السياسة الألمانية والتحول القادم

د. أمير حمد

نقرأ في هذا المقال التطورات السياسية الأخيرة بألمانيا بعد فشل اليمين المتطرف في تفجير مساجد في مدن مختلفة، كذلك الاحداث التي هزت الحزب الحاكم، حزب المستشارة.

في السطور التالية أحداث منة هنا وهناك تبرز أهم التطورات في الشارع السياسي

انطلاق السباق على خلافة ميركل

انطلق السباق على خلافة المستشارة أنجيلا ميركل داخل حزبها المحافظ، مع أخذ الطامحين إلى هذا المنصب مسافة منها ما يلقي بظلاله على نهاية حكمها.

فبعد سنة مضطربة على رأس الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وفقدان الأمل بالفوز، أعلنت الخليفة أنيغريت كرامب- كارنباور عزوفها عن الترشح للمنصب، مطيحة بإمكانية حصول انتقال هادئ للسلطة في نهاية العام 2021، بعد انتهاء ولاية ميركل الرابعة.

وكتبت صحيفة “بيلد” مشكلة العظماء تكمن بأن عليهم الانتهاء كعظماء، والانتقال المنظّم ليس ممكناً معهم، يجب الإطاحة بكل الأقوياء”. وذكّرت الصحيفة ا بأن أنغيلا ميركل ساهمت هي أيضا في العام 1999 بسقوط شخصية كبيرة هو مرشدها هلموت كول الذي أطيح من رئاسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في أعقاب فضيحة سياسية مالية.

تعتزم أنيجريت كرامب- كارنباور، تسليم منصبها في الحزب بحلول الصيف، ومن المتوقّع أن تبدأ محادثات مع المرشّحين المحتملين لخلافتها في قيادة الحزب.

وذكرت مجلة “دير شبيجل” إن الوقت حان ربما لانتقام ميرز. وكان ميرز المؤيد لسلوك نهج يميني والمحامي السابق لدى صندوق “بلاك روك” الاستثماري الأميركي، هُزم بفارق طفيف أمام كرامب- كارنباور في نهاية العام 2018 خلال التنافس على رئاسة الحزب. ويبرز بين المرشّحين أيضا، أرمين لاشيت (58 عاماً) الرئيس الحالي لمقاطعة نوردراين- فيستفاليا. وينتمي لاشيت إلى التيار الوسط، ما يصعّب عليه مهمّة إقناع القاعدة المحافظة بالتصويت له، إلّا أن حظوظه أفضل من فرديرش ميرز للتحالف مع “الخضر” الذين يتوسّعون بسرعة. وهو ما قد يسمح بتشكيل ائتلاف غير مسبوق على المستوى الفيدرالي.

ومن المعروف عن لاشيت أنه من المقرّبين من أنجيلا ميركل، لكنه عبّر عن تمايزه عنها، معرباً عن أسفه لعدم استجابتها لمقترحات إيمانويل ماكرون لإعادة إطلاق المشروع الأوروبي.

ويبرز أخيراً، وزير الصحّة الطموح ينز شبان (39 عاماً)، الذي كان في نهاية العام 2015 من أوائل الذين انتقدوا قرار المستشارة الألمانية بفتح الحدود لأكثر من مليون شخص هارب من الحرب والبؤس.

ويحظى شبان بفرص أقل من منافسيه للفوز، لكنه أبدى انفتاحاً على إدارة “جماعية”، وهو طرح عرضه الكثير من المسؤولين الحريصين على عدم حصول انقسامات في الحزب، ما قد يؤدّي إلى تأخير موعد اختيار مرشّح للمستشارية.

وأكد ماركوس سودر رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي csu، خلال برنامج تلفزيوني، أن “النقطة الأولى” المفترض على المرشّحين توضيحها هي الموقف من الحزب اليميني المتطرف، “البديل من أجل ألمانيا”.

واستبعد شودر الذي ورد اسمه كمرشح أيضا، إمكانية التقارب مع “البديل من أجل ألمانيا”، لاسيّما بعد الزلزال الذي أحدثه التحالف بين اليمين المعتدل واليمين المتطرّف في منطقة تورينغن في مطلع فبراير الماضي.

في الواقع، يشكّل هذا الموضوع إشكالية في ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وينقسم حوله الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إذ يصّعب انتقال جزء من ناخبيه إلى اليمين المتطرف، قدرته على الحكم.

في العام 2015 حصل الاتحاد المسيحي الديمقراطي على 40% من الأصوات، أمّا الآن فهو لم يعد يستقطب مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي، إلا 26% منها.

إلى ذلك، لا يعتبر الموقف حيال “البديل من أجل ألمانيا” الذي يعتمد على خطاب معاد للمهاجرين ومشاعر مناهضة للنخبة وللوحدة الأوروبية منتشرة خصوصا في شرق ألمانيا، الملف الوحيد الذي ينبغي التحرك بشأنه.

في الواقع، يتزامن رحيل أنغيلا ميركل في نهاية العام 2021 أو نتيجة انتخابات مبكرة، مع نهاية مرحلة اقتصادية مزدهرة جدا عرفتها البلاد، وينبغي على من يخلفها تاليا، الإعداد لمستقبل في ظل تقدم المجتمع في السن في البلاد التي تتردّد في استخدام الفوائض المالية للاستثمار.

ويتعيّن على ألمانيا أيضا أن تسرّع عملية التحوّل الصناعي في مواجهة التغير المناخي، وهو تحدٍّ صعب للغاية بالنسبة إلى قطاع السيارات فيها.

مطالبات بتوفير حماية للمسلمين بألمانيا

طالب الاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا “ديتيب” بتوفير حماية للمسلمين في البلاد بعد أن تم كشف النقاب عن خطط لاستهداف مساجد.

وقال ديتيبت، في كولن إن الكثير من المسلمين لم يعودوا يشعرون بالأمان ،مشيرا إلى أن الخطر أصبح حقيقيا. وأضاف أن من الأمور المخيبة للآمال أن تصمت الأغلبية وعدم ظهور علامات للتضامن ” واحتجاج مجتمعي” حتى الآن.

وكان قد أُعْلِنَ في وقت سابق أن أعضاء في خلية يمينية إرهابية بقيادة شخص يدعى “فيرنر إس” خططت لشن هجمات على ستة مساجد في مدن صغيرة.

وحذر ديتيب، في بيانه من أن صمت شريحة مجتمعية عريضة يمكن أن يُفْهَم على أنه “موافقة صامتة”، وأضاف أن “من المناسب لدى بعض الجماعات أن تعطي انطباعا بأن التحرك ضد المسلمين مشروع بالفعل”.

واشار الاتحاد إلى أنه تم تسجيل عدة هجمات على مساجد في جميع أنحاء ألمانيا سنويا ومن بين هذه الهجمات كانت هناك عشر هجمات في عام 2020.

وشنت السلطات الألمانية حملات في ست ولايات أسفرت عن صدور أوامر اعتقال بحق 12 شخصا، وتعتقد السلطات الألمانية أن مجموعة فيرنر إس كانت تنوي أيضا شن هجمات على ساسة وطالبي لجوء ومسلمين.

أزمة ثراء

في إطار مواجهة أسعار الفائدة السلبية للبنك المركزي الأوروبي، سجلت ودائع البنوك الألمانية 43.4 مليار يورو، نقدا، وفقًا لبيانات البنك المركزي الألماني.

في هذا الصدد، أفادت صحيفة «ليزيكو» الفرنسية أن هذه المبالغ القياسية غير مسبوقة، غير أنها أعلى بمقدار ثلاثة أضعاف عن المسجلة في مايو 2014.

المثير للسخرية، أن البنوك الألمانية تعاني مؤخراً من مشكلات تخزين الأموال، والمعروفة باسم «أزمة ثراء»، حيث لا تتسع خزائن بنوكها إلى مزيد من الأموال، مما يزيد الحاجة إلى تأسيس خزائن جديدة أو حتى التعاقد مع شركات خارجية لتخزين الأموال. وحملت الصحيفة البنك المركزي الأوروبي السبب في ذلك، على خلفية إقرار أسعار الفائدة السلبية، وهي سياسة مؤكدة من قبل الهيئة الأوروبية في اقتصاد أضعفته التوترات التجارية.

على الرغم من المخاطر، ومن ثم تكاليف التأمين والطرق اللوجستية، أصبح من الأفضل حاليًا الاحتفاظ بالأموال في المنزل بدلاً من إيداعها لدى البنوك.

وكشف تحقيق برلماني حول أسعار الفائدة السلبية أن القطاع المصرفي سدد نحو 2.4 مليار يورو ، لصالح البنك المركزي الأوروبي في عام 2018 مقابل رسوم الإيداع.

مؤتمر ميونيخ للأمن..

انطلقت أعمال مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، حيث اجتمع على مدار ثلاثة أيام، في جنوب ألمانيا، صنّاع القرار والخبراء في مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم والمجتمع الدولي، بهدف مناقشة الأزمات الراهنة والتحديات السياسية الأمنية التي تواجه العالم.

وانعقد المؤتمر وسط شعور بعدم الرضا وبالقلق جرّاء الشكوك المتزايدة بشأن الأهداف الثابتة للعالم الغربي، هذا إضافة إلى أن العديد من التحديات باتت مرتبطة بما يصفه البعض تراجع المشروع الغربي.

وسلط “مؤتمر ميونيخ الأمني المزيد من الضوء على تباين السياسات والمواقف بين الأوروبيين والولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، تجاه الكثير من الملفات التي تتعلق بالأمن الدولي”.

وتقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطوة جديدة على طريق الدفاع عن السيادة التكنولوجية الأوروبية، كما حاول طرح أفكار لتحويل فلاديمير بوتين إلى شريك أمني لأوروبا”، معرباً عن اعتقاده بأن الأمريكيين، وخاصة أنصار الرئيس ترامب، سيوجّهون خلال المؤتمر انتقادات حادة لأوروبا بما يتعلق بأدائها السياسي والاقتصادي على أكثر من صعيد.

ويعدّ مؤتمر ميونيخ الأمني واحداً من أهم الفعّاليات العالمية المتعلقة بالسياسات الأمنية، ويشارك في النسخة الـ 56  للمؤتمر عشرات رؤساء الدول والحكومات، ونحو مائة وزير للخارجية والدفاع ووزارات أخرى، إضافة إلى ممثلي المنظمات والهيئات الدولية على غرار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي وحلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومن الشخصيات المشاركة في المؤتمر: الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الرئيس الأفغاني محمد أشرف غاني والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، كما شارك المدير التنفيذي لشركة “فيسبوك” مارك زوكربيرغ، على اعتبار أن شركات التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير على السياسة الأمنية في العالم.

وكان مؤتمر ميونيخ تأسس في أوائل العقد السابع من القرن الماضي كملتقى ألماني أمريكي لتبادل المعلومات والخبرات بشأن القضايا الأمنية، وبات يُنظر إليه كمنصّة لتقويم الوضع الأمني الدولي الراهن، وكملتقى لتنسيق الجهود ومناقشة السياسات والآليات الهادفة إلى توطيد دعائم الأمن الدولي.

الديمقراطية بين شرق ألمانيا وغربها

كشفت دراسة حديثة أن الألمان راضون مبدئيا إلى حد كبير عن الديمقراطية في بلادهم. وأظهرت الدراسة طويلة المدى، التي أجريت بتكليف من مؤسسة “كونراد أديناور” المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي أن 37% من الألمان ذكروا أنهم راضون للغاية أو نوعا ما بالديمقراطية، بينما ذكر 45% آخرين أنهم راضون جزئيا عنه.

وتبين من خلال الدراسة، التي أطلعت على نتائجها وكالة الأنباء الألمانية أن 17% فقط من الألمان ذكروا أنهم غير راضين للغاية أو نوعا ما عن الديمقراطية.

وأشارت الدراسة إلى تفاوت في هذه التقديرات بين مواطني شرق البلاد وغربها، حيث بلغت نسبة الرضا عن الديمقراطية في غرب البلاد 40%، لتزيد بذلك بمقدار الضعف تقريبا عن نسبة الرضا بالديمقراطية في شرق البلاد (22%).

كما ترتفع نسبة السخط من الديمقراطية في الولايات الواقعة شرقي البلاد (28%) بمقدار الضعف تقريبا مقارنة بالولايات الغربية (15%).

وأشارت معدة الدراسة إلى أن دراسات أخرى أيضا توصلت إلى هذه النتيجة، حتى مع إعادة صياغة جزئية للأسئلة المطروحة على المستطلع آرائهم ومقاييس الإجابات.

الرئيس الألماني ينتقد القوى العظمى ويحذر من سباق تسلح نووي

وجه الرئيس الألماني “فرانك فالتر شتاينماير” انتقادات ضمنية لنظيره الأميركي دونالد ترامب، واتهم الولايات المتحدة والصين وروسيا بإثارة حالة من “انعدام الثقة والأمن في العالم، بفعل المنافسة بين القوى العظمى”، هذه المنافسة قد تهدد بسباق تسلح نووي جديد.

وندد شتاينماير، في تصريحات أدلى بها في افتتاح مؤتمر ميونخ السنوي للأمن، بأسلوب القوى العالمية الكبرى الثلاث في التعامل مع الشؤون الدولية، مشيرا إلى التعهد “بجعل أميركا عظيمة من جديد” دون ذكر الرئيس الأميركي بشكل مباشر. وقال شتاينماير متهكما: “عظيمة من جديد، حتى لو على حساب جيرانها وشركائها”.

وتابع: “روسيا.. جعلت من القوة السياسية والتغيير السافر لحدود القارة الأوروبية أداة سياسية مجددا، (…)، والصين تقبل القانون الدولي على نحو انتقائي عندما لا يتعارض ذلك مع مصالحها”.

واستكمل: “أما أقرب حليف لنا، الولايات المتحدة، فإنها ترفض فكرة وجود مجتمع دولي في ظل الإدارة الراهنة”.

واستطرد قائلا إن نتاج ذلك هو “انعدام ثقة أكثر وتسليح أكثر وأمن أقل.. وكل هذا يفضي إلى سباق تسلح نووي جديد”.

واعتبر شتاينماير أنه يتعين على ألمانيا في مقابل ذلك، أن تعزز الإنفاق الدفاعي للمساهمة أكثر في أمن أوروبا والحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة، وأقر بأن مصالح الولايات المتحدة تميل نحو آسيا أكثر من أوروبا.

وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: “ألمانيا مستعدة لأن تصبح أكثر مشاركة، بما في ذلك عسكريا، لكن دعونا لا نحصر المناقشة في مسألة واحدة. قوة تحالفنا لا تقاس باليورو أو الدولارات وحدها”، وذلك ردا على الضغط الأميركي على ألمانيا لزيادة إنفاقها الدفاعي.

وأضاف: “يحقق النقاش الدؤوب وليس الحد الأقصى من الاضطراب نتائج جيدة”. كما تطرق إلى حلف شمال الأطلسي، بالقول: “سويا فحسب نملك القوة الاقتصادية والإمكانات العسكرية وأفكار النظام السياسي اللازمة للدفاع عن النظام العالمي المستقر”.

ودعا شتاينماير إلى سياسة أوروبية تجاه روسيا “لا تقتصر على إدانة التصريحات والعقوبات وحدها”، مضيفا أن أوروبا “يجب أن تجد توازنها الخاص مع الصين، في ظل تكثيف المنافسة بين النظم والحاجة إلى التعاون”.

.