المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت .. لا شيء

أحمد الجمال

أولت المنظمة الاممية “إسكوا” اهتماماً خاصاً لموضوع المحتوى الرقمي العربي وتعزيزه ودعم صناعته لما له من أهمية على مستويات مختلفة منها تعزيز التنوع اللغوي والثقافي على الإنترنت، وتحسين النفاذ إلى الإنترنت والاستفادة منها، وحفظ الأرشيف الثقافي والتاريخي العربي بشكل رقمي، وكذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية نظراً لما يتيحه سوق منتجات المحتوى الرقمي العربي من فرص لإنشاء شركات ناشئة مختصة بتطوير المحتوى الرقمي العربي ومنتجاته. ويأتي اهتمام الإسكوا في سياق أهداف القمة العالمية لمجتمع المعلومات وعملية المتابعة لما بعد عشر سنوات.

وفي إطار مبادرة خاصة أطلقتها الإسكوا للمحتوى الرقمي العربي، توالت الأنشطة منذ العام 2003 حيث تضمنت الدراسات، واجتماعات الخبراء، وورش العمل، والمؤتمرات الإقليمية والشراكات. أما الدراسات فقد تطرقت إلى الجوانب السياساتية، والتقنية، والمسوح، وجانب الأعمال. وقد تعاونت الإسكوا مع حاضنات الأعمال والجامعات في عدد من الدول العربية في تنظيم حملات للتوعية بأهمية المحتوى الرقمي العربي وإطلاق مسابقات ابتكارية تستهدف رواد الأعمال الطامحين إلى إنشاء شركات تعمل على تطوير وإثراء المحتوى الرقمي العربي.

وقد أطلقت المسابقة في نسختين الأولى عام 2008 والثانية عام 2013 تحت عنوان “تفكر عربياً؟ ابتكر رقمياً!” حيث شملت الأردن، والإمارات العربية، سورية، تونس، فلسطين، لبنان، اليمن ومصر. وتستمر جهود الإسكوا في هذا المضمار من خلال المنتدى الإقليمي للمحتوى الرقمي العربي الذي يتم تنظيمة سنوياً منذ العام 2013 بناء على شراكة إقليمية.

اللغة العربية على الشبكة

اتّسعت شبكة الإنترنت لكل لغة ينطق بها البشر، حتى اللغات المندثرة أو التي تنطق بها مجموعات محدودة من الأفراد، بات لها محتوى رقمي “إنترنتي” يعبّر عنها ويُكتب بأحرفها. فكيف الحال باللغة العربية التي ينطق بها حوالى 400 مليون إنسان، ينتشرون في مختلف بقاع الأرض، وهي مصدر اعتزازهم كونها أحد أهم نتاجات الحضارة العربية عبر التاريخ؟ وقد كُتبت في هذه اللغة إبداعات تجعل منها واحدة من أجمل لغات العالم وأقدرها. وكان الشاعر والفيلسوف الألماني غوته أحد المعجبين بهذه اللغة.

هذه أسباب إضافية كي تكون العربية واحدة من اللغات ذات الحضور الرئيس في العالم الرقمي إلى جانب غيرها من لغات العالم الحيّة، وهي كانت في زمن الكتابة الورقية والتناقل الشفوي في القرون الوسطى قد أدّت دوراً هائلاً في نقل المعارف إلى أوروبا والهند والصين نتيجالة ازدهار الترجمة والنقل والعلوم والفلسفة، في ما سُمّي بعصر النهضة العربية.

لكن في زمن الشبكة العنكبوتية، هل ما زالت اللغة العربية تؤدي دوراً فعلياً في نقل الفكر العربي إلى الآخرين، أو في نقل فكر الآخرين إلى العرب؟

الأهمية الحضارية للمحتوى الرقمي

كل المعلومات التي كانت تنتقل بين البشر على الورق، من كتب وصحف ومجلات ودراسات وأبحاث، باتت تُنقل إلكترونيا عبر شبكة الإنترنت وبجميع اللغات. وقليلة هي المعلومات التي قد يجد من يحتاج إليها مضموناً كافياً في مكتبة عربية أو أرشيف عربي. لذا، بات طالب المعلومات باللغة العربية يحتاج إلى توافر محتوى رقمي عربي معزّز على شبكة الإنترنت.

فالناطقون بالعربية الذين يشكّلون نسبة 7 في المئة من عدد سكان الأرض، ينتجون 3 في المئة فقط من المحتوى الرقمي العالمي. وهذه نسبة ضئيلة، إذا ما قارنّاها بالنسب التي تخصّ لغات أخرى ينطق بها عدد أقل من البشر.

وليست النسبة ضئيلة فحسب، بل إن المادة المعلوماتية في هذه النسبة غير فعّالة في غالبيتها، وليست ذات قيمة علمية وحضارية وثقافية يُعوّل عليها. وكي لا نقوم بالمقارنة مع لغات وثقافات عالمية أخرى، يمكننا الاستعانة بدراسة أجرتها “مؤسسة الفكر العربي” برعاية “مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي”، في السعودية، في شأن “المحتوى الرقمي العربي”. وسنستقي من الدراسة ما يتعلّق بالمحتوى “الثقافي”، لأن الدخول في المواضيع كلها يحتاج إلى صفحات كثيرة من التحليل والمراقبة والتفسير والتعليق.

حضور المحتوى العربي على الانترنت

وعند الحديث عن المحتوى العربي على الانترنت ” كافة البيانات أو مصادر المعلومات باللغة العربية التي تُصنع وتُخزن وتُعرض في صيغة إلكترونية رقمية على الإنترنت” بلغة الأرقام سنجد الأرقام والنسب متواضعة، فعلى الرغم من أن اللغة العربية ذات تاريخ عريق، حيث يحوي قاموسها اللغوي إلى 13 مليون كلمة، ويتحدث بها 422 مليون شخص حول العالم، وهي واحدة من أكثر اللغات من حيث عدد المتكلمين بها، ولها يوم دولي يحتفى بها كما أنها إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، ومع ذلك فإن حضورها الإلكتروني يكاد يكون ضئيلاً للغاية.

وتشير معظم التقارير العالمية التي تهتم بالمحتوى الرقمي على الإنترنت أن نسبة تمثيل اللغة العربية على الشبكة لا يتناسب مع أهمية اللغة وعدد مستخدميها ومتصفحي الإنترنت من العرب.

الصورة البانورامية الكبرى

وصفت خلاصة التقرير بلغة شاعرية، المحتوى الرقمي العربي بأنه “كيان ضئيل في عالم الإنترنت”، وبأن “حركته الإجمالية ترواح بين البطيئة والمعقولة”، ونموّه لا يكفي للانتقال به إلى “عالم العمالقة”. وله قلب ينبض بمعدل قابل للملاحظة وأطراف ضامرة شبه ميتة. وفيه عددٌ كبيرٌ من الأجزاء الخاوية المنتفخة كبالونات الهواء. هذا التوصيف هو اختصار الدراسة التي أعدها اختصاصيّون في الشبكة العنكبوتية. وإذ يجعل المحتوى الرقمي العربي “مريضاً”، فلأنه لا يريد أن يقول أنه “ميت”.

فلو أجرينا قراءة في المحتوى الثقافي الذي استحوذ على 44.5 في المئة من المحتوى، يمكننا فهم سبب توصّل الدراسة إلى هذا الاستنتاج.

ولا بد من الإشارة إلى أن النسبة الباقية من المحتوى توزّعت على القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية والعلوم والتعليم والاقتصاد والقضايا العسكرية والأمنية والإعلام والاتصال. واستحواذ الثقافة على هذه النسبة العالية ليس مدعاةً إلى التفاؤل لأن “الثقافة” العربية الرقمية توزّعت على المواقع الدينية، ومن بعدها مواقع الفيديو والموسيقى والفنون الاستعراضية، ثم الرياضة بعدما احتُسبت في خانة الثقافة الإنترنتية.

هذا ما يوضح معنى الثقافة لدى المتابعين للمحتوى الرقمي العربي.

أما النسبة المئوية التي تتحصّل عليها الثقافة بمفهومها المعروف أو الحقيقي، فهي ضئيلة بما يستدعي الاستغراب في عالم عربي يعجّ بالشعراء والتشكيليين والمسرحيين والمؤلفين على اختلافهم. فهؤلاء مجتمعون، إضافةً إلى المواقع التي تُعنى بالقيم الأخلاقية والشعر والموارد الثقافية والأوضاع الثقافية والتراث الثقافي والإبداع الثقافي والأشكال والأنواع الأدبية واللغات والبرامج الثقافية والفلسفة والنثر والرواية والترجمة، يراوح نصيبهم بين 1.3 و0.25 في المئة.

وهذا يعود إلى سببين، فإما أنه لا وجود لمتابعين لهذا المحتوى، أو أن هذا المحتوى ذاته ضعيف ولم يُنشر على الشبكة العنكبوتية بشكل احترافي. وهذا يكشف عن أن المكونات المتعارف عليها تقليدياً على أنها مكونات الثقافة الحية مثل الأدب والفنون والفكر، لا تزال عاجزة عن اللحاق بالرياضة مثلاً.

أسباب ضعف المحتوى العربي

يعد قلة عدد المشاريع بالمقارنة مع اللغات الأخرى وضعف تمويلها في نشر المحتوى العربي المطبوع وتحويله لصيغ رقمية عاملاً مساهماً في ضعف الحضور العربي على شبكة الانترنت، فالمبادرات المتوفرة هي فردية في الأساس وليست مبنية على دراسات علمية أو جهود جماعية ومؤسساتية.

عوامل أخرى تعد تقنية كذلك تساهم في ضعف المحتوى العربي على الإنترنت، مثل وجود عدد كبير من الأدوات التي صدرت بلغة أصلية انجليزية مثلاً ولا تدعم اللغة العربية ككثير من أدوات إنشاء المواقع أو تعديل الفيديوهات غيرها.

دعم المحتوى العربي على الانترنت

إن دعم المحتوى العربي على الإنترنت ضرورة تقتضيها طبيعة الحياة اليوم، وهي مهمة مناطة بالجميع مؤسسات وأفراد من أجل الحفاظ على الموروث العربي والهوية، في عالم بات اليوم يعتمد على الكلمة والمعرفة الرقمية.

ويبدو تطوير أدوات أفضل للمعالجة التلقائية للغة العربية ليست مهمة سهلة.

في اللغة العربية، يمكن لـ “الجذر اللغوي”، أو مجموعة من الأصوات المتسقة الصحيحة المتعددة بترتيب معين، توليد العديد من الكلمات ذات المعاني المختلفة. كما يختلف شكل الحرف نفسه حسب موقعه داخل الكلمة. علاوة على ذلك، تغيّر الرموز الموضوعة أعلى أو أسفل الحروف، والتي تسمى علامات التشكيل أو الحركات، النطق والصيغة النحوية وحتى معنى الكلمات في بعض الأحيان. يساهم هذا في إرباك أنظمة البحث ويولّد نتائج بحث سيئة.

أما التحدي الآخر فيتمثل في أن الحروف العربية لا تحتوي على أحرف كبيرة أو صغيرة، مما يجعل تحديد الأسماء الصحيحة أمرًا صعبًا.

وتعاني اللغة العربية من إهمال شديد من الناطقين بالعربية. ضعف المحتوى الرقمي العربي نتيجة لأنظمة التعليم السيئة التي تحول اللغة العربية إلى قواعد مجردة يدرسها الطلاب فقط لاجتياز امتحاناتهم.

ومعظم المحتوى العربي على الإنترنت متوفر باللهجات المحلية، مما يطرح مجموعة جديدة كاملة من التحديات.

لا توجد طريقة قياسية لكتابة الكلمات العامية وغالبًا ما تكون الأخطاء الإملائية أكثر شيوعًا في هذا النوع من اللغة العربية.

نسخ لصق “كوبي بايست”

استناداً إلى معيار الأصالة الذي يقيس مدى التفرّد وعدم التكرار والنقل بالنسخ واللصق بأي طريقة أخرى في المحتوى، جاء في التقرير أن متوسط نسبة المحتوى الأصيل، أي غير المتكرّر الذي لا يتم تناقله ونسخه وإعادة نشره بين قنوات النشر المختلفة في المحتوى الرقمي العربي، يصل إلى 20 في المئة فقط، أي أن 80 في المئة من المحتوى الرقمي العربي هو عبارة عن تكرار ونسخ ونقل. وهذا ما يؤكد قلّة الإنتاج المعلوماتي في العالم العربي، وأن رواد شبكة الإنترنت يتناقلون المعلومات ذاتها، أكثر من حرصهم على إنتاج إضافات متفرّدة خاصة بهم.

وما يثير الاستهجان أن الدول التي يُتوقّع أنها منتِّجة للمعلومات الجديدة في العالم العربي، كانت على رأس لائحة دول “النسخ واللصق”، مثل لبنان والبحرين وتونس والمغرب وقطر، بينما الدول المجدِّدة في المحتوى الرقمي هي موريتانيا وسلطنة عُمان.

.