تأملات حول مؤتمر ليبيا في برلين

د. نزار محمود

.

عقد يوم الأحد المصادف 19/1/2010 مؤتمراً حول ليبيا في برلين تحت مظلة الأمم المتحدة وبدعوة وتنظيم وتحضيرات من قبل ألمانيا، الدولة المضيفة وفي مقدمتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

لأسباب كثيرة تأخر عقد المؤتمر وتأجل لأكثر من مرة منذ شهر سيبتمبر الماضي. وكان، بالطبع. توزعت إهتمامات ومصالح الأطراف المشاركة في مؤتمر ليبيا في برلين بين:  النفط والغاز، والإرهاب واللاجئين. وقد يكون لهذا الطرف أو ذاك أكثر من إهتمام ومصلحة، أو على الأقل عدم الرغبة في استحواذ طرف ما على قدم سبق في العلاقة مع السلطة الليبية المقبلة.
ومن أجل فهم ما جرى وما تمخضت عنه نتائج المؤتمر لابد من الإجابة على جملة التساؤلات التالية:
– ما هي مصالح الأطراف المختلفة في إستقرارالوضع في ليبيا وتحقق المصالحة والسلام؟
– من المستفيد من حالة النزاع والحرب الأهلية في ليبيا؟ سلاحاً أونفطاً أو عدم استقرار؟
– ما هي مخاطر استمرار أو توسع الحرب الأهلية في ليبيا؟
– كم يتأثر سوق الطاقة انتاجاً وأسعاراً، ومن هم المستفيدين والمتضررين؟

الأطراف الداعمة لكل من السراج وحكومته من جهة، والجنرال حفتر من جهة أخرى:

الجنرال حفتر أصبح يسيطر عسكرياً على المساحة الأكبر في ليبيا بما فيها آبارومصافي نفط، ولم يعد خافياً أو سراً أن مصر والإمارات والسعودية وروسيا تقف إلى جانب حفتر وتدعمه مالياً وعسكرياً وسياسياً في أشكال دعم ودوافع وغايات مختلفة.

في حين تتمتع حكومة فائز السراج بالإعتراف الشرعي بها كحكومة للبلاد التي مزقتها الحرب الأهلية منذ سقوط العقيد معمر القذافي قبل ما يزيد عن 8 سنوات، تحظى هي الأخرى بدعم من عدد من الدول في مقدمتها تركيا بموقفها السياسي والإعلامي والعسكري، وقطر بموقفها السياسي والإعلامي وربما المالي وإلى حد ما إيطاليا وفرنسا بمواقفهما السياسية والإعلامية وربما العسكرية.

الإعلام الألماني: المهمة المستحيلة لميركل

وبعد اللقاء الذي حصل قبل أيام في موسكو وجمع كل من الرئيسين الروسي والتركي بوتين وطيب رجب أردوغان والذي كان متأملاً إن يجتمعا سوية مع كل من السراج، الذي وقع على استعداد وقف إطلاق النار، على عكس حفتر الذي غادر موسكو دون اجتماع مع السراج أو توقيع على بيان تمهيداً لمؤتمر برلين، جاءت تقارير الإعلام الألماني غير متفائلة بتحقيق أهداف المؤتمر الكبيرة في التمهيد لإرساء عملية سلام كالتي تضمنها بيانه الختامي الأممي الذي كانت قد أعدت مسودته قبل بعض الوقت من إنعقاد المؤتمر في برلين. وهكذا كانت المهمة صعبة، على الرغم من أنه سجل نجاحاً سياسياً ودبلوماسياً لألمانيا، الطرف المحايد، كما هو معلن.
فالتزام منع تصدير السلاح ووقف العمليات الحربية واستعداد دول بالمشاركة في الحفاظ على وقف القتال وربما توقف الهجرة واللجوء والعبور إلى أوروبا هو أقصى ما يطمح له المؤتمر، لا سيما بعد ايقاف قوات قبلية متعاطفة مع حفتر تصدير النفط من الموانىء الليبية قبل يوم من إنعقاد المؤتمر.

نتائج المؤتمر:
لم يكن متوقعاً من نتائج أكثر مما جرى التوصل له:
– عدم إقرار الحل العسكري للأزمة الليبية، وبالتالي يبقى الحل السياسي.
– تأييد حظر توريد الأسلحة للأطراف المتنازعة.
–  وقف الدعم من أي شكل لأطراف النزاع.
–  الدعوة لوقف العمليات العسكرية.
–  موافقة الأطراف المتنازعة على تسمية ممثلين للجان الخماسية العسكرية لبحث ترتيبات وقف دائم لإطلاق النار.


ملاحظات أخرى:
– الإقرار بأن عملية السلام عملية لا زالت بعيدة المنال.
– ستجري متابعة لاجتماعات اللجان الخماسية في برلين.
– مؤتمر برلين جاء ادعم جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا.

ـ وعلى الرغم من حضور طرفي النزاع الليبي الرئيسيين، السراج وحفتر، إلى برلين إلا أنهما لم يجتمعا سوية على طاولة مفاوضات واحدة!.

وماذا بعد المؤتمر؟
والتساؤلات المهمة الذي يجب أن تطرح:
– ما الذي سيتحقق عند نجاح وقف إطلاق النار ومراقبته؟
– هل ستبقى حكومة السراج الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً؟
– ماذا عن الجنرال حفتر: هل سيتقاسم السيطرة الواقعية مع الحكومة على الأرض وبيع النفط؟
– هل ستتوقف الهجرات اللا شرعية للاجئين إلى أوروبا؟
– هل ستنجح القوات الدولية في منع الإرهاب من التسلل إلى أوروبا؟
– هل سيشعر المتحالفون مع كل من طرفي النزاع أنهم حافظوا على ماء وجوههم ومنعوا الطرف الآخر بالاستيلاء على كل شيء؟
– هل نجح الأعداء بإبقاء مكائن الضغينة والتحارب والفرقة الوطنية الليبية باقية ولكنها مستترة؟
– وهل سيبقي ذلك الباب مفتوحاً للتدخلات الخارجية اللاحقة؟

ملاحظات ختامية:
هناك مثل شعبي ألماني يقول:
“Außer Spesen, nichts gewesen”
وهو يعني: أنه لم يتحقق من شيء سوى دعوات الطعام!
أمريكا تراقب الوضع، ولا تتوقع مفاجآت، ولذا اكتفت بوزير خارجيتها وبتصريحات غير جادة وعازمة، كما قرأها البعض في وجه بومبيدو ولحن صوته!. فأمريكا لديها نفط كثير، وهي ليست دولة مجاورة لليبيا، وأسواق سلاحها مزدهرة، وطلبات حماياتها أكبر.
وهي تكتفي بدعم داعمي حفتر، وتدعو إلى سحب القوات الأجنبية، وكأنها على توافق مع روسيا في هذا الشأن. لم يعد التصادم سياسة بل التوافق على التقاسم!!!
ألمانيا الخجولة تدعي حرصها على الأمن والسلام وعدم عبور أفواج اللاجئين إلى أوروبا، وهي ما تحتاج إلى أحسنهم، وكذلك إنتشار الإرهابين في أوروبا الوديعة المسالمة. ليس أمام ألمانيا إلا أن تجبر نفسها على الشعور والإدعاء بنجاح مهمتها ودورها في إحلال السلام وحياديتها وعدم اهتمامها بالنفط ومشاريع البناء الضخ!.
فرنسا المراوغة وقناصة فرص الحلول الوسطى، تتحدث إلى حفتر، وتجامل السراج، وعينيها على آبارهم ومصافيهم.
وتركيا الدور الكبير، والمحسوب من قبل القوى العظمى، تسرح وتمرح على مسرح الممكن بصوتها العالي وجيش هلالها ونجمتها، في إطار دولي لتوزيع أدوار ومصالح من جهة، وتدمير ونهب وتخريب وتفتيت من جهة أخرى.

في الختام أقول:
 لو كان العرب والمسلمون واعين ومتحدين، أو على الأقل غير متناحرين، لما كنا اضطررنا إلى أن يفصلنا الآخرون قماشاً على مقاساتهم! وإذا ما تحقق ذلك يكون العرب قد خسروا، وربح الآخرون على حسابنا.

لكن لا بد لنا من الانتظار والتفاؤل!
.