الصورة النمطية للاجئين تتلاشى بمرور الوقت

محمد عبد المنعم

.

سواء وافقنا على ذلك أم لا، هناك صورة عامة لدى المواطنين الغربيين عن المهاجرين، في العادة يتم وضعهم جميعاً في خانة واحدة، لا تشبه الحقيقة في أي شيء.

لكن الغرب تمكن بطريقة ما من معرفتهم: الأمر سهل، صورة جمل، صحراء، نقاب، هجرة وحروب هي كافية للحكم على أي مهاجر أو مهاجرة. هذه الاستشراقية التي تحدث عنها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، في كتابه “الاستشراق” لا تزال تحكم طريقة رؤية العالم لنا، كما يقول سعيد: “إن مناقشات الشرق في الغرب كانت دوماً تتسم بالغياب الكامل للشرق.” هذه النمطية والتعميم في النظر تشمل الكثير من النواحي.

إن الصورة النمطيةُ للاجئين في ألمانيا والتي روّج لها إعلامُ القوى اليمينية والشعوبية في أوروبا، على اعتبار أنّهم كتلة بشرية عديمة الفائدة وتشكّل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً على البلد التي فتحت لهم أبوابها، تلك الصورة يبدو أنها بدأت تفقد بعضاً من بريقها وكثيراً من مصداقيتها، خاصّة لدى الشركات والمصانع والمؤسسات الخدمية التي اختبرت اللاجئين، كعاملين وموظفين، فخرجت بانطباع حسن.

“فولكس فاغن”، إحدى أكبر شركات تصنيع السيارات في أوروبا، و”دوتشيه بان” شركة السكك الحديدية الألمانية الحكومية، و”دي إتش إل” خدمة البريد السريع الأولى في العالم، هي بعضٌ من المصانع والشركات الألمانية التي بدأت توظيف اللاجئين الذين فرّوا من بلادٍ استمرأت الحرب والاضطّهاد والفقر، إلى ألمانيا حيث الأمن والحرية والعيش الكريم.

مليون و400 ألف لاجئ في ألمانيا

وفقًا للمعهد الألماني لأبحاث التوظيف، يعمل نحو 36 بالمائة من اللاجئين بين سن 15 و 60 عامًا، وهؤلاء يبلغ عددهم ما بين 380 ألفاً و400 ألف، وسط توقعات بأن يرتفع هذا الرقم مع نهاية شهر كانون الثاني/يناير الجاري.

ويشير تقرير المعهد الألماني لأبحاث التوظيف إلى أن من بين اللاجئين الذين يعيشون حالياً في ألمانيا 567 ألف سوري، و191 ألف أفغاني، و176 ألف عراقي و56 ألف إيريتري، و56 ألف إيراني، و365 ألف من جنسيات أخرى، مضيفاً أن مجموع أولئك اللاجئين يتجاوز المليون و400 ألف شخص، تظهر الدراسات والأبحاث أن ثلثي اللاجئين (القادرين على العمل) الذين يعيشون في ألمانيا يعملون إما كعمال مؤقتين لدى الشركات، أو أنهم يعملون في قطاع الخدمات.

المنتدى العالمي للاجئين

المسؤولون في شركتي “دي إتش إل” و”دوتشيه بان” تحدثوا عن تجربتهم الإيجابية مع اللاجئين خلال المنتدى العالمي للاجئين بسويسرا الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة، وشارك فيه قادة دول ووزراء وشخصيات بارزة في عالم المال والأعمال إلى جانب الناشطين في المجال الإنساني، وتناول المنتدى الدولي مختلف القضايا المتعلقة باللاجئين، ومنها قضية التعليم وفرص العمل وسبل العيش وعمليات الاندماج.

يجدر بالذكر أنه في نهاية العام 2018، تم تسجيل نحو أحد عشر مليون شخص من جنسيات أجنبية في السجل المركزي للأجانب في ألمانيا (لاجئون، أوروبيون،  مع الإشارة إلى أن التبدلات الديمغرافية تعدّ تحدياً كبيراً لألمانيا التي من المتوقع أن تفقد أكثر من عشرة ملايين نسمة بحلول منتصف القرن الحالي، وعلى ضوء تراجع معدّل الولادات، يعاني المجتمع الألماني من الشيخوخة، وهو ما يملي الاعتماد على استقدام كفاءات شابة من خارج البلاد.

سوق العمل بحاجة ماسة للمزيد من المهاجرين

قال عضو مجلس إدارة في وكالة العمل الاتحادية إن ألمانيا بحاجة ماسة إلى المزيد من القوى العاملة الماهرة من المهاجرين لسد الثغرات في سوق العمل والحفاظ على استقرار نظام الرعاية الاجتماعية بها.

ففي حزيران/يونيو 2011، كان الأجانب يمثلون نحو 20% من القوى العاملة الجديدة؛ وفي الشهر نفسه عام 2019، بلغت النسبة 60%.  كما زادت نسبة القوى العاملة في ألمانيا من خارج الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.

وصرح عضو مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية، لوكالة الأنباء الألمانية بأن هناك حاجة لمزيد من القوى العاملة من الخارج لجعل نظام الضمان الاجتماعي “صامدا في المستقبل”. وأضاف أن المنافسة العالمية على هذه القوى العاملة تزداد حدة. وقال: “إننا نلاحظ أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية أو دولا أنجلو- ساكسونية كلاسيكية … تستثمر بقوة في توظيف العمالة الماهرة من الخارج”.

تجدر الإشارة إلى أن قانون جديد لجذب العمالة الأجنبية الماهرة سيدخل حيز التنفيذ في ألمانيا مطلع آذار/مارس المقبل، بهدف جذب عمالة مؤهلة من دول خارج الاتحاد الأوروبي.

تحفيز جذب العمالة الأجنبية المتخصصة من موطنها

في السياق ذاته قالت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج في برلين “نريد العمل على الاندماج قبل الهجرة”.

وأقر مجلس الوزراء الألماني جزءً من “خطة العمل القومية للاندماج”، والتي تسعى من خلالها ألمانيا لأن تصبح بلدا جاذبا للعمالة الأجنبية المتخصصة. وجاء في البيان الذي أقرته الحكومة “قبل أن تتخذ مهاجرات ومهاجرون محتملون القرار بالهجرة إلى ألمانيا، يتعين أن يتم اطلاعهم وتوعيتهم على نحو شامل بقدر الإمكان بالحياة في ألمانيا”.

وذكرت المفوضة أن الحكومة تسعى أيضا من خلال ذلك إلى تجنب “توقعات خاطئة بشأن الحياة في ألمانيا”.

وتتكون خطة العمل من عدة أجزاء وتشمل موضوعات مثل الاندماج الأولي والاندماج الكلي. ويشارك في المشروع أكثر من 300 جهة فاعلة من الحكومة الاتحادية والولايات المحليات وشركاء اجتماعيين والمجتمع المدني.

وتتولى المفوضة تنسيق الخطة، التي تشارك فيها نحو 75منظمة معنية بالمهاجرين.

تجدر الإشارة إلى أن قانون جذب العمالة الأجنبية المتخصصة الجديد يدخل حيز التنفيذ في ألمانيا في الأول من آذار/مارس المقبل. ويهدف هذا القانون إلى جذب العمالة المتخصصة من دول خارج الاتحاد الأوروبي. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الشهر الماضي إن هناك منافسة كبيرة على العمالة المتخصصة على مستوى العالم، مضيفة أن قطاع الحرف اليدوية الألماني وحده به 250 ألف فرصة عمل شاغرة.

.