تدريس الإسلام فى ألمانيا … يعزز التعايش

سمير سعد الدين

 

تدريس الإسلام المعتدل في أوروبا خيار بدأت بعض الدول الأوروبية في انتهاجه واعتماده، لسدّ المنافذ أمام التطرف، ولتجسير الهوة بين الأديان وكذلك لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل المستنير.

يستمر تدريس الإسلام الحديث فى تثبيت خطاه بالجامعات الألمانية بوتيرة مستمرة، فقد زاد حجم الإقبال عليه بشكل مفاجئ.

ويؤكد المختصون الألمان أن تأثير هذا الإقبال بدأ ينتقل إلى دول أوروبية أخرى، حيث يقول “راينهارد شولتسه” أستاذ الدراسات الإسلامية فى جامعة بيرن السويسرية، “لم تحدث مثل هذه العملية فى الجامعات الأوروبية من قبل، فالإقبال على دراسة الإسلام الحديث فى ألمانيا هو إقبال غير مسبوق”.

وفي جلسة نقاش تخصصي في لجنة التعليم التابعة للبرلمان الألماني “البوندستاغ”، اتضح أن أساتذة الجامعات الألمانية على قناعة راسخة بأن تدريس علوم الدين الإسلامي سيشهدُ توسعا سريعا ومطّردا.

وقال المركز الألمانى للإعلام إنه قبل أعوام أعلنت الحكومة إنشاء تخصص دراسي لعلوم الدين الإسلامي فى ألمانيا، واليوم يرى المختصون أن هذه الخطوة بدأت تظهر أولى ثمار نجاحها، ومنح هذا التخصص مكانة متميزة لألمانيا على المستوى الأوروبي فى مجال الدراسات الإسلامية.

كما وصفت أستاذة الدراسات الإسلامية فى جامعة هامبورغ، كاتايون أميربور، هذا التخصص الدراسى بأنه “فرصة للمساواة” بين كل الثقافات والأديان.

أما ماتياس روهه، المختص بالقانون والدراسات الإسلامية فى جامعة إيرلانغن، فيقول إن تثبيت هذا التخصص جامعيا يعطى “دفعة قوية كبيرة للغاية”.

 

فرصة للمساواة

أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة هامبورغ، كاتايون أميربور، تصف هذا التخصص الدراسي بأنه “فرصة للمساواة”. أما ماتياس روهه، المختص بالقانون والدراسات الإسلامية في جامعة إيرلانغن، فيقول إن تثبيت هذا التخصص جامعيا يعطي “دفعة قوية كبيرة للغاية”. من جانبه امتدح أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، بولنت أوغار، الساسة على الصعيد الاتحادي وصعيد الولايات لاهتمامهم في السنوات الماضية بهذا الموضوع. إذن يسود بشكل غير مألوف الكثير من التفاؤل والثناء للفاعلين في المشهد السياسي الألماني.

لكن رغم ذلك ما تزال توجد بعض المشاكل المتعلقة في المقام الأول بالضوابط المنصوص عليها دستوريا. فعلى النقيض من الكنائس والجالية اليهودية ما تزال ألمانيا تفتقد حتى الآن لضوابط قانونية للتعامل مع المسلمين في ألمانيا. في الأسابيع الماضية بدأت ولايات هامبورغ وبريمن باتخاذ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه. لكن في هذين الولايتين أيضاً لم تنل الجمعيات الإسلامية واتحادات المسلمين الاعتراف بها كـ”هيئات مدنية”. ولا شك أن مثل هذه الخطوات تزيد الدعم والتعاون في هذه الاتجاه.

لكن ما تزال توجد حاجة كبيرة إلى مثل التعليم الأكاديمي منذ زمن طويل، فالحكومة الألمانية تتوقع أن توسيع الدراسات الإسلامية في ألمانيا ستوفر وظائف جديدة مثل معلم للتربية الدينية. كما أن قرابة 1000 رجل دين في ألمانيا، الكثير منهم لم ينه دراسة الأكاديمية، يقدمون إمكانية إضافية لتوسيع هذا التخصص.

 

المراكز الإسلامية

ترسيخ علوم الدين الإسلامي عام 2010 بدأ بقرار من المجلس العلمي، الذي يعد أهم هيئة استشارية في مجال السياسة التعليمية في ألمانيا، والذي تولى مسؤولية وجود الدراسات الدينية في الجامعات الألمانية لمدة ثلاث سنوات، وتطرق إلى موضوع الإسلام من خلال الكثير من المحادثات والاستشارات. “في البدء لم تكن الدراسات وعلوم الدين الإسلامي مطروحا للنقاش”، يوضح راينهارد شولتسه، المنتمي إلى مجموعة عمل المجلس. “ثم كان الأمر نتاجا منطقيا لدراسة امكانية تأسيس الدراسات الدينية الأكاديمية في ألمانيا”. وفي نهاية المطاف تكفلت آنذاك وزيرة التعليم الألمانية  آنيتا شافان “من الحزب الديمقراطي المسيحي” بمراكز الدراسات الدينية الإسلامية في أربعة أمكنة مختلفة.

ونشأت هذه المراكز بين عامي 2010 و2011 في “مونستر/ أوسنابروك” و”توبينغن” و”فرانكفورت/ غيسن” و”نورنبيغ-إيرلانغن”.

 

الانطلاق من حوار داخلي

توجد العديد من التحديات المختلفة في هذا المجال. كاتايون أميربور تراهن في هامبورغ على “أكاديمية أديان العالم”، التي تهدف إلى إدخال المسلمين أكاديميا في حوار مع المسيحيين والبوذيين والهندوس وأتباع الديانات الأخرى. ويشير الكثير من الخبراء الآخرين إلى ضرورة إجراء حوار داخلي بين طوائف الدين الإسلامي نفسه.

 

يقول طالب تركي في الفصل الدراسي الأول إن هذه الدراسة الجديدة “تعد حلما كبيرا” بالنسبة له. ومسيرة حياته توضح أبعاد هذا التخصص الدراسي فالطريق من حي نويكولن البرليني الذي يقطنه الكثير من المهاجرين، إلى أوسنابروك “كان النقلة الأولى في حياتي”. وقد شهد هذا الطالب في حيه البرليني “الكثير من الأحداث” بسبب الجهل بالدين.

ويقول “تُعطى للدين مكانة كبيرة جدا لكن لا يوجد من يعرف عنه كل شيء”. المسألة تتعلق بتكوين الهوية.

يتحدث الوزير السابق توماس راخيل عن بعد “تاريخي” ويقارن هنا بنشوء اللاهوت البروتستانتي بعد حركة الإصلاح قبل خمسة قرون تقريباً. ويرى راخيل أن علوم الدين الإسلامي ستترسخ في الجامعات الألمانية وسيتأصل بذلك في المجتمع الألماني أيضا.

ويضيف راخيل “من المثير” أن قرار تدريس علوم الدين الإسلامي في الجامعات الألمانية، له جاذبية كبيرة تنتشر سريعا بين طلاب ألمانيا وسواها من الدول الأوروبية. أما د. شولتسه فيقول إن الكثير من الطلاب يقصدون ألمانيا لدراسة هذا التخصص من الدول الناطقة بالإنجليزية وفرنسا أيضاً.

 

اترك تعليقاً