف الشعب اللبناني حائراً لا يدرى أين يبحث عن المساعدة أو يجد التوجيه. لسوء الحظ، لا يمكن توقع الكثير من المساعدة لأسباب مختلفة لعل أبرزها، أن القوى الغربية لن تقدم دعماً يتجاوز المساعدات الإنسانية لحكومة بها فريق حزب الله.  وثانياً، وربما الأهم، افتقار البلاد لما يمكن أن طلق عليه مكتسبات أو يستحق الاستثمار فيه خاصة إذا كانت سوريا لا تزال في مرحلة اضطراب و دمشق “ما بعد الربيع العربي” أو الجديدة في غرفة المخاض والذى يبدو عسيراً .

وقد تسببت الأزمة المالية التي تجتاح لبنان منذ العام الماضي في تقلص قدرات عدد أكبر من الأسر على التكيف في الوقت الذي انهارت فيه العملة المحلية ولا تقدم الدولة فيه مساعدة تذكر، وتواجه البلاد ما يعد أكبر خطر على استقرارها منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

وفي الشهور الأولى من 2020 تضاعفت جرائم القتل في لبنان مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقفزت حوادث سرقة السيارات بما يقرب من 50 % والسرقات بنسبة 20 %، وذلك وفقا لتقرير أعدته شركة الأبحاث الدولية للمعلومات في بيروت بناء على بيانات الشرطة.

ارتفاع جنوني للأسعار

ومع انهيار العملة يتزايد الخوف من وقوع اضطرابات في بلد له تاريخ مضطرب حيث التوتر الطائفي ليس بعيدا عن السطح، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية المستوردة التي يعتمد عليها اللبنانيون بفعل انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 70% منذ أكتوبر.

وجاء في تقرير لبرنامج الأغذية العالمي هذا الشهر أن 50 % من اللبنانيين وكذلك 63% من الفلسطينيين و75 % من السوريين المقيمين في لبنان شعروا بالخوف من عدم الحصول على ما يكفي لسد حاجتهم من الطعام في الشهر الأخير.

وربط مسؤول أمني ارتفاع الأسعار بما وصفه باحتكاكات في الشوارع، وأضاف “مازلنا في البداية وسيكبر هذا الأمر”، وقال “لا يوجد مبرر بالطبع لأي جريمة. لكن ثمة أمورا كثيرة كنا معتادين في الأيام العادية على اعتبارها مخالفة والآن نغض الطرف عنها لتسيير الأمور”.

وقد غذت الأزمة التوتر واستهدفت الاحتجاجات النخبة الحاكمة والبنوك التي جمدت مدخرات المودعين في الوقت الذي أصبح فيه الدولار عملة نادرة، وأقامت بعض البنوك حواجز معدنية لحمايتها من الاعتداء وحذت حذوها المتاجر الفاخرة في وسط بيروت.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي تم العثور على مدير بأحد البنوك اللبنانية الكبرى مقتولا بالقرب من بيته في إحدى ضواحي بيروت رغم أن الدافع وراء الجريمة لم يتضح.

ومع ذلك ذكر العقيد جوزيف مسلم رئيس شعبة العلاقات العامة بقوى الأمن الداخلي إن مقارنة جرائم العام الحالي بالأعوام السابقة لا تظهر بالضرورة ارتفاعا عاما في الجريمة، وأضاف أنه رغم أن الانهيار الاقتصادي أثر على العنف فإن “الأمن تحت السيطرة”.

إلى أين الاتجاه؟

سبب الحديث عما يثار اليوم في لبنان الغارق في أزمة اقتصادية مالية مصيرية، من دعوات للاتجاه شرقاً وقطع العلاقة مع أميركا والغرب يهدف لمعالجة تلك الأزمة. والحقيقة أن ليست أميركا ولا أوروبا من يتحمل مسؤولية هذه الأزمة. وهذا ما ينبغي تأكيده منذ البداية. فلبنان كان يتمتع بموارد مالية ضخمة وودائع واحتياطات في مصرفه المركزي عجزت دول أخرى غنية عن توفيرها، لكن الفساد والهدر اللذان ميّزا سلوك السياسيين الخارجين من الحرب إلى السلطة، أديا إلى سرقة موصوفة لودائع اللبنانيين وغيرهم في المصارف اللبنانية، وإلى التمادي في وضع اليد على أملاك الدولة وهدر مواردها في التهريب والامتلاك واستنزاف الواردات الضريبية.

لقد وضعت الحكومات المتعاقبة يدها على موجودات المصارف وهي ملكُ المواطنين، بوصفها ديوناً لإنجاز مشاريع إعمارية وإنتاجية، لكنها أضاعتها في خدمة زبائنية مذهبية وطائفية، وتكديساً لثروات هائلة باتت حديثاً يومياً للناس المغلوب على أمرهم.

هل من بارقة أمل

هذا وأكد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رئيس “تيار العزم” نجيب ميقاتي، أن لبنان يمر بأوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة تقتضي العمل على معالجة تداعياتها بدلا من النقاشات غير المجدية والتي لا طائل من ورائها، وأن البلاد لا يمكن أن تنجر إلى أي فتنة طائفية أو أهلية أو مذهبية.

وقال ميقاتي، وهو أيضا عضو بمجلس النواب، على أنه من مؤيدي التحاور دائما بين جميع اللبنانيين، غير أن جلسات الحوار الرئاسية التي عقدت منذ شهر سبتمبر وحتى الأيام  الماضية، وما جرى الاتفاق عليه من مقررات خلالها، لاسيما في الشق الاقتصادي، لم يُترجم عمليا.

وأضاف: “الحكومة الحالية تقول إنها حققت 97% من برنامجها خلال أول 100 يوم، وقد مضى على تشكيلها 132 يوما، أي أنه في حساباتها حققت 127% من مهاماتها، وبالتالي فلا ضرورة لأن نجهد أنفسنا بالذهاب إلى الاجتماع الرئاسي”.

وشدد على أنه من غير المقبول “تخدير اللبنانيين” بعقد مثل هذه الاجتماعات لاسيما وأنه لا يُعرف بشكل مسبق جدول أعمالها، وفي ظل ظروف اقتصادية وفقر شديد أصبح يدق أبواب جميع اللبنانيين، معتبرا أنه كان يتعين على رئيس الجمهورية أن يعقد مشاورات ثنائية مع مختلف الأطراف قبل الدعوة للاجتماع، لاستشراف المُناخ العام بحيث ينعقد اللقاء في ظل اتفاق مسبق على الخطوط العريضة لما سيتم إقراره.

لا يمكن للمتابع للشأن اللبناني أن يتبين كيف يمكن للساسة في لبنان أن يتغلبوا على مشاكلهم الطائفية والسياسية في ظل هذه الأزمات المتتالية، وحتى الآن لا توجد بارقة أمل للخروج من الأزمة.

.