المجر (هنغاريا) تتحول إلى ديكتاتورية

محمد عبد المنعم

.

تبنّت دولة المجر(المجر) قانونًا يعتبر مُساعدة اللاجئين أو طالبي اللجوء أو المهاجرين، جريمة يُعاقَب عليها.

وهذا يعني أنّ أيّ شخص – ابتداءً بالمحامين وانتهاءً بالمتطوعين في المجتمع – يُساعدُ طالبي اللجوء في تعبئة النماذج أو يزوّدهم بالمشورة القانونية أو المعلومات المتعلقة بعملية اللجوء، سوف يتعرّض للعقاب.

تتراوح العقوبات من الحبس المؤقت إلى السجن لمدة تصل إلى سنة واحدة، أو النفي خارج أراضي الدولة. وتمنع السُلطات أيّ شخصِ مُتهَم بانتهاك هذا القانون من الاقتراب من مناطق النقل والمنطقة الحدودية، حتى دون إدانته رسمياً من المحكمة.

يُسمّى هذا القانون أيضاً بقانون “أوقفوا سوروس” (Stop Soros)، في إشارة إلى الملياردير الأمريكي المجري “جورج سوروس”، والذي يُساعد في تمويل المنظّمات التي تدعم اللاجئين، ويتعرض، بسبب ذلك، للهجوم والمُعاداة من قِبَل الحزب اليميني الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان”.

يقول رئيس الوزراء إن بلاده لا يمكن أن تحتمل المزيد من اللاجئين الذين يمكن أن يتحولوا لإرهابيين، وأنهم يمثلون خطرًا على مسيحية أوروبا، والمجر ستضطر إلى” استخدام القوة“ عند حدودها الجنوبية مع صربيا لحماية حدود الاتحاد الأوروبي إذا نفذت تركيا تهديدها بفتح الأبواب أمام اللاجئين لعبور البلقان نحو أوروبا.

من البداية

في السنوات التي تلت سقوط الشيوعية، كانت قضية الهجرة في المجر ثانوية في مواجهة ظاهرة الهجرة باتجاه غرب القارة. وكانت السياسة المتبعة لدخول الأجانب إلى المجر وخصوصا منح حق اللجوء، منفتحة بالكامل.

وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي وخلال التسعينيات، تم استقبال آلاف المنحدرين من أصل مجري الفارين من رومانيا بترحيب كبير إلى جانب خمسين ألف شخص على الأقل نزحوا بسبب الحروب في يوغوسلافيا السابقة وبينهم عدد كبير من مسلمي البوسنة.

وفي هذا الإطار وعندما كان الأمر يتعلق بمنح إقامة دائمة في المجر، أعطت كل الحكومات التي تعاقبت منذ 1989 في هذا البلد الأولوية للمنحدرين من أصل مجري في الدول المجاورة.

لكن هذا الموقف أصبح أكثر وضوحا عندما تولى فيكتور أوربان رئاسة الحكومة من 1998 إلى 2002 وعودته إليها في 2010 وحتى الآن.

في هذا الإطار وحتى قبل أزمة تدفق المهاجرين إلى أوروبا في 2015، تشدد أوربان في خطابه ضد الهجرة القادمة من مناطق أخرى في العالم. سمحت المجر في البداية لآلاف المهاجرين بعبور أراضيها للتوجه إلى غرب أوروبا، لكن الحكومة أقامت بعد ذلك حواجز من الأسلاك الشائكة على طول حدودها الجنوبية، ما سمح للشرطة “بصد” المهاجرين باتجاه صربيا.

يرى رئيس الوزراء المجري ان ما يسمى “الديموقراطية المسيحية” هي “ضد المهاجرين وضد التعدد الثقافي وتناضل من اجل نموذج العائلة المسيحية”. ويقول ان “القادة الاوروبيين لا يتمتعون بالفاعلية وهم عاجزون عن الدفاع عن اوروبا ضد الهجرة”.

وخلال كلمته الأسبوعية في الإذاعة الحكومية انتقد فكتور أوربان اتفاقية «شنغن»، والتي بمقتضاها تقاسمت الدول الأوروبية أعباء مئات الآلاف من المهاجرين. ودعا أوربان لإعادة المهاجرين واللاجئين إلى بلدانهم الأصلية عوضًا عن توزيعهم بنظام الحصص على دول القارة العجوز، وإجبارها على استقبال اللاجئين. وهو تأكيد على سياسات رئيس الوزراء اليميني المناهضة لاستقبال المهاجرين.

لم يكن هذا هو الموقف الوحيد لأوربان الذي اتخذه في معاداة اللاجئين؛ إذ كانت الحكومة المجرية تعمل إبان 2018 على صياغة مجموعة من التشريعات القانونية تجرم مساعدة المهاجرين غير الشرعيين في سعيهم لطلبِ اللجوء. أحكامًا بالسجنِ تتراوح بين عدة أيام وسنة تنتظر كل من يقدم مساعدة أو يعمل على تهريب طالبي اللجوء.

كانت مقترحات هذه القوانين تعتبر تقديم الطعام للاجئين جريمة يعاقب عليها القانون. هذا إضافةً إلى تقديم المشورة أو أي نوع من المساعدات الأخرى. وقد دخلت تلك التشريعات حيز التنفيذ من يوليو (تموز)؛ إذ حرمت السلطات المجرية في أغسطس (آب) 2018 أكثر من عشرين مهاجرًا ينتظرون الترحيل من الطعام، بعضهم بقي دون مأكل مدة خمسة أيام.

كانت المجر عام 2015 محطة انتقالية لحوالي مليون لاجئ، هاربين من النزاعات في سوريا والعراق وأفغانستان، وناشدين الوصول إلى أوروبا الغربية. وهو ما ردت عليه السلطات المجرية بتطويق حدود البلاد الجنوبية بسياج محكم، وتشديد الإجراءات الأمنية هناك؛ من أجل غلقها تمامًا أمام موجات الهجرة. ويرى أوربان أن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين المسلمين يهدد الثقافة الأوروبية، وقد يعمل فيما بعد على نشوء أزمة ديمقراطية كبرى في القارة العجوز.

على الرغم من أن المجر تعاني بشكلٍ خاص من قلة عدد السكان بنسبة تصل إلى 32 ألف نسمة خلال العام الواحد، إلا أن رئيس الوزراء المجري يعادي هجرة المسلمين على وجه الخصوص، والاعتماد على الوافدين لتعويض هذه الأرقام؛ ولذلك أعلنت الحكومة عن صرف قرض يصل إلى 30 ألف يورو لأي أسرة تنجب ثلاثة أطفال، هذا إلى جانب إعفاء الأمهات اللواتي ينجبن أربعة أطفال من ضريبة الدخل، مدى الحياة.

«لا نحتاج أرقامًا؛ بل نحتاج أطفالًا مجريين»، هكذا أشار أوربان، مُضيفًا أن الشعب المجري يود لدولته أن تظل أمةً مجرية، ولهذا أمام كل رقم ناقص، وأمام كل فقيد لعائلة، يجب أن يكون هناك مولود جديد، حتى لا تضطر البلاد إلى الاعتمادِ على الوافدين من الخارج، بحسبه.

اضطهاد المجتمع المدني

«محافظو أوروبا يعلقون عضوية حزب رئيس الوزراء المجري»، هكذا كتبت وكالات الأنباء؛ عندما صوت زعماء حزب الشعب الأوروبي لصالح تعليق عضوية حزب «فيديس» المجري اليميني بواقع 190 صوتًا مقابل ثلاثة أصوات.

الجدير بالذكر أن التعليق هو حل وسط ما بين الطرد واستمرار عضوية حزب فيكتور أوربان. وقد جاء هذا القرار ردًا على تعليق ملصقات حملة دعائية للتشهير برئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، بإظهاره في صورة المشجع للهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال الملصقات التي تصوره جنبًا إلى جانب جورج سوروس، الملياردير المجري، الشهير بدعمه للمنظمات الحقوقية.

في التقرير السنوي لمنظمة «حقوق الإنسان» عام 2019، اتهمت المجر إبان عام 2018 باستخدام وسائل الإعلام الموالية للحكومة في الضغط على منظمات المجتمع المدني؛ إذ كان رئيس الوزراء المجري على وشك الفوز بولايته الثالثة في انتخابات أبريل، ولهذا شنت الحكومة حملات تشهير على التلفزيون والراديو ولوحات الإعلانات، تستهدف منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات اللجوء والهجرة.

وصف المسؤولون الحكوميون، بمن فيهم فيكتور أوربان، منظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية، والصحافيين الناقدين بـ «عملاء سوروس»، نسبةً إلى رجل الأعمال المجري جورج سوروس والذي تعرض نفسه لحملات تشهير نظرًا لكونه أحد ممولي المنظمات الرئيسيين.

عام كامل حاولت فيه الحكومة المجرية تضييق الخناق على المنظمات المستقلة من أجل إخراس ألسنتهم، حتى أصبح من الصعب على المنظمات الحقوقية مزاولة عملها لمساعدة الآخرين وحماية حقوقهم. إبان ذلك لجأت السلطات إلى اقتراح بعض التشريعات التي من شأنها تجريم أعمال منظمات المجتمع المدني التي تعمل على مساعدة اللاجئين والأقليات، وهو ما أشارت إليه «منظمة العفو الدولي» في تقريرها؛ إذ وافق البرلمان على تمرير تلك التعديلات الدستورية.

ووافق البرلمان الأوروبي على اتخاذ بعض الإجراءات العقابية ضد المجر؛ لمخالفتها قيم الاتحاد الأوروبي الأساسية، بموجب المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي. جاء ذلك ردًا على حزمة التشريعات الجديدة التي من شأنها إسكات المعارضة وترهيب الأفراد والمنظمات داخل الدولة المجرية. إذ اعتبر الاتحاد الأوروبي سنَّ تلك القوانين جزءًا من حملة واسعة النطاق هدفها تقييد الحريات الأساسية، وسيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والقضاء.

حرمان اللاجئين من الطعام

أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف عن القلق إزاء الأنباء التي تفيد بأن المهاجرين في مراكز الاحتجاز في المجر قد حرموا عمدا من الطعام، بما يتعارض مع القوانين والمعايير الدولية.

ووفقا للقوانين المعمول بها في المجر، يتم احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء، الذين لا يملكون حق الإقامة، على الفور في مناطق العبور أثناء قيامهم بإجراءات اللجوء أو إلى حين أن يتم ترحيلهم. وفي مناطق العبور، يخضعون لإجراءات اللجوء والترحيل، والتي لا تُقيِّم بشكل فعال حالة كل فرد.

وأعربت المتحدثة باسم الأمم المتحدة، عن القلق إزاء عدم وجود إجراءات فردية فعالة في مناطق العبور هذه، الأمر الذي يجب أن يكون ضروريا لضمان أن يتخذ إجراء الحرمان من الحرية في الحالات الاستثنائية فقط، وأن تؤخذ جميع المخاطر التي تحظر ترحيل الشخص في الاعتبار.

وذكرت أنه إذا بدأ مكتب الهجرة واللجوء المجري إجراءً لطرد مقدِّم الطلب المرفوض من البلاد، فلا يتم تزويده بالطعام. وفي انتظار إنفاذ عملية الطرد، يُحرم البالغون – باستثناء النساء الحوامل أو المرضعات – عمدا من الطعام، مما قد يؤدي إلى سوء التغذية وهو أمر غير إنساني بطبيعته.

لماذا تسكت أوروبا عن أوربان؟

السؤال الآن هو: لماذا لا تفعل أوروبا شيئًا حيال أوربان أو تحاول الضغط عليه ليلتزم بمبادئها الغربية؟ ببساطة لأنها تدرك أن البديل هو يمين أكثر تطرفًا من اليمين الذي يمثله حزب فيدَس، وهو واقع في بلدان أوروبية كثيرة يجتاحها اليمين منذ الأزمة المالية عام 2008 احتجاجًا على هيمنة مؤسسات الاتحاد الأوروبي الفاشلة كما تراها تلك الشرائح المعارضة، وهو ما يدفع بروكسل لاحتواء الحكومات اليمينية المخالفة لها بدلًا من الضغط عليها ومن ثم تحويل قواعدها الشعبية نحو حركات أكثر راديكالية، وهي نفس الاستراتيجية التي يتبعها الحزب المحافظ في بريطانيا لاحتواء حزب يوكيپ اليميني المتطرف، مما يفسر مواقفه غير المرحبة باللاجئين هو الآخر.

اسم المجر يفوح برائحة كريهة

أخيرا .. كتب الشاعر المجري جورج سيرتيز مقالا، نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، ينتقد فيه الطريقة التي عاملت فيها حكومة بلاده اللاجئين، وانتقد تحديدا رئيس الوزراء المتطرف فيكور أوربان، وقال إن المجر تخجل من حكومته وحزبه.

ويذكر الشاعر رئيس وزرائه بالماضي، قائلا: “في ذات ليلة بعد فشل ثورة عام 1956، وعندما كنت في الثامنة من العمر، اجتازت عائلتي الحدود الهنغارية مع النمسا بطريقة غير شرعية. كان ذلك في عام 1956، وكانت الرحلة خطرة، ولكننا لم نكن لنواجه الرحلة الخطيرة وإمكانية غرق قارب أو الموت خنقا في شاحنة.

 لماذا فعلنا هذا؟ .. لم يسألني أحد في ذلك الوقت، كما لم يسأل أحد الأطفال المزدحمين على الحدود المجرية الصربية”.

ويختم سيرتيز بالقول: “لكن العالم يشهد أن الشعب المجري ليس سيئا، فقد تطوّع الآلاف منهم لمساعدة اللاجئين ولأسابيع، ولكنهم لا يعملون نيابة عن الحكومة. ورغم ما قاموا به من عمل، فشكرا لتصرفات الحكومة التي جعلت اسم المجر يفوح برائحة كريهة تصل إلى عنان السماء”.

.