الإنسان وقلب الخنزير

إحسان الفالح /

أحدث خبر زراعة قلب خنزير في جسد إنسان ضجة في الأوساط العلمية، فهذه العملية قد تكون الخطر الأول نحو حل أزمة نقص الأعضاء التي تؤدي إلى آلاف الوفيات سنوياً.

لكن لماذا تم اختيار الخنزير على وجه التحديد، وما هي عملية التعديل الوراثي التي خضع لها قلب الخنزير قبل زراعته في جسد المريض البشري؟

زراعة قلب خنزير في جسد إنسان

ديفيد بينيت رجل يبلغ من العمر 57 عاماً، أصيب بمرض قلبي عضال، وقررت العديد من المراكز الطبية أنه غير مؤهل لعملية زرع قلب بشري. وبذلك لم يعد بإمكان ديفيد سوى انتظار الموت أو المخاطرة بزراعة قلب خنزير معدل وراثياً في جسده، وقد اختار الرجل المتمسك بالحياة الخيار الثاني.

وفي اليوم السابق للعملية، قال بينيت: “إما الموت أو إجراء عملية الزرع هذه. أريد أن أعيش وهذا خياري الأخير، إنني أتطلع إلى الخروج من المشفى بعد أن أتعافى”.

وبالفعل، أجريت يوم الجمعة في السابع من يناير/كانون الثاني 2022، أول عملية زراعة قلب خنزير في جسد إنسان، وذلك في المركز الطبي بجامعة ميريلاند. وبعد مرور 4 أيام بدء المريض بالتنفس بشكل طبيعي من تلقاء نفسه، رغم أنه لا يزال متصلاً بجهاز القلب والرئة لتقوية الدورة الدموية، وفقاً لبيان صادر عن جامعة مركز ميريلاند الطبي (UMMC).

وستكون الأيام والأسابيع القادمة حاسمة فيما إذا كان سينجو من العملية أم لا.

تجربة فاشلة عام 1984

من الجدير بالذكر أن عملية زراعة قلب حيواني في جسم بشري ليست فكرة وليدة، فقد تمت تجربتها بالفعل عام 1984.

ففي ذاك العام ولدت رضيعة أمريكية تدعى ستيفاني فاي بوكلير بمرض عضال في القلب، وكان الأطباء يأملون أن يساعدها زراعة قلب قرد في جسدها على البقاء على قيد الحياة.

وبالفعل فقد عاشت الرضيعة لمدة 21 يوماً بعد إجراء العملية لكنها لم تستطع الصمود أكثر من ذلك، فقد رفض جهازها المناعي ذلك الجسم الغريب “قلب القرد” وبدء بمهاجمته.

وبعد هذه التجربة الفاشلة تم التخلي عن الممارسة التجريبية المتمثلة في زرع قلب حيواني في جسم بشري، إلى أن قرر الأطباء إعادة الكرة في عام 2022، لكن باستخدام قلب خنزير هذه المرة.

وبما أن حالة المريض ميؤوس منها، فقد حصلت ولاية ماريلاند على موافقة طارئة ليلة رأس السنة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التي وافقت على إجراء العملية استناداً إلى بند يسمح باستخدام العلاجات التجريبية، عندما لا يكون هناك خيار آخر لإنقاذ حياة المريض.

لم يعتبر قلب الخنزير مناسباً؟

تعتبر الخنازير متبرعاً مناسباً لأن قلوبها تقريباً بنفس حجم وشكل القلوب البشرية. وقد تم نزع قلب الخنزير جراحياً ثم أجري عليه تعديل وراثي قبل أن يتم زرعه في جسد المريض البشري.

ومن الجدير بالذكر، أنه قد تم استخدام صمامات قلب الخنزير بنجاح لعقود من الزمن كبديل عن صمامات القلب التالفة لدى البشر، ولكن حتى الآن منعت إمكانية حدوث تفاعل مميت في الجهاز المناعي زراعة قلوب بأكملها.

وفي طبيعة الأحوال، لم يكن قرار زرع قلب خنزير في جسد مريض أمراً وليد اللحظة، فقد تلقت كلية الطب بجامعة ماريلاند أكثر من 15 مليون دولار في شكل منح بحثية لتقييم عمليات زرع القلوب من الخنازير المعدلة وراثياً على مدار سنوات.

كما تعمل العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية على تطوير أعضاء خنازير معدلة وراثياً لعمليات زرع البشر.

لكن ما هي عملية التعديل الوراثي التي خضع لها قلب الخنزير قبل نقله؟

تختلف تجربة الزرع هذه المرة عن تجربة زرع قلب القرد الفاشلة التي أجريت قبل 38 عاماً، فقد خضع قلب الخنزير المزروع لعملية تعديل جيني قد تقلب المعادلة.

إذ يقول الأطباء إن عملية الزرع الجديدة هذه تمثل طفرة لأن الخنزير المتبرع خضع لعملية تعديل جيني لإزالة نوع معين من السكر من خلاياه، ويعتقد أن هذا النوع على وجه التحديد هو المسؤول عن رفض الجهاز المناعي للأجسام المزروعة، ويفترضون أن المشكلة ستحل بانتزاعه.

وقد شملت عملية التعديل الجيني إخراج ثلاثة جينات يمكن أن تؤدي إلى استجابة سلبية للجهاز المناعي لدى المريض، كما تمت إضافة ستة جينات بشرية للمساعدة في قبول جسد المريض البشري للقلب الجديد.

كذلك فقد تم تعطيل جين آخر في الخنزير حتى لا ينمو القلب بشكل كبير، كما استخدم الأطباء أدوية لقمع جهاز المناعة لدى المريض.

ووفقاً لما ورد في موقعLive Science ، فقد ابتكر الطبيب الباكستاني محمد محيي الدين، طريقة التعديل الوراثي تلك، ويعتقد محيي الدين أن هذه الطريقة ستقلل رفض الجهاز المناعي في جسم المريض للعضو المزروع.

وقال الدكتور محمد محيي الدين، المدير العلمي لبرنامج زرع الأعضاء من حيوان إلى إنسان في جامعة ميريلاند، لوكالة أسوشيتدبرس: “إذا نجحت هذه العملية، فسيكون هناك إمداد غير محدود من الأعضاء للمرضى الذين يعانون”.

ثورة في عالم الطب

إذا أثبتت طريقة التعديل الوراثي لأعضاء الحيوانات المانحة نجاحها على المدى الطويل، فسيشكل ذلك ثورة في عالم الطب، إذ ستصبح زراعة أعضاء الحيوانات خياراً للعديد من المرضى الذين ينتظرون عمليات الزرع.

فوفقاً للشبكة المتحدة لمشاركة الأعضاء، التي تشرف على زراعة الأعضاء في الولايات المتحدة، كان هناك أكثر من 3800 عملية زرع قلب في عام 2021، وهو رقم قياسي.

في حين ينتظر أكثر من 100 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها دورهم لإجراء عملية زرع أعضاء، ويموت أكثر من 6000 شخص كل عام قبل أن تتاح له فرصة الحصول على متبرع لزراعة الأعضاء.

وقد قال الدكتور بارتلي جريفيث، وهو الجراح الذي قام بعملية زرع قلب الخنزير لديفيد بينيت: “كانت هذه عملية جراحية رائعة وتقربنا خطوة أخرى من حل أزمة نقص الأعضاء”. “ببساطة لا يوجد ما يكفي من القلوب البشرية المانحة المتاحة لتلبية القائمة الطويلة من المرضى المحتاجين لزراعة قلب”.

.