الكمامات المستعملة خطر داهم

الدليل / وكالات

بعد حرب الكمامات التي أشعل فتيلها فيروس كورونا المستجد بين الدول العظمى، يشن البيئيون حاليا حربا أخرى ضد هذه الواقيات الطبية التي قد تتحول من وسيلة للحماية من العدوى إلى خطر لتفشي الوباء أكثر، وبالتالي تهدد حياة الملايين من البشر بخطر العدوى، وعليه تسابق المسؤولون والخبراء في كل الدول إلى تحذير المواطنين من مغبة التخلص من الكمامات والقفازات اليدوية بشكل عشوائي، مما قد يجعلها بمثابة عش لتكاثر الجراثيم والفيروسات، ناهيك عما تلحقه من تلوث بالأرض.

ولفتت ظاهرة التخلص من الأقنعة الملوثة والنفايات الطبية انتباه الخبراء البيئيين الذين دقوا ناقوس الخطر، خاصة وأن رمي الملايين من البشر الكمامات والقفازات المستخدمة في صناديق القمامة أو في الأماكن العامة يتم بطريقة أقل وعيا، ويمكن أن ينجم عن هذا السلوك كوارث صحية وبيئية غير معروفة العواقب، يحدث هذا في الوقت الذي يجابه فيه العالم باسره جائحة كورونا بكل الوسائل الممكنة، وتتسابق أشهر المختبرات العلمية على إيجاد لقاح وأدوية للوباء الفتاك.

وقد توصل الباحثون والأطباء إلى إمكانية تحول تلك النفايات إلى مصنع للميكروبات، كما قد تتطاير الفيروسات الملتصقة بها في الهواء، وتتسبب في إصابة المزيد من الناس بالمرض، لاسيما وأن الكمامات تحتفظ بلعاب صاحبها لمدة ثلاث ساعات تقريبا، كما أن مدة استخدامها لا تتجاوز الأربع ساعات فقط، وإن كان مرتديها مصابا فسيتحول قناع وجهه لا محالة إلى وسيلة فتاكة لنقل فيروس كورونا، وأولى الضحايا هم عمال النظافة الذين يقومون بجمع النفايات يوميا ورش الشوارع بالمعقمات الكيميائية على مدار الساعة.

ومن النصائح والإرشادات التي يقدمها المختصون مبدئيا، هو ضرورة حرق تلك الكمامات أو غسلها بماء ساخن جدا أو بمحلول كحولي ، ثم وضعها داخل كيس بلاستيكي، وإلقائها داخل حاويات نفايات مخصصة لذلك ومغلقة بإحكام، كما أن على الشخص أن يفتح الأقنعة الواقية بيدين معقمتين قبل ارتدائها للتأكد من سلامتها ونظافتها، وعند نزعها يجب تفادي ملامسة جانبها الباطني الذي قد يكون رطبا وملوثا.

حملات توعية في الدول العربية

ومن الدول العربية، نذكر التجربة المصرية، إذ أطلق مسؤولوها حملات تحسيسية، تهدف إلى توعية المواطنين حول كيفية التخلص من الأقنعة الواقية والقفازات سواء اليدوية أو الطبية، فمثلا حذرت وزارة البيئة من خطورة النفايات الطبية الخاصة بعلاج مصابي كورونا في المستشفيات، ودعت إلى إضافة مواد مطهرة على المخلفات قبل نقلها من المنشأة الصحية الموجودة فيها، وأوصت بحرقها ودفنها بالطرق الآمنة، القرار يشمل أيضا مخلفات القرى الموضوعة تحت الحجر الصحي، وحسب الوزارة فيتم ذلك من خلال فتح خلية منعزلة عن النفايات العادية، ودفنها وتغليفها بطبقة من مادة الجير أو الكلس.

وفي المغرب، أطلقت وزارة الطاقة والمعادن والبيئة حملة واسعة، تهدف إلى توعية الناس بأهمية التخلص من الكمامات الواقية بطريقة سليمة عبر نشر النصائح والتعليمات عبر القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والملصقات بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، وتهدف الحملة إلى الحد من انتقال العدوى بين المواطنين، وأوصت السطات المغربية بالالتزام بعدم رمي الكمامات في الأماكن العمومية، وضرورة تعقيمها وتعقيم أيادي مستهلكيها. وقد تم إقرار إجبارية وضع الكمامات الواقية بالنسبة لمواطنين أثناء تنقلاتهم للضرورة، كما تقوم مصالح وزارة الداخلية بتتبع عمليات جمع النفايات المنزلية والتخلص منها، وتعقيم الحاويات والأماكن العمومية، وتوعية المستخدمين في قطاع النظافة بمخاطر النفايات، وتزويدهم بملابس ومعدات الوقاية التي تحميهم من خطر الإصابة بفيروس كورونا.

جبال من النفايات الطبية في فرنسا

وفي فرنسا، التي تعد من أكثر البلدان وباء في العالم، تضاعفت فيها النفايات الطبية أربع مرات منذ ظهور الوباء في هذا البلد، فمع الطلب المتزايد على الملايين من الأقنعة الواقية، بدأت تتراكم جبال من مخلفات الكمامات والقفازات والمعدات الصحية في الحاويات، هذا الوضع تزامن مع إغلاق ما بين 42 ٪ و 45 ٪ من مراكز فرز النفايات، و 99 ٪ من مراكز إعادة تدويرها في فرنسا، ويهدف القرار إلى حماية عمال النظافة والعاملين في هذه المراكز من خطر تفشي العدوى و الحد من التلوث. واعتمدت معظم البلديات في مقدمتها العاصمة باريس على خيار تخزين هذه النفايات وتغليفها في انتظار إيجاد حلول للتخلص منها بطريقة آمنة، كدفنها أو حرقها، فيما تتناثر في بعض الشوارع الأقنعة والقفازات المستخدمة، مما يشكل خطرًا إضافيًا لانتشار الفيروس، وهو ما يشكل قلق المسؤولين في فرنسا.

في المقابل، اعتمدت العديد من البلديات تعقيم شوارعها بمحلول جافيل وهو هو محلول مؤكسد يشيع استخدامه كمطهر ومبيض، لكن الخبراء البيئيين حذروا من هذه الممارسة، لكون المواد المطهرة تهدد سلامة البيئة، وتؤثر سلبا على مياه الأنهار حيث تسري تلك المواد في مجاريه.

أما الصين التي كانت مصدر ظهور فيروس كورونا أول مرة في أوائل ديسمبر كانون الأول العام 2019، فقد بلغت كمية النفايات الطبية مثلا في مقاطعة هوبي 665 طنًا في اليوم الواحد في أوائل مارس أذار الماضي، مقابل 180 طنًا يوميًا قبل 20 يناير كانون الثاني المنصرم، وفقًا للسلطات الصينية، كما تم حرق أكثر من 136 ألف طن من هذه المخلفات خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية.

صحيح، أدت جائحة كورونا إلى انخفاض تلوث الهواء بشكل كبير سواء في الصين أو في الدول الأوربية وباقي دول العالم، وعاد الحجر الصحي بفائدة ملحوظة على النبات والحيوان، والأراضي الزراعية وحتى البحار، بعد نجاة الطبيعة من جزء كبير من أطنان القاذورات التي كان يرميها الإنسان يوميا، كما تخلص المناخ من الغازات الحارقة والمواد الكيميائية المضرة بسبب انخفاض حركة النقل وإغلاق العديد من المصانع الملوثة، لكن في كل الأحوال، لن تخرج البيئة سالمة من هذه الأزمة الصحية الخانقة.

ز