الرجل الأكثر نفوذا حول العالم

 

صبري هلال

 

نقلت صحيفة واشنطن بوست عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصفه الرئيس الصيني، شي جين بينج، بأنه الرئيس الصيني الأقوى منذ قرن. يبدو ترامب محقًّا بشأن ذلك؛ بل إنه كان ليبدو منطقيًّا لو قال ترامب إن “شي جين بينج” هو الزعيم الأقوى في العالم، لكنه بذلك كان سيضع نفسه في موقف ضعف.

يناقش هذا التقرير، الذي نشرته مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، ازدياد نفوذ الرئيس الصيني، وكيف سيؤثر ذلك في مستقبل العالم.

 

في الواقع، لا يزال الاقتصاد الصيني ثانيًا خلف الاقتصاد الأمريكي، ولا يزال الجيش الأمريكي أقوى من نظيره الصيني، لكن القوة الاقتصادية والعسكرية ليست كل شيء. يتبع ترامب سياسة عدائية تجاه الأجانب، ويبدو عاجزًا عن تطبيق أجندته في الداخل، بحسب ما جاء في التقرير.

على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الدولة الأقوى في العالم، فإن رئيسها أضعف داخليًّا، وأقل فعالية خارجيًّا من سابقيه، إذ يسخر ترامب من القيم والتحالفات التي تدعم النفوذ الأمريكي.

على النقيض، يفرض الرئيس الصيني نفوذه خارجيًّا، كما يعتبر أكثر الزعماء الصينيين إحكامًا لقبضته في الداخل منذ “ماو تسي تونج”. بينما كان الفقر والفوضى من سمات الصين في فترة حكم |ماو تسي تونج”، يعتبر “شي جين بينج” محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي العالمي. من المتوقع أن تصبح قبضة الرئيس الصيني أكثر إحكامًا في الفترة المقبلة، بعد انعقاد الدورة 19 للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعى الصيني، والتي تشمل تعديل دستور الحزب ليتضمن الأفكار السياسية للرئيس الصيني.

 

دور قيادي

في العديد من جولاته حول العالم، قدم “شي جين بينج” نفسه سفيرًا للسلام والتعاون، وصوتَ العقل في عالم مليء بالاضطرابات، وقد ساعدته إخفاقات ترامب على لعب هذا الدور. في منتدى دافوس الاقتصادي الذي عُقِد في يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، أكد “شي جين بينج” دعمه للعولمة الاقتصادية والتجارة الحرة، ودعا للالتزام باتفاق باريس للمناخ.  شعر المشاركون في المنتدى بالارتياح، فقد رأوا أن هناك قوة كبرى على استعداد للوقوف إلى جانب الصواب، في حال لم يفعل دونالد ترامب – الذي لم يكن قد تسلّم منصبه وقتها – ذلك.

لاقى خطاب الرئيس الصيني اهتمامًا كبيرًا، وذلك لامتلاك بلاده أكبر احتياطي للنقد الأجنبي، مما يجعلها مصدرًا للدعم. ومع إطلاقه مبادرة «الحزام والطريق» للتعاون الدولي، كان واضحًا أن الرئيس الصيني على استعداد لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في السكك الحديدية، والمواني، ومحطات الطاقة، والبنية التحتية بشكل عام، التي من شأنها أن تساعد بلدان عديدة على الازدهار. لم تُظهِر الولايات المتحدة هذا النوع من القيادة منذ مشروع مارشال الاقتصادي لإعادة تعمير غرب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كان أصغر حجمًا من المبادرة الصينية الأخيرة.

أشار التقرير إلى أن “شي جين بينج” يسعى كذلك إلى إنشاء قوة عسكرية صينية غير مسبوقة في الخارج، وقد افتتح الرئيس الصيني قاعدة عسكرية في جيبوتي، وهي أول قاعدة عسكرية صينية خارج حدودها. بالإضافة إلى ذلك، شاركت القوات البحرية الصينية في مناورات بحرية مع روسيا في بحر البلطيق، وذلك فى يوليو (تموز) العام الماضي. وبحسب ما تعلنه الصين، فإنها ليس لديها نوايا لغزو الدول الأخرى لفرض إرادتها، باستثناء تايوان التي لا تعترف بها الصين دولة، وأن جهودها لبناء قواعد عسكرية خارجية تهدف إلى دعم عمليات حفظ السلام والبعثات الإنسانية، ومكافحة القرصنة. أما بالنسبة للجزر الاصطناعية التي تضم مدارج طائرات عسكرية، والتي تبنيها الصين في بحر الصين الجنوبي، فهي دفاعية بحتة، بحسب ما تعلنه بكين.

على عكس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يتسبب “شي جين بينج” في خلق المشكلات من أجل زعزعة استقرار الغرب. ومع ذلك، فإن الرئيس الصيني لن يقوم بردع حليفته كوريا الشمالية، التي تهدد الغرب بامتلاكها أسلحة نووية.

 

أسباب تدعو للخوف

لا تعد السياسة الداخلية الصينية للرئيس شي جين بينج أقل تعصبًا من سياسة نظيره الروسي، إذ يعتقد جين بينج أن القليل من التساهل السياسي سوف يؤدي إلى سقوطه، وسقوط نظامه كذلك، فدائمًا ما يقلقه مصير الاتحاد السوفيتي.

لذلك يبدو الرئيس الصيني عازمًا على إحكام سيطرته على المجتمع الصيني، وذلك عن طريق تعزيز سلطات الدولة في المراقبة، وإبقاء الحزب الشيوعى متحكمًا في الاقتصاد.

التطلعات الصينية للسيطرة على التجارة العالمية من خلال مشاريعها العملاقة، وتحديدًا مشروع طريق الحرير الجديد، والبعد الاستراتيجي لهذا المشروع، له أيضًا تأثيرات مختلفة على النفوذ الأمريكي العالمي.

 

خطة الصين

حسب التقرير، تسعى الصين للسيطرة على العالم في القرن الجاري، وتحويله إلى قرن الأمجاد الصينية، والمفتاح لهذه السيطرة هو مشروع «طريق الحرير الجديد»، والذي يعد أضخم محاولة هندسية منذ عصر الإمبراطورية الرومانية، ويمتد بين عشرات الدول.

يطلق على المشروع أيضًا اسم «حِزام واحد، طريق واحد»، وتشير كلمة الحزام إلى الجزء البري من المشروع، والذي يتضمن طرقًا وخطوطًا للسكة الحديدية، وكل ما يخدمها من بنى تحتية، ومن بينها خطوط الطاقة والإنترنت عبر أراض تمتد من غرب الصين مرورًا بآسيا الوسطى، وصولًا إلى أوروبا والشرق الأوسط.

الجزء الآخر هو الطريق البحري، والذي يتألف من موانٍ جديدة، وسفن عملاقة، ومسارات بحرية من جنوب الصين عبر المحيط الهندي وصولًا إلى أفريقيا، ثم عبر البحر المتوسط وصولًا لأوروبا. وفي حال نجحت تلك المشاريع في تحقيق أهدافها، سيتجاوز حجم التجارة عبر هذا الطريق 2.5 تريليون دولار سنويًا.

يضيف التقرير أن الصين قد استثمرت بالفعل تريليون دولار في المشروع حتى الآن، في حين وافقت 68 حكومة ومنظمة دولية على المشاركة فيه.

 

الخلاصة

ما تحاول الصين القيام به هو توفير بديل أيديولوجي، بل وأخلاقي للنظام الأمريكي والغربي بشكل عام، والليبرالية على نطاق أوسع، وأن الهدف هو استعادة أمجاد الإمبراطورية الصينية باعتبارها مركز القوة في العالم.