شيفرة “القسام” و العبور الأول

سوسن مهنا

لفتت قوة حركة “حماس”، العسكرية واللوجيستية، أنظار العالم في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، واستهدفت جنوب إسرائيل، موقعة خسائر في الأرواح والممتلكات، بل ووضعت “سمعة” الجيش الإسرائيلي كواحد من أقوى جيوش العالم، على المحك، وفق محللين عسكريين.

واعترف قادة عسكريون إسرائيليون سابقون وحاليون، بقوة “حماس” غير المتوقعة، وقال مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تساحي هنغبي، خلال مؤتمر صحافي إن التقييم الخاطئ بين أجهزة الاستخبارات، كان القاسم المشترك بين جميع الأجهزة الأمنية في تل أبيب، مضيفاً أنه “ما من شك في أن إسرائيل لم تقم بمهمتها”، ونفى هنغبي صحة التقارير التي تحدثت عن أن مصر نبهت إسرائيل مسبقاً في شأن الهجوم، على رغم أن هنغبي نفسه تحدث في لقاء إعلامي قبل أيام قليلة من “الهجوم”، عن عدم قدرة “حماس” على مهاجمة إسرائيل.

وأشارت تقارير إلى تلقي رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شين بيت” معلومات استخباراتية قبل الهجوم وصفت بأنها “غير عادية”، إذ أفاد المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” ألون بن ديفيد، أنه في الليلة ما بين الجمعة والسبت، قبل ساعات من “هجوم حماس”، تلقى الجيش معلومات استخباراتية حول الأحداث المحيطة بالسياج وحركة كبار مسؤولي “حماس”، وأدت هذه المعلومات إلى إجراء مكالمات ومشاورات هاتفية مع كبار ضباط الجيش في منتصف الليل، لكن الرد جاء أنه سيتم إجراء تقييمات إضافية للوضع في وقت لاحق من الصباح.

بينما قالت مراسلة الشؤون السياسية الإسرائيلية غيلي كوهين، إنه قبل ساعات من هجوم “حماس”، كشف عن نشاط غير عادي، ولكن بعد مناقشات على المستوى العسكري، فسر الحدث “بتدريب”.

من أين تأتي قوة “حماس”؟

ويستعرض تقرير لشبكة “سي إن إن” ترسانة الأسلحة التي استخدمتها “كتائب القسام” الجناح العسكري لـ”حماس”، في هجومها الأخير، فيقول إن “صواريخ محلية الصنع، وبنادق AK-47 معدلة، ومدافع رشاشة سوفياتية عمرها عقود، تتشكل منها ترسانة حماس الفتاكة التي غذت هجوماً مدمراً ومتعدد الجوانب على إسرائيل”.

وتبعاً لتحليل العشرات من الصور ومقاطع الفيديو لمسلحي “حماس” خلال الهجوم المفاجئ، للتعرف على الأسلحة المستخدمة لقتل ما لا يقل عن 1300 شخصا في إسرائيل، أشار المحلل العسكري الأميركي الرائد المتقاعد مايك ليونز، إلى أن عديداً من الأسلحة تبدو وكأنها روسية أو صينية معدلة، يفترض أنها تركت في ساحة المعركة في العقود الماضية، ووصلت في النهاية إلى “حماس”، مضيفاً كيف أن الهجوم المخطط له بشكل معقد، الذي تسلل فيه مسلحو الحركة إلى إسرائيل من طريق البر والبحر والجو، يعكس تغيراً في الاستراتيجية العسكرية الشاملة لـ”حماس”.

في المقابل، تعتقد إسرائيل أن إيران متورطة في الهجمات، وفي مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الأميركية، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل هرتسوغ، إن القيادة في تل أبيب تشتبه في وجود “أياد إيرانية من وراء الكواليس”، وأضاف أن “هناك ارتباطاً وثيقاً بين حماس وإيران التي تقدم الدعم المادي والتمويل والأسلحة للحركة”.

أضاف أن إيران و”حماس” “مرتبطتان بما يسمونه (محور المقاومة) أي مقاومة وجود دولة إسرائيل، وهما جزء من هذا التحالف”. وتابع هرتسوغ أنه يشتبه في تورط إيران “بالنسبة إلينا هي التي تقود هذا التحالف”.

في المقابل، أعلن المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، “أن طهران تدعم العملية العسكرية التي تشنها حركة حماس على إسرائيل”. وذكرت الخارجية الإيرانية في بيان أن “الهجوم دليل على زيادة ثقة الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل”.

بدوره، قال المتحدث باسم “حماس” غازي حمد، لقناة “بي بي سي”، رداً على سؤال عن حجم الدعم الإيراني الذي حصلت عليه “الحركة”، “أنا فخور بأن هناك عديداً من الدول تساعدنا، إيران تساعدنا، ودول أخرى تساعدنا، سواء بالمال أو بالسلاح أو بدعم سياسي، لا بأس أن نفعل ذلك”. وكان صدر نفي إيراني لأي تدخل مباشر في الهجمات الأخيرة لـ”حماس”.

أسلحة “القسام”

وأظهر تقرير “سي إن إن” مدفعاً رشاشاً من طراز DShk سوفياتي الصنع، وهو من عيار 0.50 ميليمتر، عدل وجهز ليناسب شاحنة صغيرة، وهنا اعتبر الرائد المتقاعد مايك ليونز أن هذا السلاح يتطلب عادة شخصين، أحدهما لتزويد البندقية بالرصاص والآخر لإطلاق النار، لكن بحسب اعتقاده أن هذا السلاح عدل، لتسهيل تشغيله بواسطة مقاتل واحد.

وعادة ما يستخدم هذا المدفع لاستهداف المركبات والطائرات العسكرية، إذ يمكن تزويده بذخائر مضادة للدروع، ويركب عادة على حامل ثلاثي الأرجل أو مركبة مدرعة ويستخدم كسلاح دفاعي في القتال. وقال ليونز “إن مقاتلي حماس لا يحتاجون إلى معدات متطورة لتكون فتاكة، إنهم فقط في حاجة إلى خلق الرعب”.

البندقية الآلية “إيه كيه -47”

وكان المهاجمون في عديد من الصور التي عرضتها “الشبكة” يحملون بنادق AK-47 وهو السلاح الذي ظهر كثيراً في أيدي مقاتلي “حماس”. ويرى المتخصصون العسكريون أن مميزات تلك البندقية تتمثل في خفة وزنها وسهولة استخدامها ومن السهل العثور عليها، وهي البندقية الهجومية المفضلة لدى الجماعات المسلحة، وأشار رئيس دراسات حرب المدن في “معهد الحرب الحديثة” بأكاديمية “ويست بوينت” العسكرية بالولايات المتحدة جون سبنسر، إلى أن البندقية خضعت لتعديلات طفيفة غير احترافية، لتصبح أكثر فاعلية وأسهل في التعامل.

ومن المحتمل أن تكون بعض تلك البنادق، وفقاً لعدد من المتخصصين، أسلحة سوفياتية قديمة تركتها الولايات المتحدة أثناء حربها على أفغانستان في الثمانينيات، والبعض الآخر عبارة عن أسلحة صينية قديمة، وربما جاء البعض من العراق، حين اشترى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الآلاف منها، كما أن عدداً كبيراً من تلك الأسلحة الخفيفة، اخترقت السوق السوداء آتية من ليبيا في العقد الأول من القرن الـ 21.

الصواريخ

الإعلام العسكري لحركة “حماس” تباهي بترسانة أسلحته ومعداته الجديدة التي استخدمت للمرة الأول في “هجوم السابع من أكتوبر” وأبرزها المظلات، إذ قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت، إن المقاتلين الفلسطينيين تسللوا “بالمظلات” بحراً وبراً.

ووفقاً لتقرير “سي إن إن” اعتمدت “حماس” منذ وقت طويل على الصواريخ في خوض معارك عادة ما تكون غير متكافئة مع إسرائيل، لكن في ذلك النهار، السابع من أكتوبر، قالت الفصائل الفلسطينية إنها أطلقت ما يقارب خمسة آلاف صاروخ، في حين ردت تل أبيب بقولها إن نظام الدفاع الجوي أو “القبة الحديدية” اعترضت معظمها، وأظهرت بعض المشاهد التي انتشرت عبر المواقع، بقايا صواريخ تابعة لـ”القسام” أو “سرايا القدس” غير منفجرة، وفقاً للباحث البريطاني مدير موقع “كاليبر أوبسكورا”، وهو موقع إلكتروني متخصص في التعرف على الأسلحة، وبحسب الباحث البريطاني فإن غالبية تلك الصواريخ تصنع محلياً بطرق بدائية، نظراً لصعوبة تهريبها للقطاع، وذلك لكبر حجم البعض منها، وما زالت طريقة تصنيع الصواريخ غير معروفة، علماً أنه في معارك سابقة صنعت “حماس” صواريخ من أنابيب مياه قديمة.

وقدم القيادي في “حماس” المقيم في لبنان علي بركة تفاصيل عن تصنيع أسلحة الحركة خلال حديث إعلامي، قائلاً، إن “لدينا مصانع محلية لكل شيء، للصواريخ التي يصل مداها إلى 250 كيلومتراً، و160 كيلومتراً، و80 كيلومتراً، و10 كيلومترات، ولدينا مصانع لقذائف الهاون ومصانع للكلاشينكوف ورصاصها. ونحن نصنع الرصاص بإذن من الروس”.

وفي حديث آخر لوكالة “رويترز”، قال إن “الحاجة أم الاختراع”، متمسكاً بأن الحركة تعتمد منذ فترة طويلة على المال والتدريب من إيران ووكلائها الإقليميين مثل جماعة “حزب الله” اللبنانية بينما تعزز قواتها في غزة، وذكر بركة، أن صعوبات استيراد الأسلحة جعلت الحركة خلال السنوات التسع الماضية “تطور قدراتها وأصبحنا قادرين على التصنيع محلياً”، مشيراً إلى أنه في حرب غزة عام 2008، كان الحد الأقصى لصواريخ “حماس” هو 40 كيلومتراً، لكنه ارتفع إلى 230 بحلول صراع عام 2021.

وقال مصدر مقرب من “حماس” في قطاع غزة “إنهم جيش مصغر”. وأضاف أن الحركة لديها أكاديمية عسكرية لتدريب مجموعة من التخصصات بما في ذلك أمن الفضاء الإلكتروني، ويضم جناحها العسكري البالغ قوامه 40 ألف عنصر، وحدة قوات خاصة “كوماندوز” بحرية.

ويشير موقع “غلوبال سيكيوريتي” إلى أنه لم يكن لدى “حماس” في التسعينيات سوى أقل من 10 آلاف مقاتل. وبدوره، لفت مصدر أمني إقليمي رفض الكشف عن اسمه، الانتباه إلى أنه منذ مطلع القرن الـ 21 عمدت الحركة إلى بناء شبكة أنفاق أسفل غزة لمساعدة المقاتلين على الاختفاء، وتصنيع الأسلحة وجلب العتاد من الخارج.

وذكر مسؤولون في “حماس”، أن الحركة حصلت على مجموعة من القنابل وقذائف المورتر والصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، وفقاً لـ”رويترز”.

يشار إلى أنه بعد حرب غزة الأخيرة عام 2021، تمكنت “حماس” وحركة “الجهاد الإسلامي” من الاحتفاظ بما يصل إلى 40 في المئة من مخزونهما الصاروخي، ما يعد هدفاً رئيساً للإسرائيليين، ووفقاً لـ”المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي” غير الربحي ومقره واشنطن، أنها احتفظت بنحو 11750 صاروخاً مقارنة مع 23 ألفاً قبل الصراع.

“رجوم”

كانت كتائب “القسام” نشرت مشاهد من منظومة الصواريخ التي افتتحت فيها هجومها الأخير، منها منظومة “رجوم” الصاروخية، وهي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 ميليمتراً هدفها تأمين غطاء ناري للمقاتلين، وسبق أن استخدمت الفصائل تلك المنظومة لعبور عناصرها إلى المواقع العسكرية والداخل الإسرائيلي، وقالت “القسام” إن “رجوم” استخدمت في التمهيد الناري لعبور عناصرها إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية ضمن الهجوم الأخير.

مسيرات “الزواري”

واستخدمت أيضاً وحدة “سرب صقر” وهي طائرات مظلية ساعدت على التسلل الجوي إلى جنوب إسرائيل، وبدأت الهجوم بإنزال جوي نفذته فرقة “سرب الصقر” المظلية، التابعة لكتائب “القسام، واستخدمت في الإنزال مظلات مزودة بمحرك طاقة، وإمكانية تحكم تجعلها قابلة للانطلاق من الأرض، وتستطيع التحليق لثلاث ساعات.

ويساعد المحرك على إعطاء المظلة قوة دفع تصل إلى نحو 56 كيلومتراً في الساعة، إضافة إلى هذا، استعملت الفصائل لأول مرة المسيرات الانتحارية، التي أطلقت عليها اسم “الزواري”، نسبة إلى أحد قادتها محمد الزواري، ونشرت الحركة عبر إعلامها العسكري، مقطعاً ترويجياً لتلك المسيرات.

وقالت “حماس”، في بيان، إن تلك الطائرات شاركت في اللحظات الأولى لعملية السابع من أكتوبر، إذ شنت 35 دروناً انتحارية من طراز “الزواري” هجمات في جميع محاور القتال. واستهدفت “القسام” رشاشاً إسرائيلياً المعروف باسم “يرى ويطلق” شرق قطاع غزة باستخدام طائرة عمودية “مسيرة”، كما ظهرت صواريخ “كورنيت” الروسية الصنع، إذ استخدمت في تدمير مدرعة “النمر المدولبة” الإسرائيلية، ونشر الإعلام العسكري مقطع فيديو يوثق عملية تحديد موقع العربة واستهدافها، ما أسفر عن تدميرها.

كما كشف ولأول مرة عن منظومة دفاع جوي محلية الصنع من طراز “متبر 1” استخدمتها “القسام” في التصدي للطائرات الإسرائيلية وهي عبارة عن صواريخ “أرض – جو” محلية الصنع.

إلى ذلك كشفت “القسام” عن قذيفة “الياسين” محلية الصنع المضادة للدروع من عيار 105 ميليمترات، وهي قذيفة ترادفية ذات قدرة تدميرية عالية، ودخلت الخدمة خلال هجوم “حماس”.