تايوان .. الحرب القادمة

أحمد الجمال /

كانت تايوان جزيرة نائية قرب الصين ثم أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الصينية والمجال الثقافي الصيني في القرن السابع عشر بعد هجرة كبيرة من سكان ساحل الصين الجنوبي، وفي نهاية القرن التاسع عشر خضعت للاحتلال الياباني، إلى أن هُزمت طوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية، فعادت تايوان لفترة وجيزة لتبعية بكين، في وقت كانت الصين تخوض حرباً أهلية مدمرة بين الحزب الشيوعي الصيني المدعوم من الاتحاد السوفييتي وحزب الكومينتانغ الوطني المدعوم من أمريكا، قبل أن يهزم الأخير في نهاية أربعينيات القرن العشرين.

وبعد انتصار الشيوعيين، فرت إلى جزيرة تايوان أعداد كبيرة من قادة حزب الكومينتانغ  وأعضائه وجنود الجيش التابع له وكذلك موظفين حكوميين ورجال أعمال وتجار، قدر عددهم بنحو مليون شخص.

وأعلنت نخبة حزب الكومينتانغ بعد سيطرتهم على الجزيرة بدعم أمريكي، أنهم حكومة الصين الشرعية، وأطلقوا على جزيرة تايوان مسمى ” الصين الوطنية” مقابل الصين الشعبية التي يحكمها الحزب الشيوعي.

وأيد العالم الغربي هذا الادعاء، معتبراً أن جزيرة تايوان التي يسكنها بضعة ملايين من الصينيين في ذلك الوقت (أغلبهم لا يجيد تكلم لغة الماندرين الرسمية في الصين وتايوان) هي الصين الشرعية، بل إنه منحها مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن.

بينما اعتبر الغرب والدول التي تدور في فلكه، أن الصين الشيوعية التي يسكنها مئات الملايين بلد منشق عن تايوان، في مفارقة أقرب للكوميديا، تظهر كيف يعطي الغرب الشرعية لمن يشاء.

ولا يعترف بتايوان، كدولة مستقلة، سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.

خسائر فادحة

خلص تحليل أجراه “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS) في واشنطن إلى أن اشتعال نزاعٍ واسع النطاق بين الصين والولايات المتحدة بشأن مستقبل تايوان سيكلِّف الولايات المتحدة خسائر فادحة في السفن الحربية والطائرات العسكرية حسب ما نشرته صحيفة The Times البريطانية.

وكان مسؤولون سابقون في البنتاغون والبحرية الأمريكية قد توقعوا معركة بحرية غير مسبوقة إذا اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين من الجهة الأخرى بشأن تايوان، وقالوا إن القوات البحرية والجوية الأمريكية واليابانية المشتركة قد يتعين عليها أن تتغلب على نحو 150 سفينة برمائية وسطحية للانتصار في هذه المعركة.

فيما أشار التحليل إلى أن الولايات المتحدة يمكنها الدفاع عن جزيرة تايوان، التي تتمتع حتى الآن بالحكم الذاتي وإن كانت بكين تعهدت بـ”توحيدها” مع البر الرئيسي الصيني بحلول عام 2050، إلا أن هذا الدفاع سيأتي بتكلفة “باهظة”.

وتوقع مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والبحرية الأمريكية، وخبراء آخرون في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الغزو الصيني للجزيرة سيؤدي في الغالب إلى خسائر فادحة للجانبين.

كما استعان خبراء مركز الدراسات بتصورٍ تخيلي يفترض اندلاع حرب بين الجانبين في عام 2026، وذهبت تقديراتهم إلى أن هذه الحرب لن يكون الفوز فيها محسوماً لأي جانب، حتى لو لم تُستخدم أسلحة نووية في الصراع.

لن تُنشر النتائج الكاملة للدراسة إلا في ديسمبر/كانون الأول، لكن النتائج الواردة عن التصور التخيلي للحرب خلال 18 جولة من أصل 22 جولة اكتملت حتى الآن، تتوقع أن تكون صواريخ الجيش الصيني قادرة على إغراق مجموعة كبيرة من سفن الولايات المتحدة واليابان المشاركة في الحرب، وتدمير المئات من الطائرات الرابضة على حاملات الطائرات.

وتشير التقديرات في “أسوأ سيناريو” للجانب الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة ستخسر 900 مقاتلة جوية وطائرة هجوم أرضي، أي ما يعادل نصف الطائرات القتالية للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، في غضون 4 أسابيع من اندلاع الحرب المفتوحة.

واستدرك مارك كانسيان، كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بالقول: “لكن الهجمات المضادة للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، والقوات المتحالفة معها، ستدمر أسطول السفن البرمائية وسفن السطح الصينية، وتتمكن في النهاية من إغراق نحو 150 سفينة”.

كما أوضح كانسيان أن “سبب الخسائر الأمريكية الكبيرة هو أن الولايات المتحدة لن تتمكن من شنِّ حملة منظمة لإسقاط الدفاعات الصينية إلا بعد الاقتراب منها إلى مسافة معينة” ويُذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية أجرت دراسة خاصة بها تضع فيها التصورات المفترضة لاندلاع حرب مع الصين بشأن تايوان، لكن نتائج هذه الدراسة لا تزال سرية.

يذهب سيناريو الحرب الذي وضعه مركز الدراسات الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة ستتدخل في النزاع مع الصين إذا أقدمت الأخيرة على غزو تايوان. وقال كانسيان لصحيفة The Times البريطانية إن التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين مؤخراً تتضمن بعض القدرات التي استعان بها تحليل مركز الدراسات في تصوره للحرب.

وتتمكن الولايات المتحدة واليابان وتايوان، في جميع السيناريوهات تقريباً، من منع القوات الصينية في النهاية من احتلال الجزيرة بأكملها، لكن ذلك يأتي بتكلفة باهظة، ويقول كانسيان إن”إعادة بناء القوات الأمريكية بعد هذه الحرب سيستغرق سنوات طويلة بسبب انخفاض معدلات الإنتاج. وقد تستغل دول أخرى، مثل روسيا وإيران، ضعف الولايات المتحدة” لتحقيق مآربها.

ويخلص كانسيان في الختام إلى أن “الولايات المتحدة يجب عليها تعزيز قوتها بما يكفي لردع الصين أو الانتصار في الحرب دون استنزاف كبير لقوتها”.

.