الاتحاد الأوروبي وتحديات الوجود

عادل فهمي

.

على طاولة الاتحاد الأوروبي، في 2020، تحديات عديدة، أبرزها عملية خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست)، والعلاقات مع تركيا، وجهود القارة العجوز لمكافحة التغير المناخي وغيرهم.

أما قضية “بريكست” فقد دّعمت حضورها في الوسط الأوروبي بمؤثرات دراماتيكية بدأت مع انهيار حكومة تيريزا ماي الصيف الماضي وتسلّم بوريس جونسون وخطّته للخروج من الاتحاد الأوروبي .

حكومةُ تيريزا ماي لم تكن الحكومة الأوروبية الوحيدة التي انهارت العام الماضي، فقد انهارت أيضاً الحكومة الإيطالية، والحكومة النمساوية، وحكومة إسبانيا ورومانيا وفنلندا، هذا فيما أفرزت الانتخابات الأوروبية تشكيلة جديدة للمفوضية برئاسة وزيرة الدفاع السابقة في ألمانيا أورسولا فون دير لاين.

تلك، كانت أبرز الملفات التي شغلت اهتمام الأوروبيين العام الماضي، فما هي الملفات والقضايا المتوقّع أن تحتل مكانة بارزة في سلم أولويات قادة التكتّل هذا العام.

مجموعة “فيشيغراد”

خطت دول مجموعة “فيشيغراد” (المجر، بولندا، والتشيك وسلوفاكيا) سياسة معارضة لسياسات الاتحاد حيال بعض القضايا، وهو ما يبدو أنه سيستمر العام الجاري.

وثمة قضايا تثير غضب دول أوروبا الغربية، كالمعارضة المتزايدة للمهاجرين في بولندا والمجر، والجدل حول السياسات اليمينية وسيادة القانون. فيما تشكو الدول الشرقية من أنه لم تُخصص لها استثمارات كافية بميزانية الاتحاد.

وتَعمق هذا الصدع بتبني البرلمان الأوروبي، وللمرة الأولى، في 2018، إجراءً يُعرف بـ”المادة السابعة”، يطلب من الدول الأعضاء التحرك لمنع “ارتكاب خروقات خطيرة تمس قيم” الاتحاد في المجر.

وندد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، آنذاك، بما اعتبرها محاولة ابتزاز لدفعه إلى تغيير موقفه المتشدد تجاه الهجرة.

و”المادة السابعة”، التي يُطلق عليها أحيانًا “الخيار النووي”، هي إجراء عقابي لتأديب دولة عضو.

ونظريًا، يمكن لهذا الإجراء أن يؤدي إلى تعليق حق التصويت لبلد ما في الاتحاد، لكن ذلك يتطلب دعمًا جماعيًا، وهو مستبعد بسبب عرقلة بولندا له.

أوروبا والصين

“بقاء الحال من المحال”، هذه واحدة من سنن الحياة، ولعل السياسة الأوروبية هي الأكفأ على تمثّل هذا الناموس والأقدر على التعامل مع مفاعيله، فبعد أن تغادر بريطانيا السوق الأوروبية المشتركة، من المتوقع أن تهرع فرنسا وألمانيا إلى بروكسل من أجل تبني الأخيرة سياسة صناعية تقوم على دعم الدولة والتخطيط المركزي وتعزيز قدرات الشركات الأوروبية.

وستتكئ السياسة الصناعية الأوروبية على حق النقض إزاء عمليات الاستحواذ الصينية في الاتحاد الأوروبي، واستبعاد الشركات الآسيوية في العقود العامّة، ومن المتوقع أن يعمل الاتحاد على الاعتماد على الجيل التالي من الشركات المحلية المتفوِّقة في قطاع صناعة السيارات الكهربائية والرعاية الصحية وغيرها، كما من المتوقع أن يشهد العام الجديد عمليات اندماج ضخمة في مجال الاتصالات وغيرها من الصناعات الحديثة.

الدول الليبرالية، كالسويد وهولندا، والمستفيدون الكبار من الاستثمارات الصينية كاليونان والبرتغال، ستوجه انتقادات شديدة للعملاق الصناعي الفرنسي الألماني على اعتبار أن لباريس وبرلين معايير مزدوجة تجاه ملف العلاقة مع الصين، غير أن حكومتي فرنسا وألمانيا ستتجاهلان تلك الانتقادات وستواصلان العمل انطلاقاً من أرضية تصدّرهما المشهد الاقتصادي الأوروبي، وفي هذا السياق، يتوقع المحللون، أن تكون النتائج على الصعيد الصناعي في أوروبا مخيبة للآمال، لأسباب عدّة من بينها التدافع الأوروبي البيني، واضطّراب الرؤية الأوروبية الموحدة تجاه العلاقة مع الصين.

بريكست والقضايا الخلافية

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال محادثاته المرتقبة مع الاتحاد الأوروبي، بشأن العلاقة التجارية بين بروكسل ولندن، بعد خروج المملكة المتحدة من التكتّل، سيحاول الضغط من أجل انتزاع حرية الخروج عن قواعد الاتحاد الأوروبي.

فالمملكة المتحدة قد بات بحكم شبه المؤكد أن موعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي هو الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، لكنّ ما هي طبيعة العلاقة التي تسعى المملكة المتحدة إلى توطينها في التعاطي مستقبلاً مع الاتحاد الأوروبي، هذا العلاقة التي من المفترض أن تتحدد طبعتها قبل حلول نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر القادم، علما أن جونسون ما برح يستبعد تجاوز الموعد النهائي الضيق لانتهاء محادثات التجارة بعد 11 شهراً، لذا من المتوقع أن نشهد العام الجاري جولات من المفاوضات الشاقّة التي سيقودها من الطرف الأوروبي الدبلوماسي الفرنسي ميشيل بارنييه، مع عدم وجود ضمانات في التوصل إلى اتفاق نهائي خلال العام الجاري بين لندن وبروكسل بشأن القضايا الخلافية التي يتضمّنها ملف بريكست.

تحديات المناخ

من المتوقع أن تصل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى رقم قياسي آخر في العام 2020. ولن يكون ثمة ما يشير إلى أن الزيادة العالمية في درجات الحرارة أصبحت تحت السيطرة.

في ظل هذه الخلفية، ستبرز إلى الواجهة خطة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لمواجهة التغير المناخي “الصفقة الخضراء الأوروبية”، تلك الخطة التي ستلقي بتداعياتها على اللوائح المالية وقواعد إنتاج المواد الكيميائية والضرائب المفروضة على قطاعات النقل البحري والجوي والبري إضافة لقطاع الإنشاءات. ومعايير التلوث الناجم عن السيارات، إضافة إلى العلاقات التجارية للتكتّل مع باقي دول العالم.

سياسات ترامب

إبّان حكم الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما وصف الاتحاد واشنطن بـ”الحليف الموثوق”، لكنها أصبحت في ظل سياسات سلفه دونالد ترامب، “حليفًا لا يمكن توقعه تصرفاته”.

من هذه السياسات، انسحاب ترامب، في 2018، من الاتفاق النووي مع إيران، ومن اتفاق باريس للمناخ، في 2019، وهو ما اعتبره الاتحاد تخليًا من ترامب عن حلفائه الأوروبيين في منتصف الطريق.

واتفاق باريس هو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وتم التوصل إليه عقب مفاوضات أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الـ21 للتغير المناخي بباريس، في 12 ديسمبر/كانون أول 2015، وصدّقت عليه كل الوفود الـ195.

من الأسباب الأخرى لفتور العلاقات الأوروبية الأمريكية هو اتهام ترامب المتكرر للدول الأوروبية بالفشل في توفير موارد مالية كافية لحلف شمال الأطلسي (ناتو).

كما أغضب ترامب برلين، قاطرة الاتحاد، بخطته لفرض عقوبات على الشركات المشاركة في بناء خط أنابيب “نورد ستريم 2″، الهادف إلى زيادة صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا.

وعلى طاولته، يبقي ترامب على ورقة الحرب التجارية ضد الاتحاد الأوروبي، وهو ما يقلق الاتحاد، الذي يتخوف أيضًا من أن تأثير روسيا والصين والولايات المتحدة على المؤسسات الدولية، سيزيد الضغوط عليه.

.