طقوس رمضان تحت الحظر

عاطف عبد العظيم

تختلف الأجواء في شهر رمضان الحالي، عن غيره من الأعوام السابقة، نظرا لأزمة تفشي فيروس “كورونا” التي تضغ الكثير من طقوس المسلمين في الشهر الكريم تحت الحظر.

ويفرض التباعد الاجتماعي، إلغاء الكثير من مشاهد الاحتفال بأكثر الشهور قدسية لدى نحو 1.8 مليار مسلم، ويؤثر سلبا على شعائر دينية، ومظاهر اجتماعية صمدت على مدار قرون.

في الشرق الأوسط، من السعودية إلى المغرب، مروراً بمصر أو لبنان أو سوريا والعراق، حيث فرضت تدابير العزل، تدعم الهيئات الدينية في معظم الأحيان تطبيق القيود الصحية الصارمة.

وبصورة استثنائية هذه السنة، دعت منظمة الصحة العالمية بوضوح إلى “إلغاء التجمعات الاجتماعية والدينية”، بما في ذلك “في الأماكن المرتبطة بالأنشطة والفعاليات الرمضانية، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمتاجر”.

لكنها أوضحت أن ذلك لا يعفي المسلمين “الأصحاء” من الصيام “كما فعلوا في السنوات السابقة”

رمضان بلا عمرة

وفي الخليج تحديدا، يبدو تراجع مظاهر الاحتفاء بقدوم رمضان، مع استمرار الحظر الكلي في بعض المناطق، وتوقف حركة السفر، وبالتالي تغيير العادات والتقاليد الراسخة في الشهر الكريم.

وتشهد السعودية وجها مغايرا في رمضان مع توقف موسم العمرة هذا العام وغياب ملايين المحتشدين عن الحرم، إذ تشير إحصائيات وزارة الحج والعمرة السعودية إلى أن 7.5 مليون أجنبي أدوا العمرة في رمضان، العام الماضي، يضاف إليهم ملايين المعتمرين من الداخل.

وتفتقد مساجد المملكة، للمصلين، خاصة في الحرمين الشريفين، المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك بعد وقف صلاة الجماعة والتراويح، ووقف الطواف حول الكعبة المشرفة.

ومع الأزمة الاقتصادية التي خلفها الفيروس، وتوقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية، ستختفي موائد الرحمن والعزائم والولائم في المملكة، وتجمعات الإفطار الرمضاني للعمالة الوافدة.

عادات محاصرة

سيفتقد الخليجيون أيضا عادة “الشعبنة” التي تقام قبل يوم من بدء شهر رمضان المبارك، حيث تجتمع الأسر في منزل كبير العائلة للاحتفاء بقدوم شهر الصوم، مع مجموعة كبيرة من أطباق المأكولات والحلويات.

وسيجبر “كورونا” دول الخليج على إلغاء طقوس متعارف عليها، من أبرزها “القرقيعان”، الذي كان يقام في أيام الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من شهر رمضان، حيث يخرج الأطفال إلى الشوارع في كرنفال كبير يطوف بيوت الأقارب والجيران، ويرددون أناشيد رمضان، لتفتح لهم ربة المنزل وتعطيهم الحلوى والمكسرات.

ويلاحق الحظر وإجراءات التباعد الاجتماعي عادة “الغبقة”، وهي إحدى العادات العريقة لدول الخليج؛ حيث تتعازم الأسر الخليجية على موائد الطعام بعد صلاة التراويح، خصوصا في العشر الأواخر من الشهر الكريم.

مدفع الإفطار

ولم يسلم مدفع الإفطار هو الآخر من تأثيرات “كورونا”، حيث سيكون من الصعب حدوث تجمعات في الكويت عند مدفع الإفطار الذي يقع قرب سوق المباركية التراثي في قلب العاصمة.

ومن المظاهر التي ستغيب كذلك، الديوانيات التي تجمع مجالس الكويتيين وتكون عامرة بالرواد وتقام فيها حفلات الإفطار الجماعي.

وسيفتقد العمانيون فرصة تجمع أفراد العائلة في بيت الأكبر سنا على مائدة الإفطار، وتبادل أطباق الإفطار بين الجيران، وكذلك سيتم افتقاد أسواق “الهبطات” التي تعرض جميع الاحتياجات اللازمة لعيد الفطر.

وفي الإمارات، تسببت تدابير مكافحة “كورونا” هذا العام في إلغاء المهرجانات الرمضانية، التي تنصب الخيام لعرض البضائع والمنتجات المختلفة.

وفي البحرين، سيسمح بإقامة صلاة تراويح شهر رمضان في أحد مساجد العاصمة، لكن لعدد محدود، كذلك سيسمح بصلاة الجمعة في مسجد الفاتح بحضور الخطيب وعدد محدود من المصلين لنقل الخطبة والصلاة عبر أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، وتحت رقابة الجهات الصحية المختلفة.

غياب المسحراتي

أما المسحراتي وهو أحد المظاهر التراثية لشهر رمضان في مختلف الدول العربية والإسلامية، فقد يكون من الصعب استمرار عمله بالتجول ليلا، خاصة في ظل سريان إجراءات الحظر.

وفي بعض الدول مثل مصر، يتجمع الصغار والكبار حول “المسحراتي” الذي يطوف الشوارع وهو يضرب دفه، إيذاناً بدخول وقت السحور، مرددا “إصحى يا نائم، وحد الدائم”.

كذلك قد تتسبب الضائقة الاقتصادية التي خلفها الفيروس، وتوقف حركة الكثير من النشاط الاقتصادي، في التأثير سلبا على عادات المصريين في هذا الشهر، من شراء الفوانيس، وإقامة موائد الرحمن، وصنع الكحك والبسكويت.

ويبدو كبار السن أكثر المتضرريين من إجراءت الحجر الصحي، بما يمنع الزيارات والمعايدة، على أن يتم الاكتفاء بالاتصالات الهاتفية بدلاً من السلام باليد والتقبيل الذي بات من المحظورات.

إلغاء الاعتكاف

وتحظى العشر الأواخر من رمضان بقدسية خاصة لدى عموم المسلمين، خاصة أنها تحتضن ليلة القدر، التي اختصها الله بنزول كتابه المقدس (القرآن الكريم) على نبيه “محمد” صلي الله عليه وسلم.

ولتجنب الإصابة بالعدوى، سارعت دول عربية وإسلامية إلى وقف إحياء العشر الأواخر بالاعتكاف وصلاة التهجد، كذلك ستغيب الاحتفالات بغزوة بدر الكبرى يوم 17 رمضان، وليلة القدر في السابع والعشرين من الشهر ذاته.

وستغيب أجواء الاعتكاف والصلاة لاسيما الفجر والتراويح، في المسجد الأقصى، التي كانت تشهد حضور مئات آلاف المصلين من القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني.

جدل الصيام

أما فريضة الصوم نفسها، التي تعد ركنا من أركان الإسلام، فقد طالها نصيب من تداعيات “كورونا”، وسط دعوات مثيرة للجدل لترك الصوم هذا العام للوقاية من كورونا.

وتشهد وسائل الإعلام وساحات التواصل الاجتماعي رواج آراء جدلية حوال جواز رفع فريضة الصوم هذا العام، بدعوى أن ما يسببه الصوم من جفاف في الحلق يمكن أن يجعل الإصابة بالفيروس أكثر خطورة.

وقد طالب رئيس طاجيكستان، “إمام علي رحمن”، المزارعين بالإفطار في رمضان، ثم قضاء الصوم لاحقا، للحفاظ على صحتهم وإنتاجيتهم.

لكن لجنة البحوث الفقهية في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، حسمت الجدل بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، بالتأكيد على غياب وجود أي دليل علمي حتى الآن على وجود ارتباط بين الصوم والإصابة بـ”كورونا”.

تغير شهر رمضان جملة وتفصيلا عن الأعوام السابقة، وستسطر في التاريخ وقائع وقف الصلوات والجمع والعمرة والتراويح والاعتكاف، وربما صلاة العيد، بسبب جائحة “كورونا”.

رمضان حول العالم

وأقرت السلطات في تونس واليمن والأردن والعراق وفلسطين، تقليص ساعات حظر التجوال الجزئي الوقائي المقرر للحد من تفشي الوباء ما سمح للبعض بالتسوق بعد أن تم السماح لبعض القطاعات التجارية بالعمل.

أما إيران، الدولة الأكثر تضررا من الوباء في الشرق الأوسط، قد عادت أسواق العاصمة طهران إلى النشاط كأن شيئا لم يكن، ففي حين فتحت السلطات بعض النشاطات الاقتصادية دعا المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي مواطنيه إلى تجنب التجمعات بدون “إغفال الصلاة”.

وبالمثل أوصت مديرية الشؤون الدينية (ديانت) في تركيا بالصوم والصلاة في المنزل. كما تم حظر موائد السحور والإفطار الجماعية في جميع أنحاء البلاد بالإضافة إلى منع السكان بتقديم تبرعات للمسحراتية الذين يجوبون الشوارع لإيقاظ الناس من أجل تناول طعام السحور.

وفي روسيا دعي المسلمون للصلاة في المنزل. وكذلك في كوسوفو وألبانيا حيث أغلبية السكان مسلمون، دعي السكان إلى إقامة الشعائر الدينية في المنزل كما هي الحال في فرنسا والنمسا وألمانيا. ولن يسمح بصلاة الجماعة سواء في بلغاريا أو في البوسنة.

في ألمانيا أيضا، حيث لا تزال المساجد مغلقة على الرغم من الرفع التدريجي للقيود في الأسابيع المقبلة، أعدت أماكن العبادة في برلين “تلاوة القرآن” و”الصلوات” و”الخطب عبر الإنترنت”. وسيطبق الأمر نفسه في هولندا التي لا تفرض العزل الكامل، حيث ستبث صلاة رمضان عبر الانترنت.

أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يستعد السنغال حيث أكثر من 90 بالمئة من السكان مسلمون، لرمضان غير عادي مع حظر صلاة الجماعة وإغلاق المساجد. وبالتالي، سيُحرم السنغاليون من أداء صلاة النافلة بعد الإفطار خارج بيوتهم. هذا عدا عن إلغاء الفعاليات الدينية الكثيرة التي تنظم خلال هذا الشهر.

وفي آسيا، حيث يعيش أكثر من مليار مسلم، يصعب فرض وتنفيذ إجراءات السلامة الصحية، وأحياناً يكون للشعائر الدينية الأسبقية على أي اعتبار آخر.

أما في باكستان، فقد أقنع الأئمة السلطات بعدم إغلاق المساجد. وليلة بعد أخرى، سيتجمع الأصدقاء والعائلات حول مائدة الإفطار. لكن الأمر يبدو في غاية الخطورة في البلد الذي سجل ارتفاعا في عدد الإصابات بالفيروس التاجي المستجد وصل إلى أكثر من 10 آلاف حالة.

كذلك في بنغلادش، ضربت الشخصيات الدينية بتوصيات السلطات الصحية عرض الحائط. ففي حين دعت الحكومة إلى الحد من التجمع داخل المساجد، ردد إمام ينتمي إلى إحدى جمعيات الأئمة الرئيسية في البلاد أن “الإسلام لا يجيز فرض قيود على عدد المصلين”.

وفي إندونيسيا حيث يذهب الملايين إلى بلداتهم وقراهم بعد رمضان، حظرت الحكومة السفر خوفًا من ازدياد الإصابات بكوفيد-19 على نحو هائل.

ورغم أنه من المؤكد أن رمضان هذا العام سيخلو من العزائم والولائم وموائد الرحمن، لكنه يشهد دعوات متزايدة لتوفير الطعام ونفقات الولائم، والتبرع بها لغير القادرين، ودعم مستشفيات العزل الصحي، ومساندة مرضى “كورونا”، والتضرع إلى الله بأن يرفع البلاء عن أهل الأرض.

.