تونس تحت الضغط السياسي

إبراهيم بدوي /

يبدو أن الدبلوماسية الجديدة التي تسلكها تونس بعد 25 يوليو (تموز) 2021، جعلت البلاد تعيش لأول مرة مخاوف من حصار دبلوماسي حقيقي، تقوده بعض البلدان التي يرى قيس سعيد وبعض المراقبين أنها تتدخل في الشأن الداخلي لتونس. ويقول مراقبون إن المؤشرات التي تقود إلى الاعتقاد بأن تونس قد تعيش مضايقات خارجية عديدة، بسبب قرارات قيس سعيد الاستثنائية وتصريحاته المستمرة بأن البلاد دولة ذات سيادة ولا يحق لأحد التدخل في شؤونها، أو تصريحاته المتهكمة على المؤسسات المالية الدولية، وأولى هذه المؤشرات هي تأجيل القمة الفرانكفونية التي كانت ستعقد في جربة التونسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بإيعاز من فرنسا وكندا.

المؤشر الآخر هو اجتماع الكونغرس الأميركي المخصص لتونس الذي عقد منذ يومين الذي أثار حفيظة الرئيس التونسي فاستدعى على أثره سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى تونس إلى قصر قرطاج. وأبلغ سعيد، السفير الأميركي دونالد بلوم استياء الدولة من إدراج الأوضاع في تونس في جدول أعمال الكونغرس الأميركي.

عمق أفريقي متوسطي عربي

من جهة أخرى يرى المحلل السياسي مراد علالة في تصريح خاص “محاصرة تونس دبلوماسياً ليس بالأمر الجديد هي كانت محاصرة قبل الثورة وبعدها بالخصوص” مضيفاً “المحاصرة تشتد عندما تضعف الجبهة الداخلية وتتأزم الأوضاع، و هنا لا بد من احترام قواعد اللعبة، فمن يؤسس لعلاقات دولية مع الأصدقاء والشركاء في الخارج لا بد أن يكون مستعداً للضغط وللإكراهات والإملاءات وللمزايدات، وإلى كثير من الممارسات التي ترتقي أحياناً إلى التدخل المباشر الفج”.

ويفسر علالة “يعود هذا ربما إلى الموقع الاستراتيجي لتونس، فتونس تتوسط المتوسط ولها عمقها الأفريقي المتوسطي والعربي والانفتاح على أوروبا، لها أيضاً شراكات تاريخية من خلال الحضور في المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد من أجل المتوسط والمنظمة الفرانكفونية فتونس من بين المؤسسين لها”،  بالتالي طبيعي جداً، بحسب علالة، بأن “تكون تونس عرضة في كل المعارك التي تخاض داخل أو حول هذه المنظمات”.

ويواصل “الجبهة الداخلية عندما تضعف وتعصف بها الأزمات تعرض البلد إلى الخطر، هذه الأيام الجميع ينظر إلى تونس و كأنها جسم عليل يمكن السيطرة عليه”، لكن حسب تعبيره “مهم جداً أن نقبل بالانتقادات مثلما ننتشي بعبارات الإعجاب، لكن من دون المس بطبيعة الحال من مقومات السيادة التونسية”.

كما يرى علالة أنه “يجب الانتباه إلى أن التنافس على أشده بين الطيف السياسي الفرنسي وطبيعة الحال العلاقات الدولية لفرنسا، بخاصة مع ما تسمى بمستعمراتها القديمة هي في المزاد الانتخابي، وهذا ما يفسر تدخلها في الشأن التونسي”، مواصلاً “بالتالي نفهم أن ما حصل في تأجيل القمة الفرانكفونية فيه ما هو متعلق بتونس وفيه ما هو متعلق بفرنسا أو بدول أخرى، كدولة مالي والنيجر وعديد من الدول التي تمر بأوضاع داخلية خاصة”.

السيادة الوطنية

ويرى علالة أنه “ليس من حق الكونغرس الأميركي أو أي برلمان من برلمانات العالم أن يناقش ملف أي دولة مستقلة ذات سيادة، وأن يتكلم باسم الشعب” كما يطالب علالة من البعض من أبناء بلده “الكف عن الإساءة إلى بلادهم” كما دعا أن يكون الخطاب التونسي مسؤولاً وراقياً في جميع المستويات أي على المستوى الرسمي والشعبي أو من طرف المنظمات، لكن من دون المس بالسيادة الوطنية.

من جانبه يرى الدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي، أن ما يحصل من جهة الدبلوماسية التونسية يعد أمراً صحياً، موضحاً “على الأقل أول مرة بعد الثورة يكون لتونس موقف دبلوماسي موحد وقوي، بعد ما شهدناه من دبلوماسية موازية لدبلوماسية الدولة مارسها طرف سياسي”.

من جهة أخرى يعتقد العبيدي أن اجتماع الكونغرس الأميركي لا قيمة له، مفسراً “لأن تونس دولة ذات سيادة والولايات المتحدة الأميركية لم تعد تلك القوة التي لها دور كبير في العالم” مؤكداً “على تونس أن تتوجه نحو شراكات حقيقية مع دول تحترم سيادتها، فنحن نعيش في عالم ليبرالي ولا سلطان لأي دولة على أخرى”.

هل يقصي قيس سعيد الأحزاب عن الحوار؟

واتجه الرئيس التونسي قيس سعيد نحو تنظيم حوار وطني “مع الشباب” في كل محافظات البلاد، وإن لم تُوضح حتى الآن أساليب تنظيمه وهوية المشاركين فيه، وهذا ما يدفع إلى طرح تساؤل حول جدوى هذا الحوار الذي تباينت ردود الفعل بشأنه، بين مرحب وبين من اعتبره ناقصاً وبلا جدوى إن غابت عنه الأحزاب.

وأكد سعيد أنه سيتم الإعلان لاحقاً “عن مواعيد الحوار مع التونسيين وممثلي الشباب”.

ويتوقع مراقبون أن يقصي سعيد الأحزاب السياسية عن الحوار، بخاصة تلك التي عارضت قراراته.

إلا أن النائب في البرلمان التونسي المجمد بدر الدين القمودي عن “حركة الشعب” المساندة لقرارات سعيد، يرى أن “الرئيس استعمل في خطابه عبارة الحوار مع الشباب ومع كل التونسيين والتونسيات”، موضحاً أن “الحوار قد يشمل الجميع، بخاصة من يدعمون هذا الخيار”.

لا يعتقد القمودي أن سعيد سيستبعد كل الأطراف، لأن المكونات السياسية الموجودة في الساحة هي “جزء من الواقع ويجب التفاعل معها”، قائلاً “لا يمكن تخوين أو إقصاء الجميع فهو توجه غير صائب”.

ولمزيد من النجاعة، وفق القمودي، “لا بد من الاستماع إلى الجميع لتكون هذه المشاورات ذات جدوى، وحتى تكون أعمال اللجان التي ستعيد تنظم الحياة السياسية عبر تشريعات نابعة من هذا الحوار”.

.