الديون الأمريكية: واشنطن تدق ناقوس خطر

أحمد مرعي

مستوى تاريخي جديد بلغه الدين الأميركي بعد تجاوزه 33 تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخ أميركا. ويعتبر هذا المستوى ضخماً جداً إذ يعادل تقريباً ديون ثلاث من الدول المصنفة كأعلى مديونية في العالم وهي: اليابان والصين وإيطاليا.

وغالباً تقترض الحكومة الأميركية الأموال عن طريق إصدار سندات الخزانة وأنواع أخرى من سندات الدين لتغطية العجز في الميزانية أو لتمويل مشاريع محددة.

الديون تتجاوز الاقتصاد

وعلى المستوى المحلي، أصبح الدين يعادل 1.5 مرة حجم الاقتصاد للولايات المتحدة، إذ باتت نسبته 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 22 تريليون دولار تقريباً. ويعني ذلك أن نصيب الفرد من الدين يقارب 100 ألف دولار على افتراض أن عدد السكان يبلغ 330 مليون نسمة.

وعلى المستوى العالمي، أصبح دين الولايات المتحدة يعادل نحو 11 في المئة من الديون العالمية، حيث يحمل هذه الديون حكومات ومؤسسات وشركات وصناديق استثمار وأفراد داخل أميركا وخارجها على شكل سندات خزانة.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن زيادة بنسبة 50 في المئة تقريباً في الإنفاق الحكومي بين العامين الماليين 2019 و2021 أسهمت في بلوغ المستوى الجديد للمديونية.

وكانت مجموعة عوامل دفعت للوصول لهذا المستوى أبرزها التخفيضات الضريبية وبرامج التحفيز وانخفاض الإيرادات الضريبية نتيجة لانتشار البطالة على نطاق واسع خلال جائحة “كوفيد–19”.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، حبس العالم أنفاسه على خلفية الخلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لرفع سقف الدين بعد بلوغه الحد الأقصى وقتذاك عند 31 تريليون دولار. وبعد جدال ومناورات سياسية استمرت أكثر من شهر توصل الحزبان لاتفاق على تمديد سقف الدين حتى عام 2025.

وأنشأ الكونغرس الأميركي، بشقيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، قانون سقف الديون في عام 1917 لمراقبة حجم الدين الحكومي، إذ يجب أن يوافق على كل زيادة في هذه الديون ضمن سقف محدد، حتى يضمن أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه المقرضين وتتجنب التخلف عن السداد بشكل كارثي.

خلاف سياسي

الجمهوريون، الذين يسيطرون حالياً على الغالبية في مجلس النواب، يضغطون من أجل خفض الإنفاق الحكومي والامتناع عن الاقتراض المفرط. بالمقابل، يدعم الديمقراطيون، وهم الغالبية في مجلس الشيوخ، برامج الرئيس الأميركي جو بايدن، خصوصاً قانون خفض التضخم الذي تقدّر تكلفته بأكثر من تريليون دولار على مدى عقد من الزمن.

لكن حصيلة الخلافات أدت إلى تخفيض تصنيف الولايات المتحدة من قبل وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في أغسطس (آب) الماضي، وهذه هي ثاني وكالة تقوم بذلك للسبب نفسه، بعد أن خفضت وكالة “ستاندرد أند بورز” التصنيف الائتماني عام 2011.

ومع أن التخفيض لم يؤثر كثيراً في ملاءة الحكومة الأميركية وجاذبية سنداتها، حيث ما زال تصنيفها يعتبر بين الأفضل في العالم عند “إي إي+”، إلا أنه يدق ناقوس الخطر أمام الحكومة الأميركية، حيث بات حجم الفائدة الذي تدفعه على ديونها ضخماً للغاية، وإذا افترضنا أن نسبة الفائدة على الديون تقارب1  في المئة، فالمبلغ السنوي يبلغ 330 مليار دولار، علماً أن الفائدة على سندات الخزانة الأميركية المعيارية لمدة 10 سنوات يقارب 4 في المئة تقريباً.

تبعات ارتفاع الديون

ويعتبر ارتفاع الفائدة من الأخطار التي تُحدثها زيادة الديون، حيث تستهلك مدفوعات الفائدة جزءاً أكبر من الميزانية الفيدرالية، مما قد يؤدي إلى مزاحمة الإنفاق في مجالات أخرى مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.

وتزيد المديونية المرتفعة أخطار الائتمان، حيث ترتفع أسعار الفائدة على القروض المستقبلية.

وهناك تأثير آخر غير مباشر للديون العالية حيث قد تؤدي لزيادة التضخم وعدم استقرار العملة، خصوصاً إذ تم تسييل سندات الدين.

والتأثير الأكبر يكون على معنويات المستثمرين، حيث قد يؤدي ارتفاع مستويات الدين العام إلى خلق حالة من عدم اليقين بين المستثمرين في الداخل والخارج، مما قد يؤثر في الاستثمار في الأوراق المالية الأميركية والاقتصاد الأوسع.

معدلات الفقر

وقد زادت معدلات الفقر في الولايات المتحدة العام الماضي بأعلى نسبة زيادة سنوية على الإطلاق في البلاد صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم.

ووفقاً لأرقام مكتب الإحصاء الأميركي ارتفعت نسبة الفقر بين الأميركيين العام الماضي إلى 12.4 في المئة مقابل نسبة زيادة 7.8 في المئة العام السابق.

 إلى ذلك ارتفع مؤشر أعداد الفقراء بشكل عام في أميركا بنسبة 11.5 في المئة، ما يعني محو كل مؤشرات تحسن معدلات الفقر منذ عام 2019.

وأدى ارتفاع كلف المعيشة بشكل عام مع توقف برامج المساعدات الحكومية التي أطلقتها إدارة الرئيس جو بايدن للتخفيف من أضرار أزمة وباء كورونا إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر بهذا الشكل الهائل، تزامناً مع التراجع اللافت في قيمة الدخول الحقيقية لأغلب الأسر الأميركية.

وتشير التوقعات إلى أن تشكل معدلات الفقر وتراجع الدخول وفقدان الرعاية الصحية عاملاً سلبياً لإدارة الرئيس بايدن خصوصاً في عام الحملة الانتخابية، إذ سيركز فريق الرئيس الحالي على إنجازات الإدارة الاقتصادية.

بينما تشير استطلاعات الراي إلى أن الأميركيين لا ينظرون بعين الرضا إلى الوضع الاقتصادي على رغم بدء تباطؤ الارتفاع في معدات التضخم.