شباب العرب .. بين التأقلم والانتماء

جمال العربي

من أهم المعضلات التي تواجه الشباب العربي في الغرب هي ضياع الهوية أو انصهارها من طرف واحد مع الهوية الغربية، بمعنى أن يفرط الشاب بهويته إرضاء للآخر الذي يرفضه أصلا.

إن موضوع الشباب والغرب يطرح قضية من أكثر القضايا حساسية ومن أكثرها واقعية ومن أخطرها مستقبليا، لأن المسألة تتصل بالشباب، الذي يمثل الطليعة الإنسانية التي بدأت حركة النمو في الحياة، من أجل أن تكون قاعدة الريادة والقيادة والإنتاج في المستقبل، لتخلف جيل الآباء والأجداد الذين عاشوا تجربتهم السلبية في حركتهم في الماضي، الذي يطل بكل أثقاله على الحاضر، ليترك تأثيراته على صناعة المستقبل.

هؤلاء الشباب تواجههم مشكلة التعايش بين ثقافتين، ثقافة الآباء وثقافة العالم الجديد الذي يعيشون فيه، مع ثقافة الآباء التي قد تكون تقليدية تبعا لمجتمعها، ومع الثقافة الجديدة المنفتحة بلا حدود.

وهنا ليس من الضروري أن يكون فهم الشباب للحياة الجديدة ما فهمه الأولون، وأن تكون حاجاتهم هي حاجات آبائهم، لأن التطور قد يصنع للإنسان حاجات جديدة، أو تكون أخلاقهم الاجتماعية هي نفس أخلاق المجتمع السابق.

لكن يجب على الشاب مراعاة الثوابت الأصيلة، لأن الغرب يتميز بفلسفته المادية البعيدة تماما عن أخلاقيات الفلسفة الإسلامية.

من الضروري على الشاب العربي أن يدخل في عملية مقارنة بين الفكر الذي ينتمي إليه، وبين الفكر الغربي الذي فرضه عليه واقعه المعاش.

وإذا كان الغرب يمثل القوة العملية الكبيرة والتقدم التكنولوجي الواسع، فإن علينا أن نفرق بين مفردات العلم في حركة الحضارة ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الإنسان في علاقته بالله وفي نفسه وبالحياة، فلا نرى في النمو المعرفي والعلمي دليلا على صحة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك وفي معاني الروح والوجدان، بل يجب دراسة كل قضية بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيوية على الواقع.

ثم لا بد من دراسة مسألة الحريات الإنسانية في أكثر من جانب، فلا يجوز الانفتاح عليها من البعد الواحد الذي يمثل الحالة الفردية للإنسان، بل لا بد من التأمل الواعي للجانب الفردي والمجتمعي والعنصر المادي والروحي.

هذا التناقض بين الفهم للحريات على إطلاقها، وأين يجب أن تقف هذه الحريات، يخلق شرخا كبيرا ليس في شخصية الشاب، بل في معتقده أحيانا بسبب عدم الفهم الواعي لحدود الحريات.

المجموعات العربية والإسلامية بالخارج مطالبة بتفهم الظروف الجديدة التي يعيشها الشاب هناك، قبل أن تصف له العلاج الناجع الذي يبقيه متصلا بمجتمعه وعاداته، دون أن تؤثر على حياته وواقعه الذي يعيشه في وسط لا يعترف بالحدود، ويرى أن الحرية هي أي شيء، حتى لو خسرت كل شيء !!.

.