الفقراء أول من سيدفع ثمن الاحتباس الحراري

سامي عيد /

تشير التقارير العلمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية للمناخ إلى أن الغازات الدفيئة شكّلت نسبة عالية في الغلاف الجوي منذ قيام الثورة الصناعية، وعلى رأس قائمة الغازات الدفيئة يتصدّر غاز ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى غاز الميثان وأكسيد النيتروز.

بينما تشير بعض الأبحاث العلمية إلى رصد مستويات عالية من غازات ملوثة أخرى تم اكتشافها في القرن العشرين، ولم يكن لها وجود قبل قرنين من الزمان، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون والهيدروفلوروكربون، إذ لم يكن لها وجود في الغلاف الجوي.

وبهذا أرغمت ظاهرة الاحتباس الحراري دول العالم على وضع سياسة ناجحة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن السلوك البشري والدول الصناعية التي تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وتهدف تلك السياسات إلى إلزام الدول المصنعة بخفض الانبعاثات والتقيد بالمسار الصحيح والمحافظة على درجة الحرارة التي لا تتجاوز ١.٥ بحلول عام ٢٠٣٠؛ وصولاً  للهدف الرئيسي وهو انبعاثات كربونية صفرية بنهاية عام ٢٠٥٠ والمحافظة على درجة حرارة آمنة للأجيال القادمة.

ويؤكد التقرير الأخير لعام ٢٠٢١، الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية للمناخ أن العالم بعيد عن الالتزام بدرجة حرارة ١.٥، وأن الغازات الدفيئة تتزايد في الانبعاثات وأن دول العشرين بعيدة عن المسار الصحيح، وتؤكد على عدم التقيد ببنود اتفاقية باريس للمناخ لعام ٢٠١٥، وأننا نقترب من درجة ٢ مئوية، وربما نصل إلى درجة حرارة عالمية تقدّر بـ٧ درجات نهاية القرن، والكون يدفع الضريبة.

والدول المصنّعة لم تلتزم بأي من هذه الاتفاقيات والمشاريع التي تحاول البدء فيها لا تتطابق مع التصريحات السياسية التي تؤكد ضرورة المحافظة على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وعدم الاعتماد على الاقتصاد المتعلق بالطاقة الأحفورية والانتقال إلى الطاقة النظيفة، والمساهمة في مشاريع داعمة للطاقة المتجددة عالمياً.

ويترتب على ظاهرة الاحتباس الحراري الكثير من المشاكل الصحية المتعلقة بحياة المجتمعات، وبحسب التوقعات الموجودة في تقارير منظمة الصحة العالمية فإنه من المقدّر ارتفاع نسبة الوفيات بين عامي ٢٠٣٠-٢٠٥٠ إلى أكثر من ٢٠ مليون إنسان سنوياً.

ونتيجة لانعدام الغذاء، والتلوث الهوائي والإسهال والأمراض المتعلقة بالملاريا التي تنقلها بعض الحشرات والأمراض ذات المصدر الحيواني، وانعدام الزراعة والمياه النظيفة للشرب، ويذهب التقرير إلى أن ضحايا التغير المناخي هم الأشخاص الذين لم يتسببوا في انبعاثات الغازات الدفيئة، إشارة إلى الدول النامية التي لا يمكنها الصمود أمام الفيضانات والكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية وظاهرة الاحترار العالمي وانعكاسها على البيئة والكون.

وبالجملة ظاهرة الاحتباس الحراري هي ارتفاع شديد في درجة مياه البحار، وإذا قمنا بالربط المنطقي بينها وبين الغازات الدفيئة فإن النتيجة مرتبطة بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، نتيجة للأنشطة الصناعية للشركات النفطية العالمية، ومساهمتها في ارتفاع نسب عالية من الغازات الدفيئة التي شكلت في الغلاف الجوي كتلة غازية أشبه ببيت الزجاج الذي تتسرب منه الحرارة بنسبة عالية تجاه الأرض، ولا يمكنها النفاذ إلى الفضاء مرة أخرى، مما يؤثر على مياه البحار والمحيطات والنباتات، فترتفع درجة الحرارة، إذ يساهم ذلك بزيادة ارتفاع البحر عن مستوى سطح الأرض، وتحدث تغيرات جيوفيزيائية تلحق أضراراً بالكائنات الحية الموجودة في البحار، مما يؤدي إلى انقراضها وإذابة الجليد في جزيرتي جرينلاند وأنتاركتيكا له علاقة وثيقة بالاحترار العالمي.

مؤتمر المناخ في مصر

أقر مؤتمر المناخ المنعقد في مدينة شرم الشيخ بمصر، فجر الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إنشاء صندوقٍ مكرسٍ لتمويل الأضرار المناخية اللاحقة بالدول “الضعيفة جداً”، وذلك بعد خلافات شهدتها المفاوضات بين الدول استمرت طوال الليل.

اعتُمد هذا القرار بالإجماع خلال جلسة عامة ختامية، وسط تصفيق من المندوبين، وجاء بعد أسبوعين من مفاوضات شاقة حول مطالبة الدول النامية بتعويضات من الدول الغنية التي تتسبب بتلوث المناخ، عن الأضرار الناجمة عن تداعيات التغير المناخي.

وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن المروجين لقرار إنشاء صندوق تمويل الأضرار المناخية، وصفوه بأنه “قرار تاريخي”، ورحّب محمد إدوو مدير منظمة “باور شيفت أفريكا” غير الحكومية، والداعم الكبير لإنشاء الصندوق، بالقرار قائلاً: “في بداية المباحثات لم تكن مسألة الخسائر والأضرار على جدول الأعمال حتّى. والآن دخلنا التاريخ”.

شدد القرار على “الحاجة الفورية لموارد مالية جديدة وإضافية مناسبة، لمساعدة الدول النامية الأكثر ضعفاً”، إزاء التداعيات “الاقتصادية وغير الاقتصادية” للتغير المناخي.

من بين وسائل التمويل الممكنة إنشاء “صندوق للاستجابة للخسائر والأضرار”، وهو مطلب أساسي للدول النامية التي تكتلت حول هذا الملف.

من المقرر أن تحدد لجنة خاصة ترتيبات تطبيق القرار والصندوق، من أجل إقرارها خلال مؤتمر الأطراف المقبل (كوب28) في الإمارات العربية المتحدة نهاية 2023.

كانت مسألة الخسائر والأضرار قد فرضت نفسها في صلب النقاشات أكثر من أي وقت مضى، بعد الفيضانات المدمرة التي ضربت باكستان ونيجيريا، وكادت هذه المسألة تُفشِل مؤتمر المناخ في شرم الشيخ.

أُدرجت هذه القضية في جدول الأعمال الرسمي في اللحظة الأخيرة، بسبب تحفظ الدول الغنية منذ فترة طويلة على إنشاء صندوق مكرس لها.

وسيطرت دعوات الدول النامية لمثل هذا الصندوق على المؤتمر، ما أدى إلى تمديد المحادثات إلى ما بعد موعد الانتهاء، الذي كان مقرراً يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قد حذّر من استعداده للانسحاب من مفاوضات المناخ إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقٍ مرضٍ.

كان العام 2022 قد شهد كوارث عدة مرتبطة بالتغير المناخي، من فيضانات وموجات جفاف تؤثر في المحاصيل، وحرائق واسعة، وكان هدف مؤتمر المناخ زيادة التزامات حوالي 200 دولة مشاركة بالحد من هذه الآفة.

وأخيراً هذه المؤتمرات لا تحمل في حقيقتها أي نتائج حقيقية للمشاكل المتعلقة بالاحترار العالمي، فهي مجرد مؤتمرات صورية يتم فيها استعراض الخطابات السياسية الفارغة والوعود الزائفة بهدف جذب الناخبين، ولا حلول منتظرة من هذه المؤتمرات البعيدة عن الواقع وتحديات الكون. 

.